في خطوة تاريخية، دعا عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح وحل الحزب، مما يمهد الطريق لعملية سلام جديدة في تركيا وإعادة تشكيل التحالفات في سوريا. تحمل هذه الدعوة فرصة لإنهاء صراع دامٍ استمر لعقود، لكن نجاحها يعتمد على تجاوب الأطراف المعنية.

اعلان

في خطوة غير مسبوقة ومفصلية في تاريخ الصراع الكردي التركي، دعا عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني والمعتقل منذ عام 1999 في سجن جزيرة إمرالي، حزبه إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه. وجاء ذلك في رسالة مؤثرة ومفاجئة قرأها أحمد ترك، القيادي في حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، خلال مؤتمر صحفي عقد اليوم، 27 فبراير 2025.

وقال أوجلان في رسالته: “إعقدوا مؤتمركم واتخذوا قرارًا. يجب على جميع المجموعات إلقاء أسلحتها، ويجب على حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه”. لم يكتفِ الزعيم الكردي بذلك، بل تحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة، مما يعكس تحولاً جذريًا في موقفه بعد عقود من الصراع المسلح ضد الدولة التركية.

نقطة تحول في صراع دموي مستمر منذ عقود

تُعد هذه الدعوة بمثابة نقطة تحول تاريخية في الصراع المستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، وهو الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص وأدى إلى نزوح الملايين. ويُصنف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما جعله على مدار العقود هدفًا لعمليات عسكرية وملاحقات أمنية واسعة النطاق.

ومع ذلك، فإن دعوة أوجلان لإلقاء السلاح تحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة، فهي تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية متسارعة، خاصة مع التطورات الجارية في سوريا والعراق، والتوترات المتصاعدة بين أنقرة وحلفائها الغربيين بشأن الملف الكردي.

الأبعاد الداخلية في تركيا: هل هي بداية فصل جديد من السلام؟

في الداخل التركي، من المتوقع أن تفتح دعوة أوجلان الباب أمام عملية سلام جديدة بين الحكومة التركية والأقلية الكردية التي تُقدّر بنحو 20% من سكان البلاد. قد تؤدي هذه الخطوة إلى:

–      تقليل التوترات الداخلية، خاصة في المناطق الجنوبية الشرقية ذات الأغلبية الكردية، التي شهدت على مدار عقود مواجهات عنيفة بين الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني.

–      تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، مما قد يسهم في دمج الأكراد بشكل أكبر في الحياة السياسية والاجتماعية التركية، وهو ما قد يعزز الوحدة الوطنية ويخفف من حدة الاستقطاب العرقي والسياسي.

–      تحسين العلاقات الدولية، حيث يمكن لأنقرة الاستفادة من هذه الخطوة لتحسين علاقاتها مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، الذين انتقدوا مرارًا سياساتها تجاه الأكراد.

ولكن على الرغم من ذلك، تبقى هناك أسئلة مهمة في هذا السياق، منها ما يدور حول استجابة الحكومة التركية لهذه الدعوة، فالرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم لطالما تبنوا موقفًا متشددًا تجاه حزب العمال الكردستاني، وقد يرون في هذه الدعوة فرصة لإنهاء التمرد المسلح بشروط الدولة.

من ناحية أخرى، يجب الانتظار قبل الاستنتاج بأن الأكراد سوف يستجيبون بدورهم تماماً لدعوة أوجلان، خصوصاً مع تعقد علاقاتهم، والتغيرات التي يشهدها الإقليم، والتي قد يرون فيها فرصاً لتحسين شروطهم.

الأبعاد الإقليمية في سوريا: إعادة تشكيل التحالفات والتوازنات

تمتد تأثيرات دعوة أوجلان إلى الساحة السورية، حيث يُعتبر حزب العمال الكردستاني وحلفاؤه، مثل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، من اللاعبين الرئيسيين في شمال البلاد. حيث تُسيطر هذه الفصائل على مناطق واسعة وتلعب دورًا محوريًا في الحرب ضد داعش بدعم من الولايات المتحدة.

وهناك، قد تؤدي دعوة أوجلان إلى إعادة تشكيل التحالفات والتوازنات، خاصة في ظل تعقيدات الصراع السوري وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، بما في ذلك تركيا، الولايات المتحدة، روسيا، وإيران.

كما أنها قد تشجع الفصائل الكردية على الدخول في مفاوضات سواء معالحكومة السورية أو مع قوى إقليمية أخرى، بهدف تحقيق تسوية سياسية تضمن حقوق الأكراد وتساهم في استقرار المنطقة.

إلى جانب ذلك، تبرز إمكانية تخفيف حدة التدخلات التركية في شمال سوريا، حيث لطالما بررت أنقرة عملياتها العسكرية بمحاربة مس تسميه “الإرهاب الكردي”. وبالتالي فهي قد تضطر الآن إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية والسياسية.

وتأتي هذه الدعوة في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط اضطرابات سياسية وأمنية غير مسبوقة، مما يجعل منها فرصة تاريخية نادرة لإنهاء صراع دامٍ امتد لعقود.

اعلان

ولكن كما في تركيا، فإن استجابة الأكراد في سوريا لدعوة أوجلان ليست محسومةً تماماً. وعلى الصعيد الإقليمي، قد تعيد هذه الخطوة رسم خارطة التحالفات، خاصة إذا نجحت في تحقيق تقارب تركي-كردي يؤدي إلى خفض التصعيد في سوريا والعراق.

أمل وحذر

إذاً، ورغم الأمل الكبير الذي تحمله دعوة أوجلان، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تعرقل تحقيق السلام، منها الموقف داخل حزب العمال الكردستاني: حيث قد تواجه الدعوة رفضًا من الأجنحة المتشددة في الحزب، خاصة أولئك الذين يرون في الكفاح المسلح الخيار الوحيد لتحقيق الحقوق الكردية.

كما يجب انتظار التفاعل الحكومي التركي، إذ تعتمد فعالية هذه الدعوة على مدى استعداد أنقرة لتقديم تنازلات سياسية، مثل تعزيز الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد.

ومع ذلك كله، تشكل دعوة عبد الله أوجلان لإلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني منعطفًا تاريخيًا يحمل في طياته فرصًا وتحديات في آن واحد.

اعلان
شاركها.
Exit mobile version