خاص

ديور

تواجه بيوت الأزياء العالمية وشركات السلع الفاخرة تحديات مالية متزايدة بسبب التباطؤ الحالي في السوق الصينية، التي تعد من أكبر الأسواق المستهلكة للمنتجات الفاخرة في العالم.

ومع انخفاض الطلب في الصين الناتج عن عوامل اقتصادية، تجد إمبراطوريات الموضة نفسها أمام ضغوط تؤثر على مبيعاتها وأرباحها، مما يدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجياتها للتعامل مع تباطؤ أحد أهم محركات النمو لديها.

ولكن يبدو أن متاعب العلامات التجارية للسلع الفاخرة في السوق الصينية لا تقتصر فقط على العامل الاقتصادي، بل تمتد لتشمل عاملاً نادراً يُسمى “إرهاق السلع الفاخرة” أو “إرهاق الرفاهية”، ويؤثر بشكل سلبي جداً على مبيعات هذه الشركات، حيث كشف تقرير أعدته مجلة “فورتشن” واطلع عليه موقع اقتصاد “سكاي نيوز عربية”، أن هذه القضية الحرجة والمثيرة للقلق سوف تتسبب باستمرار الأزمة الحالية لبيوت الأزياء والسلع الفاخرة لفترة طويلة.

أعوام معقدة تنتظر صناعة الرفاهية

وبحسب فريدريك غرانغي، رئيس قسم الساعات والمجوهرات في مجموعة شانيل، فإن هناك شعوراً يضرب السوق الصينية، يتمثل بتساؤل العملاء عن الهدف من صناعة السلع الفاخرة، وهذا الشعور ناتج عما يُعرف بـ “إرهاق الرفاهية” أو “إرهاق السلع الفاخرة”، مشيراً إلى أن  صناعة السلع الفاخرة معتادة على تجاوز فترات صعبة في الاقتصاد العالمي، لكن هذه القضية الجديدة التي تواجهها ستؤثر بشكل عميق على أعمالها، لأن العملاء سئموا من التعرض للضغط الشديد والمرهق من قبل شركات السلع الفاخرة.

وتوقع غرانغي في حديثه لصحيفة  Le Tempsالسويسرية، أن يكون كل من عام 2025 وعام 2026 من الأعوام المعقدة بالنسبة لصناعة الرفاهية، فالصين كانت المحرك لنمو صناعة السلع الفاخرة في السنوات الأخيرة، وأصبحت بعض الشركات تعتمد عليها بشكل مفرط، لافتاً إلى أنه إذا أصبحت أزمة “إرهاق السلع الفاخرة” تحدث بشكل متكرر، فإن ذلك سيحتّم على بيوت الأزياء العالمية وشركات السلع الفاخرة تبني سياسة طويلة الأجل لمعالجة هذه المشكلة.

العلامات الفاخرة تعتمد على الصين

ولسنوات، ونظراً لحجمها السكاني الهائل ونموها الاقتصادي السريع، تمت الإشادة بالصين، على اعتبار أنها شريان أرباح موثوق للعلامات التجارية الفاخرة، خصوصاً في أعقاب انتشار جائحة كوفيد-19، فبين عامي 2021 وأوائل عام 2023، شهد البر الرئيسي للصين تضخماً في مبيعات السلع الفاخرة، مع نموها بنسبة 36 في المئة على أساس سنوي في عام 2021 وحده، وكان هذا الارتفاع مدفوعاً إلى حد كبير بثلاث محركات رئيسية هي الإنفاق الانتقامي بعد عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19، عمليات الشراء المعاد توجيهها بسبب قيود السفر، وزيادة الدخل المتاح من انخفاض نفقات السفر، وذلك بحسب “بزنس إنسايدر”.

تباطؤ في المبيعات

ولكن في 2024، بدأت بيوت الأزياء العالمية وشركات السلع الفاخرة، بالإبلاغ عن انخفاض في مبيعاتها، موجهة أصابع الاتهام في ذلك إلى المستهلكين الصينيين، فوفقاً لـ “بلومبرغ” أعلنت شركة LVMH التي تدير نحو 75 علامة تجارية فاخرة، تتراوح بين الأزياء والمجوهرات والفنادق والمشروبات الروحية، عن تسجيلها انخفاض في مبيعاتها بنحو 5 في المئة على صعيد عالمي، خلال الربع الثالث من 2024، وكان هذا أسوأ أداء لها منذ الربع الثاني من عام 2020. أما على صعيد مبيعات منطقة آسيا التي تضم الصين (باستثناء اليابان)، فقد سجّلت مبيعات LVMH انخفاضاً بنسبة 16 في المئة في الربع الثالث من 2024، وهو أداء أسوأ مما توقعه المحللون.

بدورها أعلنت شركة Kering المالكة لعلامة Gucci عن تسجيلها انخفاض في المبيعات بنسبة 15 في المئة خلال الربع الثالث من 2024.

ملفات دولية معقدة تنتظر ترامب في البيت الأبيض

ما هو “إرهاق الرفاهية” وما أسبابه؟

وتقول الخبيرة في التسويق ساندرا ملحم، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن “إرهاق الرفاهية”، أو ما يعرف بـ “إرهاق السلع الفاخرة”، هو ظاهرة نفسية واجتماعية بدأت تبرز مع تزايد انتشار السلع الفاخرة وتنوعها وتكاثر الحملات التسويقية الموجهة نحو المستهلكين، فرغم أن هذه السلع وُجدت أساساً لتمنح أصحابها شعوراً بالتميز والرفاهية، إلا أن التجربة الناتجة عنها غالباً ما تتحول إلى مصدر للتوتر والضغط المستمر على المدى الطويل، مشيرة إلى أن أحد أهم أسباب هذا الإرهاق هو التعرض المكثف للإعلانات، إذ تواصل العلامات التجارية الفاخرة ضخ محتوى تسويقي واسع، على المنصات الرقمية ووسائل الإعلام، ما يجعل المستهلكين يشعرون وكأنهم مطالبون بشكل دائم، بامتلاك أحدث المنتجات أو التصاميم، وهذه الحالة تجعل المتسوقين في حالة سباق مستمر لمواكبة الجديد، مما يفقد هذه السلع بريقها الأساسي.

وشددت ملحم على أن التكاليف المالية هي من أهم الأسباب التي تساهم بانتشار ظاهرة “إرهاق السلع الفاخرة”، حيث أن أسعار هذه السلع غالباً ما تكون مرتفعة، وما يزيد إرهاق المستهلكين أكثر هو لجوء العلامات التجارية، إلى رفع أسعارها بشكل مستمر وطرح مجموعات جديدة من الألبسة والسلع بوتيرة متسارعة، ما يضع المستهلكين تحت ضغط مواكبة الجديد باستمرار ويشعرهم بالإرهاق المالي، لافتة إلى أن الشركات كانت تظن أن “المنافسة الاجتماعية” بين أفراد المجتمع الصيني، ستدفع المستهلكين لإثبات مكانتهم من خلال امتلاك السلع الفاخرة مهما ارتفع سعرها، ولكن تبين أن العملاء الصينيين باتوا في حالة من العبء النفسي وابتعدوا جزئياً عن شراء السلع الفاخرة.

وبحسب ملحم فإن “إرهاق الرفاهية” في الصين، يعكس تحولاً خطيراً في علاقة المستهلكين مع الشركات، التي عليها معالجة هذا الأمر سريعاً، حيث أن الاستنزاف النفسي والمادي قد يؤثر على رغبة المستهلكين، في الاستمرار بعملية الشراء على المدى الطويل، ما يهدد استقرار سوق السلع الفاخرة، ونموها المستدام في واحدة من أكبر أسواقها العالمية.

S&P Global: الصين هي السوق الأساسي لنفط الشرق الأوسط

الشركات مسؤولة عن أزمتها

من جهتها تقول الصحافية والكاتبة رنى سعرتي في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المشهد المتغير لاستهلاك السلع الفاخرة في الصين، هو دعوة للعلامات التجارية للتطور بسرعة، فإلقاء اللوم على السوق فقط وعدم القيام بإجراءات ضرورية، من شأنه أن يعرض هذه العلامات لخطر كبير، فالشركات بحاجة إلى معرفة، أن فعلته من خلال إرهاق العملاء برفع الأسعار بشكل مستمر دون تقديم أي قيمة مضافة، هو الذي تسبب بمعاناتها اليوم، كاشفة أنه للوهلة الأولى، قد تبدو أرقام تراجع المبيعات في الصين مثيرة للقلق، ولكن عند معرفة أن شركات منها شانيل ولويس فيتون نفذت زيادات متعددة في الأسعار في الصين وبنسب تراكمية تجاوزت الـ 50 في المئة خلال السنوات الثلاث الأخيرة نفهم سبب ما يحصل.

وتشرح سعرتي أن العديد من المستهلكين الصينيين شعروا أن الزيادة التي قامت بها الشركات، لم تكن مبررة بأي تحسينات ملموسة في الجودة أو التصميم، وقد أدركوا أيضاً أن الارتفاع في الأسعار في الأسواق المحلية، لم يواكبه ارتفاع موازٍ في الأسواق الأخرى من العالم، وهذا ما تسبب بحالة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، ودفع الكثير من العملاء الأغنياء للقيام بإعادة تقييم لعلاقتهم مع العلامات التجارية الفاخرة، في حين أن رفع القيود عن السفر مع انحسار كوفيد-19، سمح للكثير من الصينيين بالسفر وشراء السلع الفاخرة من خارج البلاد، وتحديداً من اليابان التي تحوّلت إلى مركز جديد للسلع الفاخرة، بأسعار أفضل من تلك التي تباع في الصين.

وترى سعرتي أن السؤال اليوم ليس ما إذا كان المستهلكون الصينيون لا يزالون يريدون السلع الفاخرة، بل ما إذا كانت العلامات التجارية الفاخرة مستعدة لمنحهم ما يرغبون فيه حقاً، لافتة في هذا الإطار إلى ما حققته مجموعة برادا مع إعلانها عن تحقيق زيادة في الإيرادات بنسبة 18 في المئة على أساس سنوي في الأشهر التسعة الأخيرة، حيث يُعزى هذا النجاح إلى الجهود التسويقية الاستراتيجية، والمرونة والديناميكية والتركيز على تقديم منتجات خالدة وفاخرة ومتعددة الاستخدامات، دون إرهاق العملاء وإجبارهم على تجديد محتويات خزانتهم كل عدة أشهر.

شاركها.
Exit mobile version