في عالم تزداد فيه التحديات وتسارع وتيرته بشكل غير مسبوق، لم يعد مستغرباً أن نجد الراشدين يتجهون نحو ما يُعرف بـ”اتجاه الطفولة” في الموضة والحياة اليومية، فبينما كنا سابقاً نتوق إلى النضج والاستقلالية، أصبحنا اليوم نُلاحظ عودة ملحوظة إلى الرموز الطفولية: سلاسل مفاتيح على شكل دببة، ملابس مزينة برسومات كرتونية، حقائب على هيئة ألعاب، وألوان زاهية لا تعترف بقيود الكبار.

لكن السؤال الحقيقي هو لماذا أصبحت الطفولة فجأة في صميم الموضة؟ ولماذا نجد أنفسنا منجذبين أكثر فأكثر إلى ما يذكرنا بأيام البراءة والبساطة؟ هل هي مجرد نزوة جمالية؟ أم أنها انعكاس عميق لحاجتنا النفسية للهروب من ضغوط الحياة الراشدة؟

في هذا المقال، نستعرض هذا الاتجاه المتصاعد، ونفكك رموزه، ونبحث في دوافعه النفسية والاجتماعية، لنعرف كيف أصبح الحنين إلى الطفولة أسلوب حياة جديداً.

الطفولة تقتحم عالم الموضة: من الحقائب إلى الأزياء

  1. لم يعد من الغريب أن نشاهد حقائب يد على شكل دببة، أقراط على هيئة حلوى، أو قمصان مزينة برسومات يدوية كأنها من دفتر تلوين طفل، أصبحت هذه القطع الطفولية مرغوبة ليس فقط لدى المراهقين، بل حتى النساء الناضجات.
  2. ماركات كبرى كـ Valentino أذهلت الجمهور عندما قدمت عارضات أزياء يحملن حقائب على شكل قطط، أما Christian Dior، فذهبت أبعد من ذلك حينما زينت عروضها بجدران مرسومة بأسلوب طفولي تماماً، وكأننا في صف رياض أطفال، حتى دور الأزياء الروسية مثل Yanina لم تتردد في تقديم فساتين مستوحاة من الخضراوات والفواكه.

بين الغرابة والنوستالجيا: لماذا ننجذب إلى الطفولي؟

  1. قد تبدو هذه العناصر في ظاهرها غريبة أو مرحة، لكن ما يدفعنا نحوها أعمق من ذلك، نعيش في عصر سريع، ضاغط، ومتغير، الأزمات العالمية، والضغوط الاقتصادية، وفقدان الترابط الاجتماعي، كلها دفعت الكثيرين للبحث عن ملاذ آمن، والطفولة، بتفاصيلها الصغيرة وطمأنينتها، أصبحت هذا الملاذ.
  2. فعندما نرتدي سترة بغطاء رأس مرسوم عليها شخصية “تويتي” أو نحمل حقيبة تشبه لعبة، فإننا، ولو بشكل غير واعٍ، نحاول التخفيف من وطأة المسؤوليات، وإسكات صوت “البالغ” في داخلنا.

شاهدي أيضاً: لابوبو “Labubu” الدمية التي سرقت الأضواء في عالم الموضة

الموضة وسيلة للهروب من الواقع؟

  1. علماء النفس يشيرون إلى أن هذا الاتجاه ليس مجرد مزاج عابر، بل هو ميكانيكية دفاعية نفسية، فارتداء قطع مستوحاة من الطفولة قد يكون محاولة للهروب من عالم البالغين بما فيه من قرارات ومسؤوليات والتزامات، وكأنك تقول من خلال ملابسك: “أنا لا أريد أن أتحمل كل هذا الآن.
  2. فبدلًا من ارتداء حذاء بكعب عالٍ وسترة رسمية توحي بالقوة والصرامة، نختار هودي مريح عليه وجه ميكي ماوس، وننسحب للحظة إلى زمن كنا فيه ننتظر فقط وقت عرض كرتوننا المفضل.

التجميل والطفولة: وجه الدمية يتصدر الترند

  1. الاتجاه الطفولي لم يتوقف عند الأزياء فقط، بل تسلل أيضاً إلى عالم الجمال، نلاحظ توجهاً عاماً نحو مظهر “مكياج الدمية”: خدود وردية، شفاه ممتلئة، رموش كثيفة، وألوان مشرقة.
  2. ناهيك عن التعاونات بين ماركات التجميل الكبرى وشخصيات ديزني، التي تشهد إقبالاً واسعًا من الكبار أكثر من الأطفال! فإصدار مستحضر تجميل يحمل صورة “بيل” أو “سندريلا” أصبح يحقق مبيعات خيالية في ساعات، لا لشيء سوى أنه يعيد لمسة من السحر والحنين للماضي.

السينما أيضاً تعزف على وتر الطفولة

  • لننظر إلى ظاهرة أفلام الكرتون في السينما، فلم يعد جمهورها من الأطفال فقط.
  • أفلام مثل فيلم باربي، الذي جسدته مارغوت روبي، حققت نجاحًا ضخمًا لأنها تحدثت بلغة الطفولة لكن بمضمون يمس الكبار.
  • لقد شعر الجميع أن هذا الفيلم، رغم مظهره البريء، يحاكي مشاعر نضجهم بطريقة غير مباشرة.

شاهدي أيضاً: إكسسوارات الحقائب: أبرز صيحات الموضة في 2025

هل الحنين هو السبب الوحيد؟

  1. بالطبع لا، هناك أيضاً دعوة داخلية نابعة من مفاهيم العلاج النفسي الحديث، الذي يشجع على التواصل مع “الطفل الداخلي”، ذاك الجزء منا الذي ما زال يعيش فينا، يحمل أحلامًا قديمة، مخاوف غير محلولة، وأمنيات صغيرة لم تتحقق.
  2. كل مرة نرتدي فيها شيئًا مستوحى من الطفولة، قد تكون طريقة لإعادة الاتصال بهذا الجزء، لتذكر من كنا، وما الذي أحببناه، وربما، فقط ربما ما الذي فقدناه في زحمة الكِبر.

اتجاه مؤقت أم أسلوب حياة جديد؟

  1. قد يرى البعض أن هذه الموجة الطفولية مجرد صيحة ستمر، لكن بالنظر إلى عمق ارتباطها بالوضع النفسي والاجتماعي الحالي.
  2. قد تكون أكثر من ذلك، إنها تعبير عن الاحتياج الإنساني للبساطة، للراحة، للحب غير المشروط، ولكوننا، لبعض الوقت، لا نحتاج أن نكون شيئًا غير أنفسنا.

الطفولة كوسيلة للتمرد على المعايير الصارمة

  1. في ظل هيمنة مفاهيم “النضج” و”الاحترافية” التي تفرض علينا أن نبدو بشكل معين ونتصرف بطريقة محددة، تأتي الطفولة كحالة تمرد على هذه القواعد الجامدة.
  2. ارتداء تيشيرت مرسوم عليه “سبونج بوب” في اجتماع رسمي، أو حمل حقيبة على شكل قلب في مكان العمل، ليس فقط اختيارًا جماليًا بل هو أيضًا موقف واعٍ يقول: “أنا أملك حرية أن أكون كما أريد”.
  3. هذه الحركات الصغيرة، على بساطتها، هي تعبير عن الاستقلالية والهوية الشخصية. إنها رفض لفكرة أن النضج يعني التخلي عن العفوية والفرح واللعب، وتأكيد على أن الإنسان يستطيع أن يحتفظ بجانب من الطفولة مهما تقدم في العمر.

الطفولة ليست سطحية بل عميقة للغاية

في النهاية، عودة الطفولة إلى الموضة ليست مجرد ألعاب وتصاميم غريبة، بل هي مرآة لأرواح مرهقة تبحث عن مخرج. إنها لغة أخرى نقول بها: “نريد أن نرتاح”. وبينما تبدو هذه القطع غير ناضجة للبعض، إلا أنها تحمل في طياتها الكثير من النضج العاطفي.

فربما، بدلاً من التساؤل عن سبب انجذابنا إلى الطفولة، يجب أن نسأل: ما الذي فقدناه في الكبر لنبحث عنه بهذا الإصرار في الماضي؟

شاهدي أيضاً: فساتين زفاف مستوحاة من أميرات ديزني

شاهدي أيضاً: دار Coperni تقدم عرضها الربيعي القادم في ديزني لاند باريس

شاهدي أيضاً: Stella McCartney صممت زي ميني ماوس لحفل الذكرى الثلاثين لتأسيس ديزني

شاركها.
Exit mobile version