جمهور غاضب وإمرأة خانها صوتها أثناء تقديمها وصلة غنائية، وطفل يقف على خشبة المسرح إلى جانب والدته، حتى يتدخل ويكمل الأغنية عنها، ونال الطفل ذو الخمسة أعوام إعجاب وحب الجماهير الذين تبدلت صيحات استهجانهم إلى تصفيق حاد.
هذا المشهد المأساوي ليس سوى جزء من الصدمات التي تعرض لها الفنان الكوميدي العالمي الصامت تشارلي تشابلن، خلال طفولته الضائعة بين مسح الأحذية والحلاقة، وصناعة الألعاب رخيصة الثمن.
الحزين الذي أضحك العالم أجمع، لمحات سريعة من الجانب الخفي للكوميدي الشهير، تعرفوا إليها.

فقر مدقع

“هانا هاربيت شابلن” والدة تشارلي، التي كانت تعمل كفنانة على المسرح، وتعيش مع إبنها غير الشرعي “سدني شابلن” في أكثر المناطق فقراً وبؤساً في لندن.
تزوجت من “تشارلز تشابلن الأب”، وأنجبت عام 1889 طفل أسمته “السير تشارلز سبنسر تشابلن”، ولقب بـ “تشارلي تشابلن”، قبل أن يتركهما الوالد، وتبدأ الأم برعاية الطفلين وحدها في ظروف مادية صعبة للغاية.
اضطرت هانا للعمل في الخياطة الى جانب الغناء، ورهنت جميع مملكاتها وتحملت المسؤولية وحدها، تلك المسؤولية التي فاقت قدراتها، ليبدأ وضعها المادي بالتدهور أكثر فأكثر.
وفي عام 1896، أودعت الحكومة الإنجليزية أطفال هانا في إصلاحية الفقراء، ما جعل هانا تدخل في أزمة نفسية عنيفة، نقلت على إثرها مستشفى الأمراض النفسية.
توفي والد تشارلي بعد ذلك بفترة قصيرة، وخرجت الأم من المستشفى بعد شفائها من المرض، إلا أن حالتها الصحية لم تساعدها للعمل ثانية، وبسبب سوء الأوضاع المادية، لم يكن لتشارلي خيار سوى العمل، وبدأ حينها ببيع الجرائد، وصنع الألعاب، ونفخ الزجاج، حتى أنه عمل في الحلاقة، ومسح الأحذية.
بدأت مساعي تشارلي الحقيقية لمواجهة الفقر عبر خطوات تدريجية قادته لعالم المسرح، بداية من تلك الأدوار البسيطة والصغيرة التي لا تكاد تُذكر في بعض المسرحيات.

السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية

سافر تشارلي عام 1910 إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث قدم دور الرجل السكير، الذي إستلهمه من والده، ورافقه لمدى الحياة، حتى أصبح يلقب بالـ “السكير المتأنق”.
وبعد عامين من زيارته الأولى، عاد تشارلي بعد سنتين إلى أميركا، بعد دعوة خاصة للانضمام لشركة نيويورك السينمائية بعدما حقّق نجاحا كبيرا في المسرحيات التي قدّمها.
وعرض أول فيلم قصير له عام 1914، بإسم “كسب العيش”، جاءت ردود الفعل إيجابية، ليشكل هذا الفيلم بداية فريدة، لشخصيته الغريبة، بملابسه المميزة وماكياجه الغريب، وولدت شخصية “المتشرد الصعلوك”.
نجاحات عديدة وأفلام كثيرة، أدت إلى تغير حياة تشارلي تغيراً جذرياً، وقدم له عقد في هوليوود بقيمة مليون دولار واشترى بيتا كبيرا في كاليفورنيا، وجعل أخاه سيدني مستشاره الفني، ونقل والدته من مستشفى الأمراض النفسية إلى منزله. لم يتوقّف تشارلي عند هذا الحد، فبعدما أصبح تشارلي ممثلا ومخرجا وكاتب سيناريو، افتتح استوديوهاته الخاصة، التي عُرفت بأستوديوهات “تشارلي بل”.
تزوج تشارلي من 3 نساء قبل زواجه من حب حياته أونا أونيل، وهي ابنة الكاتب المسرحي أوجين أونيل، وأنجب 8 أطفال، وكانت هذه إحدى أهم مراحل استقرار تشارلي، والتي لم تدم كثيرا حتى بدأت المخابرات الأميركية بمراقبته بهدف طرده من البلاد.

إتهام بالشيوعية

تزامناً مع حقبة الحرب الباردة، لم يكن يعلم تشارلي تشابلن أنه كان مراقباً من المخابرات الأميركية بتهمة “أنه شيوعي”، في فترة كانت تهمة الشيوعية من أسوأ التهم التي قد تواجه أي فرد يعيش داخل الولايات المتحدة.
استدعته المخابرات الأميركية بعد فترة، ووجهت إليه التهم، لتدخله بنوبة ضحك ممزوجة بالسخرية، وكان السبب جملة قالها تشارلي أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي: “إذا كنا نرغب في كسب الحرب العالمية الثانية، وإذا كنا نريد من روسيا أن تظهر لنا تعاونها الكامل، فعلينا أن نتوقف عن شن الحملات ضد الشيوعيين”. وكان هذا التصريح وحده سببا كافيا لاتهامه بالشيوعية، ليترتب على هذه التهمة إيقاف أعماله مع هوليوود، أو حتى الدخول إلى الولايات المتحدة.
ورغم إصرار تشارلي على إنكار التهم الموجهة له، إلا أن ذلك لم يمنع طرده من أميركا، ومنعه من الدخول إليها إلى الأبد. على إثر ذلك، سافر تشارلي من أميركا إلى أوروبا، وعاش فيها هو وزوجته وأولاده.

دعوة إلى الولايات المتحدة بعد 20 عاماً

بعد 20 عاماً، تلقى تشارلي تشابلن دعوة موجهة له في إستلام جائزة الأوسكار في الولايات المتحدة، وقف تشارلي وبيده الرسالة، ناظرا إليها بخوف وتردد مبني على مخاوفه القديمة، خاصة تلك الذكريات التي عومل فيها بطريقة همجية وكأنه عدو.
وبعد إلحاح زوجته بالذهاب وإستلام الجائزة، قبل تشارلي لتكون هذه أول خطوة يخطوها في الولايات المتحدة الأميركية بعد انقطاع دام 20 عاماً، وفي طريقه للحفل، طلب من السائق التوقف عن إحدى الستديوهات التي كان ينتج فيها أفلامه، ليتفاجأ بتحوّله إلى متحف. شعر تشارلي بالأسى، وطلب من السائق مواصلة طريقه، وعيناه تمتلآن بالدموع.
وحين وصل تشارلي إلى المسرح، بدأ الجمهور يصفق له لمدة دقيقتين متواصلتين، وكان قد ظن أن الجمهور قد نسي من هو “تشارلي تشابلن”.

هذه الأحداث تركت بصمة عميقة في نفس تشارلي وطريقة تفكيره، فشخصية الرجل المتشرد التي أداها في افلامه كان سببها الظروف القاسية التي عاشها طيلة حياته، واستطاع أن يخلق نوعا جديدا من الكوميديا التي أضحكت ملايين الناس، على الرغم من أنها في الحقيقة كانت تنبع من هموم كبيرة حملها منذ صغره.

شاركها.
Exit mobile version