خاص

المبيعات العالمية للسلع الفاخرة

أنهت شركات السلع الفاخرة عام 2024 على وقع تباطؤ ملحوظ يعكس حجم التحديات والضغوط التي واجهها هذا القطاع العريق على مدى 12 شهراً.

ومع طي صفحة هذا العام الصعب، تتحول الأنظار الآن إلى عام 2025، الذي سيشكل اختباراً حاسماً لقدرة العلامات التجارية الفاخرة على التكيف مع واقع جديد مليء بالتحديات والفرص، في ظل مزيج معقد من الضغوط الاقتصادية، والتحولات السياسية والتغييرات في أنماط المستهلكين، حيث ستحتاج هذه الصناعة إلى إعادة صياغة استراتيجياتها، لتظل قادرة على المنافسة في سوق شديدة التغير.

ويرى الخبراء أنه بعد عام 2024 المضطرب، ستواجه العلامات التجارية للسلع الفاخرة تحدياً في إثبات قيمتها الحقيقية للعملاء الأكثر إنفاقاً، مع مغازلة الطبقة المتوسطة التي يجب العمل على استقطابها، فبحسب تقرير Altagamma-Bain الذي يصدر سنوياً والذي يعد مرجعاً مهماً لصناعة السلع الفاخرة حول العالم، فإن سوق السلع الفاخرة سجّلت خلال عام 2024 انخفاضاً بلغت نسبته 2 في المئة، وهو بمثابة إنذار  لصناعة الموضة لأنه الأكبر في 15 عاماً.

انكماش سوق الإنفاق الفاخر

وأظهرت البيانات أن الإنفاق على السلع الفاخرة في جميع فئاتها، تراجع في 2024 إلى 1.478 تريليون يورو، من 1.508 تريليون يورو في عام 2023، وذلك لأول مرة منذ 15 عاماً (باستثناء عام جائحة كوفيد-19 في 2020)، مع انسحاب نحو 50 مليون شخص من قوائم مشتري العلامات التجارية الشهيرة مثل ديور وبيربري وغيرها من العلامات الفاخرة.

دروس عام 2024

وكشف تقرير نشرته “فايننشال تايمز” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن أكبر شركات الرفاهية، خفت بريقها في 2024 بسبب تباطؤ القطاع على نطاق واسع، بعد طفرة في المبيعات سجّلتها  السنوات السابقة، حيث ركزت العلامات التجارية جهودها في 2024 على نشاط التسويق المخصص للعملاء الأثرياء، ما خلق بعض النمو في أعلى هرم قاعدة العملاء مقابل انخفاض قوي في بقية القاعدة، في حين تسببت الانتخابات التي جرت في أكثر من 60 دولة في 2024 بالتأثير سلباً على ثقة المستهلكين ودفعت المبيعات للتراجع.

وبالنسبة للكثيرين، بدت أسعار السلع الفاخرة في عام 2024 مبالغاً فيها إلى حد كبير، وذلك نتيجة الأخطاء التي ارتكبتها الصناعة في تسعير منتجاتها على مدار المواسم الماضية، فوفقاً لتقرير بنك HSBC، شهدت أسعار السلع الفاخرة في أوروبا ارتفاعاً هائلاً بنسبة تجاوزت 52 في المئة منذ عام 2019 وحتى اليوم.

ويرى الخبراء أن عام 2024 يمثل قصة تحذيرية للعلامات التجارية الفاخرة، التي عليها إجراء بعض التصحيحات، خصوصاً في ظل تدهور المبيعات داخل السوق الصينية، التي تعد واحدة من أكبر الأسواق الفاخرة في العالم.

غموض في 2025

كما يرى الخبراء أن صناعة السلع الفاخرة العالمية، ينتظرها فترة من الغموض وعدم القدرة على التنبؤ الاقتصادي في 2025، نظراً للتحديات غير المسبوقة التي تترقبها، أبرزها المقترحات الأميركية لزيادة الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية، والتي قد تؤدي إلى تعطيل تدفقات الإيرادات لكبار اللاعبين في هذا القطاع، مما يضع الصناعة تحت ضغط هائل، لإعادة تشكيل استراتيجياتها.

الفائز الوحيد في عام 2024

وتقول الخبيرة في التسويق ساندرا ملحم، في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الإنفاق على السلع الفاخرة خلال عام 2024 كان في أحد أسوأ أعوامه منذ 15 سنة، وسط تقلص عدد العملاء بمقدار 50 مليون شخص، وخاصة الأجيال الصغيرة في السن التي باتت تتجه أكثر إلى الأزياء السريعة والرخيصة، مشيرةً إلى أن العلامات التجارية الفخمة ستحتاج في 2025 إلى الابتعاد عن التكرار في تصاميمها وتوسيع الخيارات أمام المستهلكين ومفاجأتهم بأسعار أرخص. 

وتكشف ملحم أن فئات السلع الفاخرة التي حققت أداءً جيداً في عام 2024 شملت المستلزمات الصغيرة ذات الأسعار المعقولة، مثل مستحضرات التجميل والعطور والنظارات، في حين تباطأت أسواق الساعات  الفاخرة والسلع الجلدية، مما يدل على أن البيئة الاقتصادية على مستوى العالم، جعلت العديد من المتسوقين أكثر تحفظاً في إنفاقهم، وهو بالفعل ما تظهره الأرقام حيث تبين أن المبيعات العالمية للسلع الفاخرة “الشخصية” تراجعت بنسبة 2 في المئة في 2024 إلى 363 مليار يورو، لافتةً إلى أنه في المقابل عمدت الشركات إلى تعظيم أرباحها من خلال رفع الأسعار، والتركيز على العملاء الأغنياء جداً.

سيناريو الإنقاذ في 2025

وتؤكد ملحم أن استمرار شركات السلع الفاخرة في رفع أسعارها، هو بمثابة “فشل تام” للصناعة، ففي عام 2009 وبعد الأزمة المالية التي ضربت العالم، أدركت الشركات على الفور أنه بدون الطبقة المتوسطة، لا يمكن لأحد النجاة من الجمود الحاصل في السوق، ولذلك عمدت وعلى الفور، إلى إطلاق منتجات جديدة تلبي احتياجات الطبقة المتوسطة في تلك الأزمة، مما أعطى شركات السلع الفاخرة قدرة على البقاء والصمود في عز الأزمة، وهو السيناريو الذي يجب أن يتكرر في عام 2025 لإنقاذ الموسم الجديد.

الصين والتصاميم المملة

بدورها تقول الكاتبة في المجال الاقتصادي باتريسيا جلاد، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الصين كانت التحدي الأكبر الذي واجهته صناعة السلع الفاخرة في عام 2024، حيث شهدت مبيعات هذه المنتجات هناك تراجعاً ملحوظاً بنسبة 20 في المئة في العام نفسه، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد، كما أن هذا الانخفاض في السوق الصينية، أثّر بشكل كبير على أداء القطاع ككل، فإذا قمنا باستثناء الصين من المعادلة، لكانت سوق السلع الفاخرة قد سجلت نمواً إيجابياً خلال 2024، مؤكدةً في الوقت عينه، أن مشكلة صناعة الرفاهية لا تقتصر على الصين فقط، إذ توجد أسباب أخرى وراء التباطؤ الحاصل، منها حالة عدم اليقين التي تسود بين المستهلكين، إضافة إلى الانتقادات المتزايدة بأن الموضة أصبحت “مملة” مؤخراً، مع اعتماد العلامات التجارية على نهج محافظ، يتمثل في التمسك بالتصاميم الكلاسيكية القديمة، ما يحدّ من الإبداع والابتكار.

ماذا ينتظر صناعة الرفاهية في 2025؟

وتلفت جلّاد إلى أن العوامل السياسية ستلعب دوراً متزايداً في تشكيل المشهد الفاخر في 2025، مما سيدفع سياسات التجارة، مثل التعريفات الجمركية الأميركية المقترحة على السلع الأوروبية والصينية، الى إلزام العلامات التجارية على اتخاذ خيارات صعبة، تتنوع بين امتصاص التكاليف الجديدة، أو رفع الأسعار أو حتى الاستثمار في بناء معامل إنتاج جديدة، وتوزيع إنتاجها على أراضي دول غير خاضعة للتعريفات ما يساعدها على خلق بيئة مرنة تساعدها في الحفاظ على حصة في السوق، لتبقى المشكلة الأكبر عدم تعافي الطلب الاستهلاكي الصيني، بسبب الرسوم الجمركية التي يخطط لها ترامب. 

أسواق ترسم مستقبل الرفاهية

وترى جلاد أنه بالنظر إلى المستقبل، فإن سوق السلع الفاخرة من المتوقع أن تتحسن قليلاً فقط في عام 2025، إذ أن المسار الإيجابي الطويل الأجل، لن يتحقق قبل عام 2035، وذلك حتى تتمكن الشركات من إضافة نحو 200 مليون عميل محتمل جديد من الطبقة المتوسطة، في أسواق جديدة وأسواق قائمة، مشيرةً  إلى أن هناك عدداً من الأسواق التي يجب مراقبتها من أجل تحقيق النمو، مثل أميركا اللاتينية والهند، وأيضاً سوق الشرق الأوسط والخليج، تحديداً التي تشهد نمواً في جميع فئات السلع الفاخرة من عقارات ومجوهرات وساعات، وسلع جلدية وأحذية وملابس ومستحضرات تجميل.

84 مليار دولار مبيعات المجوهرات الفاخرة

شاركها.
Exit mobile version