وتضمنت الرسالة تدابير جذرية من بينها “تعليق جميع مشاريع التعاون التي تنفذها المؤسسات الثقافية أو الخدمات مع مؤسسات أو مواطني هذه البلدان الثلاثة، دون تأخير، ودون أي استثناء. ويجب أيضًا تعليق كل الدعم المالي، حتى ذلك المقدم عبر الهياكل الفرنسية، مثل الجمعيات. وبالمثل، لا ينبغي إصدار أي دعوة إلى أي مواطن من هذه البلدان. واعتبارًا من صدور البيان، لم تعد فرنسا تصدر تأشيرات لمواطني هذه الدول الثلاث دون أي استثناء، وذلك حتى إشعار آخر“.

النقابة تحتج

وبحسب المتلقين، يمثل هذا الخطاب تحولا فلسفيا عميقا في السياسة التي تعتزم فرنسا اتباعها في مجال التضامن الفني الدولي. لذلك خرجت النقابة الوطنية للمؤسسات الفنية والثقافية (Syndeac) على الفور لترد ببلاغ صحفي قوي، احتجت من خلاله على القرار.

وكتبت النقابة، “من الواضح أن هذا الحظر الشامل على ثلاث دول تمر بأزمات خطيرة للغاية لا معنى له من الناحية الفنية ويشكل خطأً كبيرًا من وجهة نظر سياسية. بل هو العكس تماما الذي ينبغي القيام به. إن سياسة حظر تداول الفنانين وأعمالهم لم يسبق لها مثيل في أي أزمة دولية أخرى، من الأزمة الأحدث مع روسيا، إلى الأقدم والأكثر ديمومة، مع الصين“.

وطالبت النقابة بعقد اجتماع فوري مع الأمانة العامة لوزارة الثقافة للاستماع إلى حجج المهنيين والتأكيد بقوة على تضامن فرنسا مع هؤلاء الفنانين.

قرار مفزع

وفي تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية”. قال مدير المركز الوطني لتطوير الرقصات “ليشونجور”،  في مدينة شاطو تييري ضواحي باريس،  كريستوف ماركيز “إن القرار يثير الدهشة، الدولة تطالبنا بمعاقبة الفنانين، وبهذه اللهجة العسكرية، هناك سبب للفزع“.

ويتابع، “لأكثر من عشرين عامًا، قمنا بالتعاون والتبادلات الإبداعية الدائمة مع مراكز الرقص الإفريقية مثل مدرسة الرقص الرائعة لإيرين تاسيمبيدو في واغادوغو. لا يوجد سبب لتوقف هذا وسنستمر. مثل هذا الأمر العسكري للغاية لم يحدث قط. هذا جنون وغير عادل ولا يصدق. نحن جميعًا متحدون (مراكز الرقص ومراكز الدراما والمسارح الوطنية) للدفاع عن حرية الاستقبال والإبداع والمشاركة. لن نقطع الحوار ولن نكسر الروابط التي نشأت لسنوات مع هؤلاء الفنانين “.

ودعا إلى حضور الدولة والإدارة وساكنة المدينة لحضور المهرجان الدولي “إنه هكذا!” الذي يفتتح يوم السبت 16 سبتمبر في شاتو تييري بمعرض كبير للفنان التشكيلي البوركينابي قادر كابوري كجزء من أيام التراث“.

القرار ليس وليد اليوم

ومن جانبه، يرى مدير شبكة الموسيقى العالمية ووسائط الويب الخاصة بها “زون فرونش”، سيباستيان لوسيل أنه إذا تم تفسير الرسالة حرفيا، فإن هذه التدابير تتعارض مع التزامات فرنسا الدولية، ولا سيما تلك الواردة في اتفاقية اليونسكو لعام 2005 ، المتعلقة بحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي“.

وتساءل في المقابل عن نطاق وتنفيذ تعليمات الرسالة التي وصفها ب”القاسية” : “هل هذا يعني أن الأماكن والمهرجانات في فرنسا لم تعد قادرة على برمجة فنانين من هذه البلدان الثلاثة؟ ولو فعلوا ذلك، ما هي العواقب؟ هل هناك خطر فقدان الدعم أو أي شيء آخر؟ هل يمكن لفنان يحمل تأشيرة شنغن صادرة عن دولة أوروبية أخرى، أن يسافر إلى فرنسا، أن يأتي ويعبر عن فنه على مسارحنا، هل الوزارة ستتقاسم الأدوار مع الفاعلين الثقافيين في اختيار من سيلعب على المسارح الفرنسية؟

ويبدو أن “القرار ليس وليد اليوم” بحسب تعليق سيباستيان لاغراف، مدير مهرجان أفريكولور للموسيقى الإفريقية الذي ينطلق في 17 نوفمبر المقبل، ككل عام، في ضواحي باريس.

ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية قائلا: “منذ السابع غشت الماضي، اضطررت إلى إلغاء ثلاث حفلات موسيقية لفنانين من مالي وبوركينافاسو لأنهم لم يحصلوا على التأشيرة.  كل ما فعلته الوزارة اليوم برسالتها الإلكترونية هو أنها جعلت الخطوة رسمية لأنه في 29 يوليو، و6 غشت، أوقفت فرنسا جميع مساعداتها التنموية وإجراءات دعم الميزانية مع النيجر وبوركينا فاسو. وفي نوفمبر 2022، كانت قد فعلت ذلك بالفعل مع مالي“.

الدولة تتراجع

وفي محاولة لوضع حد للجدل الدائر، قالت وزيرة الثقافة، ريما عبد الملك، في تصريح إعلامي، “نحن لا نقاطع الفنانين أبدا. نحن فقط ليس لدينا خدمة تأشيرات فعالة في هذه البلدان لأسباب أمنية“.

وشددت على أن جميع “الذين لديهم تأشيرات بالفعل والذين لديهم جولات أو عروض مخطط لها سيكونون قادرين على الحضور كما هو مخطط له“.

وجاء التوضيح أيضًا من إيمانويل ماكرون يوم الجمعة 15 سبتمبر، على هامش رحلة إلى كوت دور. وأكد رئيس الجمهورية: “عندما نقول إنه لن يكون هناك المزيد من التأشيرات في فرنسا، فهذا غير صحيح”. “سنواصل الترحيب، بالطبع“.

وبحسب رئيس الدولة، فقد تحدثت المذكرة عن الوضع في البلدان المعنية، بوركينا فاسو ومالي والنيجر. “هناك انقلابيون يهاجموننا، ويهاجمون الثقافة في الداخل. في مالي، منذ عام 2020، حظر الانقلابيون كل التمويل من المنظمات الفرنسية. وفي بوركينا فاسو، نظم الانقلابيون ثورات وأحرقوا معاهدنا الثقافية. إنه واجب أمني أن نوقف أعمالنا”. على حد تعبيره.

شاركها.
Exit mobile version