نعرف جميعًا أن كوكب المريخ هو الكوكب الأحمر، لكن أبحاثًا جديدة كشفت أن المعادن الحمراء الصدئة التي تغطي سطحه تحتوي على كميات ضئيلة من الماء، مما يشير إلى أن الكوكب قد مر في الماضي بفترة باردة ورطبة .
يعتقد العلماء أن الاكتشافات الأخيرة قد تُسهم فيفك لغز تحول كوكب المريخ إلى صحراء مترامية الأطراف من أكسيد الحديد. فمن خلال دراسة مستفيضة استمرت لعقود عبر مئات من المركبات الفضائية، تأكد للعلماء أن سطح المريخ، بما يحتويه من بحيرات وأنهار جافة، يُشير بوضوح إلى وجود ماء سائل في الماضي. كما كشفت المهام الفضائية عن وجود طبقات من الجليد على أعماق كيلومترات تحت أقطاب الكوكب. ويأمل الباحثون أن يتمكن مسبار Perseverance خلال العقد القادم من جلب عينات قد تُحدث تحولًا جذريًا في فهمنا لتاريخ المريخ.
في الاكتشاف الأخير، لجأ العلماء إلى محاكاة غبار المريخلإجراء دراسة نشرت في مجلة Nature Communications. وكشفت البيانات التي جمعتها المهمات السابقة أن اللون الأحمر المميز للمريخ ناتج عن أكاسيد الحديد المحتوية على الماء، والمعروفة باسم Ferrihydrite، والتي تتشكل بسرعة في المياه الباردة. ويشير ذلك إلى أن هذه الأكاسيد تكونت في فترة كان الماء السائل موجودًا على سطح المريخ.
أوضح كولين ويلسون، عالم الفضاء في وكالة الفضاء الأوروبية، أن النتائج الجديدة أظهرت تشابهًا كبيرًا بين الصدأ الموجود على المريخ وذلك الموجود على الأرض. وأشار إلى أن “الغلاف الجوي للمريخ جاف للغاية، ولكن هذا البحث يُظهر أن الصدأ هناك يحتوي على ماء بشكل يشابه الصدأ الموجود على الأرض.”
فهم جديد لأسباب اللون الأحمر للمريخ
أكد أدوماس فالانتيناس، الباحث الرئيس في الدراسة، أن النتائج غيّرت المفهوم السائد لأسباب وكيفية تحول المريخ إلى اللون الأحمر. وأوضح بالقول: “دراستنا أكدت وجود الماء السائل في الماضي، لكنها قدمت تفسيرًا جديدًا لسببصدأ المريخ. نعلم الآن أن الصدأ تشكل بوجود الماء السائل، وربما كان هناك أكسجين من الماء أو الهواء ساعد في عملية الصدأ.”
أسئلة علمية متجددة عن مصدر الماء وأثره
فتحت هذه الاكتشافات الباب أمام تساؤلات علمية جديدة، أبرزها: ما هو مصدر الماء على المريخ؟ هل كان من الأمطار أم من بحار قديمة؟ وهل لعب النشاط الميكروبي دورًا في تكوين المعادن؟ كما تساءل العلماء عن سبب عدم ظهور علامات للحياة في المواقع التي احتوت على ماء سائل.
أوضحت الدراسة أن الغبار الأحمر على المريخ ينتشر بفعل الرياح، نظرًا لعدم وجود أمطار تغسله كما يحدث على الأرض. وشبّه فالانتيناس هذا الغبار بغبار الصحراء الكبرى الذي يصل أحيانًا إلى أوروبا، ولكنه يبقى على المريخ بسبب غياب الأمطار.
يتطلع العلماء إلى تحقيق فهم أعمق عبر العينات التي سيجلبها Perseveranceفي المستقبل. ويعتقدون أن اكتشاف الغبار الغني بالماء قد يعيد صياغة الجدول الزمني لتكوّن هذا الغبار. كما أن معرفة أماكن وجود الماء قد تساعد في البحث عن علامات الحياة.
وقال ويلسون: “معرفة أماكن وجود الماء لا تقتصر فقط على البحث عن الحياة، بل تُسهم أيضًا في تصنيع وقود الصواريخ لرحلة العودة إلى الأرض.” وأضاف: “بعد معرفة أن هذا الغبار الغني بالماء منتشر في كل مكان تقريبًا، يجب علينا إعادة تقييم تاريخ تشكله.”
تُعيد هذه الدراسة صياغة فهمنا للون الأحمر الأيقوني لكوكب المريخ، وتطرح أسئلة جديدة حول تاريخ الماء وإمكانية وجود حياة قديمة على الكوكب. كما تُبرز أهمية مواصلة استكشاف المريخ لفهم ماضيه المائي وتأثيراته على البيئة والتاريخ الجيولوجي للكوكب.