تُقر شركة “إنتل” بحجم التحديات التي تُواجهها على نحوٍ واسع، وهي تحديات نتائج تراكم عديد من العوامل التي دفعت إلى تصاعد حالة عدم الثقة في صفوف كثير من المستثمرين، والشكوك المتصاعدة في قدراتها.
ومع هذا الوضع، اعترف الرئيس التنفيذي للشركة، بات جيلسنجر، قبل نهاية الأسبوع الماضي، بأن الأسابيع القليلة الماضية كانت صعبة منذ تقرير الأرباح “الكارثي” للشركة المصنعة للرقائق ، لكنّه طمأن المستثمرين بالإشارة إلى أن شركته “تعمل جاهدة لمعالجة مخاوف المستثمرين”.
في حديث جانبي في مؤتمر دويتشه بنك للتكنولوجيا في دانا بوينت بولاية كاليفورنيا، قال جيلسنجر: “نحن نحترم بعض الشكوك التي تلقيناها من السوق.. نعتقد بأننا قادرون على مواجهة التحدي”، حسبما نقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، في تقرير لها اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
- سهم الشركة كان قد تراجع بنحو 26 بالمئة عقب الإعلان عن تقرير الأرباح الفصلية المخيب للآمال أخيراً، وبما يمثل أسوأ أداء يومي لها في وول ستريت منذ أكثر من خمسة عقود.
- تتداول الأسهم حالياً قرب أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد من الزمان.
- وفق بيانات companies market cap التي اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليها، فإن القيمة السوقية للشركة انخفضت بأكثر من النصف منذ بداية العام الجاري، وذلك بعد ارتفاعها بأكثر من 94 بالمئة العام الماضي، وانخفاضها بنحو 48 بالمئة في 2022.
وبالعودة لتقرير الشبكة الأميركية، فقد لفت إلى تعرض الشركة إلى ضغوط هائلة في السنوات القليلة الماضية، حيث تواصل إنفاق مليارات الدولارات على بناء أعمال تصنيع الرقائق بينما تنزف حصتها في السوق في أعمالها الأساسية في مجال أجهزة الكمبيوتر الشخصية ومراكز البيانات وتفشل في تحقيق تقدم ملموس في مجال الذكاء الاصطناعي.
أبرز الأسباب
وتعليقاً على ذلك، يوضح المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن تأخر “إنتل” في السباق التكنولوجي يعود إلى عدة أسباب وتحديات رئيسية، خاصة في ظل المنافسة الشديدة مع عمالقة صناعة أشباه الموصلات مثل “AMD” و”TSMC” و”سامسونغ”، ومن بين تلك الأسباب:
- التأخير في تطوير تقنيات التصنيع، وهي واحدة من أكبر التحديات التي واجهت “إنتل”، فالشركة تأخرت في إطلاق تقنيات التصنيع بقياس 10 نانومتر و 7 نانومتر و 5 نانوميتر مما أعطى منافسين مثل “TSMC” فرصة للتميز وتقديم معالجات بتقنيات تصنيع أكثر تطورًا وفعالية.
- المنافسة من “AMD”: خلال السنوات الأخيرة، استفادت “AMD” من التأخير الذي واجهته “إنتل” ونجحت في إطلاق معالجات Ryzen التي تقدم أداءً ممتازًا مقارنة بمعالجات “إنتل” وبأسعار تنافسية، مما أضعف هيمنة “إنتل” في سوق المعالجات.
- التحولات في السوق: تحول الطلب نحو معالجات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة وأداءً عالياً في الحوسبة السحابية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي مجالات تواجه فيها “إنتل” منافسة شديدة. “إنتل” كانت بطيئة في التحرك نحو تلبية هذه المتطلبات الجديدة مقارنة بمنافسيها.
- استراتيجيات الاستحواذ غير المثمرة: قامت “إنتل” بعدة عمليات استحواذ في السنوات الأخيرة، لكنها لم تؤتِ الثمار المتوقعة، ما أدى إلى استنزاف الموارد دون تحقيق قفزات نوعية في المنتجات أو التكنولوجيا.
من بين الأسباب التي يشير إليها بانافع أيضاً ما يرتبط بـ “إدارة التغيير والابتكار” ذلك أن “إنتل” تعرضت لانتقادات بشأن قدرة إدارتها على مواكبة التغييرات السريعة في الصناعة. بينما قامت شركات أخرى بالتكيف بسرعة مع التغيرات، واجهت “إنتل” صعوبات في تحويل استراتيجياتها وتحقيق تقدم ملحوظ.
كما يلفت المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، في الوقت نفسه إلى معضلة “الاعتماد على الأسواق التقليدية”، فقد كانت “إنتل” تعتمد بشكل كبير على أسواق الحواسيب الشخصية والخوادم التقليدية، وهو ما جعلها غير مستعدة بشكل كافٍ لمواجهة التغيرات السريعة نحو التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء.
ويشدد على أن الشركة تحتاج إلى جذب أفضل المهندسين والعلماء لضمان استمراريتها ونموها، وهو ما يتطلب توفير بيئة عمل جاذبة واستثمار كبير في التدريب والتطوير.
ضعف أعمال الخوادم
وكان جيلسنجر، قد ذكر في تصريحاته المشار إليها أن الشركة لا تزال تعاني من ضعف في أعمال الخوادم بسبب الذكاء الاصطناعي. لكنه أعرب عن تفاؤله بالمستقبل، قائلاً: “نحن نرى خط النهاية في الأفق (في إشارة لانفراجة وشيكة)”.
وأضاف أن الشركة ستطلق قريباً Lunar Lake، والذي وصفه بأنه “أكثر منتجات أجهزة الكمبيوتر الشخصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي إقناعاً على الإطلاق”.
وفي خضم جهودها للخروج من وطأة التحديات، تعاقدت الشركة مع مستشارين بما في ذلك مورغان ستانلي؛ لمساعدتها في صد التدقيق من جانب المستثمرين النشطين. فيما لم يتطرق جيلسينجر إلى قضية النشطاء أو الرحيل المفاجئ الأسبوع الماضي للمخضرم في الصناعة ليب بو تان من مجلس إدارة إنتل. وذكرت رويترز أن تان كان على خلاف حاد مع المديرين الآخرين بشأن الخطوات التي يتعين على الشركة اتخاذها. واعترف جيلسنجر بأن المساهمين في إنتل غير راضين عن أداء الشركة.
أعلنت إنتل في وقت سابق من هذا الشهر، في يوم تقرير أرباحها، أنها ستسرح 15 ألف موظف وستدرس تخفيضات في محفظتها. وقال جيلسنجر إنه يعتقد أن هذه الجهود ستؤتي ثمارها، وأشار إلى ”إشارات” من عملاء مصانع السبائك الخارجية في طور الإعداد.
ويشار إلى أنه في الربع الأخير، تحولت شركة إنتل إلى خسارة صافية بلغت 1.61 مليار دولار بعد الإبلاغ عن صافي دخل بلغ 1.48 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي، كما جاءت الإيرادات دون التقديرات.
لماذا تأخرت إنتل عن الركب؟
استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- إنتل لم تتأخر فقط في سباق الذكاء الاصطناعي، بل تأخرت أيضاً منذ 10 إلى 15 سنة في سباق الهواتف المحمولة؛ فالمعالج الرئيسي للموبايلات اليوم ليس “إنتل”، بل هناك “كوالكوم” وغيرها الكثير.
- تتفوق “ARM” و”أبل”.. وكانت “إنتل” في موقف مريح في تحالفها مع “مايكروسوفت”، حيث كانت مسيطرة معها على سوق الحواسيب.
- كما كانت “مايكروسوفت” تظن أنها ستتمكن من بناء نظام تشغيل للهواتف وأن “إنتل” ستبقى الشريك المتحالف معها في ذلك. لكن “مايكروسوفت” فشلت وتم تغيير المسؤول التنفيذي لديها ستيف بالمر. بالتالي، “إنتل” لم تحسب الأمور بشكل صحيح ولم تلحق بـ”أبل” ولا بـ”أندرويد” من “غوغل”، وخرجت من المنافسة في سوق الهواتف.
ويضيف: الآن نرى خروجها أيضاً من المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي.. وكل هذه القرارات الخاطئة جاءت نتيجة الاطمئنان المبالغ فيه، رغم أن الشركة كانت تحقق مكاسب هائلة ولديها تقدم كبير في صناعة الرقائق الدقيقة. لكن الاختيارات الاستراتيجية والتخطيط كان خاطئاً.
بينما على الجانب الآخر الفرصة خدمت “إنفيديا”؛ لأنها كانت متخصصة في الحوسبة للرسوم الجرافيكية، وهي متطلبات مشابهة جداً لمتطلبات حسابات الذكاء الاصطناعي؛ ففي الحالتين، تعتمد العمليات الحسابية على حسابات المصفوفات، وهي مجموعة من الأرقام موضوعة في شكل مصفوفة، وتُجرى عليها عمليات حسابية، غالباً تكون عمليات ضرب، وهذه العمليات أكثر ملاءمة لوحدات معالجة الرسومات (GPUs) التي تستخدمها “إنفيديا”، وليست لوحدات المعالجة المركزية (CPUs) التي تصنعها “إنتل”، وفق جلال.
ويستطرد: يمكن القول إن “إنتل” لم تستغل القوة التي كانت تمتلكها، ولم تستغل هيمنتها على السوق، ولا الأرباح الهائلة، ولا قدرتها على التصنيع وإدارة الشركاء المصنعين بشكل صحيح. كما لم تستغل البحث والدراسة التي كانت تمتلكها بشكل يجعلها تستشرف المستقبل. وهنا يبرز دور الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة، فليس فقط تنفيذ الخطط الحالية هو المهم، بل استشراف المستقبل والاستعداد له هو الأهم.