مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أقل مما كان عليه عندما دخلت القوات الروسية أوكرانيا. مع ذلك، تستمر أسعار المواد الغذائية بالارتفاع، مما يساهم بشكل غير متناسب في ارتفاع معدلات التضخم بشكل مؤلم من الولايات المتحدة وأوروبا إلى البلدان النامية.
يقوم مطعم في ضواحي نيروبي بتقليل حجم الشباتي، خبز كيني هش ورقيق، لتوفير زيت الطهي. وأصبح الباكستانيون الذين يعانون من ضائقة مالية نباتيين على مضض، حيث حُذفت لحوم البقر والدجاج من وجباتهم الغذائية لأنهم لم يعودوا قادرين على شراء اللحوم. وفي المجر، يزيل أحد المقاهي البرغر والبطاطا المقلية من قائمة الطعام، في محاولة لتجنب ارتفاع تكلفة الزيت ولحم البقر.
تواصل أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بالارتفاع وبشكل مؤلم. في الأسواق العالمية، انخفضت أسعار الحبوب والزيوت النباتية ومنتجات الألبان والمنتجات الزراعية الأخرى بشكل مطرد. لكن الطمأنينة لا تزال غائبة عن العالم الواقعي، لم يشعر بها أصحاب المتاجر والباعة المتجولين والعائلات التي تحاول تدبير أمورها.
تقول لينا موني، وهي أم كينية لأربعة أطفال، “في معظم الأيام، لا يمكننا تحمل تكاليف الغداء والعشاء، لأننا يجب أن ندفع إيجاراً ورسوماً مدرسية”.
وتشير إلى أن عبوة من دقيق الذرة تزن 2 كيلوغرام، تكلف ضعف ما تكسبه في اليوم من بيع الخضار في كشك.
كانت أسعار المواد الغذائية مرتفعة بالفعل عندما غزت روسيا أوكرانيا فيشباك/ فبراير من العام الماضي، مما أدى إلى تعطيل تجارة الحبوب والأسمدة وارتفاع الأسعار. لكن على الصعيد العالمي، انتهت صدمة الأسعار هذه منذ وقت طويل.
أسباب استمرار ارتفاع أسعار السلع؟
وتقول الأمم المتحدة إن أسعار المواد الغذائية تراجعت لمدة 12 شهراً على التوالي، بفضل محاصيل تم تأمينها من أماكن أخرى مثل البرازيل وروسيا، والاتفاق الهش في زمن الحرب، للسماح بشحن الحبوب من البحر الأسود.
مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أقل مما كان عليه عندما دخلت القوات الروسية أوكرانيا.
ومع ذلك، تستمر أسعار المواد الغذائية بالارتفاع، مما يساهم بشكل غير متناسب في ارتفاع معدلات التضخم بشكل مؤلم من الولايات المتحدة وأوروبا إلى البلدان النامية.
ويوضح إيان ميتشيل، الخبير الاقتصادى والمدير المشارك لبرنامج أوروبا فى مركز التنمية العالمية فى لندن، أن “أسواق المواد الغذائية مترابطة للغاية بشكل يجعلك تشعر بأثر ارتفاع الأسعار أينما كنت فى أى مكان فى العالم”.
لكن لماذا يبقى تضخم أسعار المواد الغذائية مستعصياً على الحل، إن لم يكن في أسواق السلع العالمية، ففي المتاجر ومحلات البقالة وطاولات المطبخ حول العالم؟
يقول جوزيف غلابور الخبير الاقتصادى السابق فى وزارة الزراعة الأمريكية إن التضخم في المواد الغذائية “سوف ينخفض، لكن ببطء، لأن تلك العوامل الأخرى لا تزال مرتفعة للغاية”.
في الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 8.5٪ الشهر الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه، يقول إن “75٪ من التكاليف تأتي بعد أن تغادر المزرعة. إنها نفقات الطاقة والمعالجة والنقل والعمالة”.
والعديد من هذه التكاليف جزء لا يتجزأ من التضخم الأساسي، الذي يستبعد التقلبات في أسعار الغذاء والطاقة، وقد ثبت أنه من الصعب جداً استخراجها من الاقتصاد العالمي. ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 19.5٪ في الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه و 19.2٪ في المملكة المتحدة، وهي أكبر زيادة منذ نحو 46 عاماً.
يرى آخرون، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، سبباً آخر: موجة من الاندماجات التي أدت، على مر السنين إلى تقليل المنافسة في صناعة المواد الغذائية.
هيمنة الشركات
في العام الماضي، اشتكى البيت الأبيض من أن أربع شركات فقط لتعليب اللحوم تتحكم في 85٪ من سوق لحوم البقر في الولايات المتحدة. وبالمثل، تسيطر أربع شركات فقط على 70٪ من سوق لحوم الخنازير و 54٪ من سوق الدواجن. يقول النقاد إن هذه الشركات تستطيع استخدام قوتها السوقية لرفع الأسعار.
الخبير جوزيف غلابور، غير مقتنع بأن اندماج الأعمال التجارية الزراعية هو المسؤول عن استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
بالطبع، يمكن للشركات الزراعية الكبرى أن تحقق أرباحاً عندما ترتفع الأسعار. لكن الأمور عادة ما تتعافى بمرور الوقت، وتتضاءل أرباحها في الأوقات الصعبة.
يقول غلابور: “حالياً، هناك الكثير من عوامل السوق، والأساسيات، التي يمكن أن تفسر سبب وجود مثل هذا التضخم”. “لم أستطع أن أشير إلى حقيقة أن لدينا فقط حفنة من منتجي اللحوم. خارج الولايات المتحدة، يقع اللوم على الدولار القوي في إبقاء الأسعار مرتفعة. خلال أزمات أسعار الغذاء الأخيرة، كما حدث في 2007-2008، لم يكن الدولار قوياً بشكل خاص.
ويضيف “هذه المرة كان لدينا دولار قوي يرتفع “يتم تسعير أسعار الذرة والقمح بالدولار للطن. ويتم التعامل بالعملة المحلية، وبسبب قوة الدولار، هذا يعني أنهم لم يروا انخفاض الأسعار التي تظهر في أسواق السلع ومؤشر الأمم المتحدة لأسعار الغذاء.”