وافق مجلس وزراء حكومة أسد بحسب ما جاء على موقعه الرسمي، على مقررات “المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي”، والتي حدّد من خلالها الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2024، بمبلغ 35500 مليار ليرة سورية، موزعة على 26500 مليار للإنفاق الجاري و9000 مليار للإنفاق الاستثماري. ومثّلت اعتمادات مشروع الموازنة 2024، زيادة تعادل 114.5 % عن موازنة 2023 (16.55 ألفا مليار ليرة)، إلا أنها زيادة نظرية لأنه يتم تجاهل التغير بسعر الدولار الذي ألقى بظلاله على المستوى العام للأسعار (التضخم).
وتعتبر موافقة مجلس الوزراء على مشروع الموازنة، بمثابة الخطوة الثانية لإقرار الموازنة بعد تقديمها من قبل وزارة المالية، قبل أن تُقدّم إلى السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشعب لدراستها عبر لجانها، ثم مناقشتها من قبل أعضاء اللجان والمجلس من أجل إقرارها وفق قانون صادر من بشار أسد، وهو ما يعني أن موافقة مجلس الوزراء هي مبدئية قد تُغير من حجم الموازنة أو التوزيعات بين بنودها نتيجة الوضع الاقتصادي الذي يعصف بمناطق سيطرة حكومة أسد من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة انعكاس الحرب في غزة وفشل التطبيع العربي وانسداد الأفق السياسي الذي يعيد رسم خريطة المساعدات المالية.
وتتميز هذه الميزانية للوهلة الأولى بضخامة الأرقام فيها، وتعتبر أكبر موازنة تمت دراستها، لكن هذه الضخامة تطرح الكثير من تحديات على حكومة النظام السوري.
أولاً: التحديات على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية
على السلطات التنفيذية (المالية والبنك المركزي) تبيان كيفية تأمين السيولة المطلوبة للموازنة قبل الخوض ببنودها، وخاصة أن حجم المطبوع من فئات العملة السورية بما فيها الودائع المصرفية، وكذلك حسب مصادر خاصة، ذكرت أنه يعادل 30 ألف مليار ليرة سورية، وهو ما يتطلب من البنك المركزي السوري تسريع تنفيذ الاتفاق مع الشركة “بارديش تاسير ريان” الإيرانية للطباعة، لتنفيذ التزاماتها وطباعة فئات من العملة السورية، ما يعني أن هناك كلفة الطباعة لا بد من تسديدها من قبل المركزي. كما إن طرح الموازنة بهذا الرقم سوف يثبت حجم التضخم ثم يدفعه للصعود، ما يجعل الفئات الحالية للعملة السورية المتداولة غير مفيدة للتداول التجاري ويخرجها من التداول.
كذلك، إن القيمة المنخفضة للعملة السورية يجعل من كلفة النقل حماية الأموال وتخزينها والإجراءات الإدارية للإنفاق الأموال هي كلف إضافية لا بد من أن تأخذ بالاعتبار عند توزيع الموال الموازنة بين تبويباتها، كما إن نتيجة انخفاض قيمة الليرة قد يدفع لإخراج الفئات الصغيرة من التداول نتيجة تجمعها بعمليات تجارية لدى مؤسسة وفقدانها من السوق ما يعيق العمليات التجارية الأخرى.
وبهذه الحالة، سيكون البنك المركزي مضطراً إما لصك طبعات جديدة من الفئات النقدية الحالية وخاصة الصغيرة منها وهذا غير مجدٍ اقتصادياً ومكلف، أو الاتجاه لطباعة فئات نقدية كبيرة من الليرة كـ (5 آلاف)، إضافة الى طباعة فئات جديدة (10-25) ألف، لتكون العملة قادرة وقتها على تغطية التضخم وتسهيل العمل التجاري، وهو ما يعني بطبيعة الحال الحاجة لإعادة هيكلة الأسعار (إعادة تسعير المنتجات بالسوق)، وقد حاولت وزارة المالية القفز على إشكالية إعادة تسعير السلع والخدمات، من خلال جعل سعر الدولار الذي تقيّم به الميزانية معوم جزئياً، وعدم تحديده وجعله مربوطاً بشكل غير مباشر وفق نشرة السوق الرسمية الصادرة عن البنك المركزي.
حيث وبالنظر إلى موازنة العام 2023ـ والذي بدأ بسعر الصرف عند 3.015، ووصل إلى 11.556 منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك تغيّر بنسبة 283.28 %، ما يعني أن الأسعار ارتفعت بالنسبة لسعر الصرف الرسمي بمقدار 1.83 مرة، ما يعني أن موازنة العام 2024 بصيغتها الحالية لا تستطيع تغطية احتياجاتها رغم ضخامة المبلغ المقرر فيها (بالقياس على الموازنة 2023)، وهذه الموازنة (2024 )، يجب أن تسدد 30.6 مليار ليرة كديون افتراضية مدورة من ميزانية 2023، وذلك بالاستناد إلى السعر الوسطى للدولار لكي يكون هناك تنفيذ نظري للموازنة.
كما يتطلب قبل إقرار الموازنة العامة لعام 2024 من قبل مجلس الشعب أن يتم تمرير قانون للسماح لبنك المركزي طباعة فئات جديدة من العملة السورية إضافة إلى إقرار قانون لرفع الرواتب (لابد رفع ميزانية رواتب من 2114 مليار ليرة إلى 3869 مليار ليرة)، لتبقى الرواتب محافظة على قدرتها الشرائية التي دخلت بها الموازنة خلال العام 2023، وهو ما تم فعلاً بشكل جزئي نتيجة زيادة بالرواتب التي تمت خلال شهر 8 أغسطس بمقدار 100% وهي تحتاج فقط على الأقل زيادة أخرى 100% لتكون القدرة الشرائية على حالها خلال موازنة 2023، وهذا ما قد يدفع مجلس الوزراء لإجراء تغيرات على بنود مشروع موازنة 2024.
أما بالنسبة للسلطة القضائية، فإنها أمام معضلة هي الأخرى تتمثل بإعادة تقيم الديون، وخاصة أن هناك “المرسوم3” الذي يجرم التعامل بالدولار في المعاملات التجارية، إضافة إلى كثير من القوانين التي تحكم سير العمليات المالية، فعلى سبيل المثال من استطاع الحصول على قرض ببداية عام 2023 وأراد تسديده في نهاية العام، فإن الجهة التي منحته القرض قد خسرت المبلغ رغم تسديده لها بمقدار يعادل 1.8 مرة، نتيجة انهيار القدرة الشرائية، بينما في العام 2024 سيكون خسارة المقرض أكبر على بضائع وخاصة من قبل مؤسسات الدولة، التي تلتزم أكثر بصيغ القانون العمليات المالية ، وهذا يقود بالأمد القصير إلى التوقف عن دخول القطاع الخاص بمناقصات مع الدولة لتوريد مستلزماتها، ويمكن قياس الأمر على خدماتها التجارية الآجلة بالسوق والتي تعتبر عصبها، وبالتالي معضلة التقييم ستدفع السوق لارتكاب جرائم لتسيير الأعمال ومنعها من الاختناق.
ثانياً: التحدي الثاني للموازنة هو الخلط في صندوق الدعم الاجتماعي والكوارث
وجاء في نص الإعلان أن هناك 7 مليارات لصندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، كما جرى رصد مبلغ 75 مليار ليرة لـ “دعم المناطق المتضررة من الزلزال”، أي ما مجموعة 83 مليار ليرة، وتشير قيمة الرقم أنه لا توجد معالجة لمتضرري من الكوارث ولا حلول، وهذا المبلغ لابد من إصداره بميزانية خاصة استثنائية وهذه يعتبر خلطاً وتشويهاً لمبدأ وحدة الموازنة.
ثالثاً: نسب توزيع الموازنة بين النفقات الجارية
رغم زيادة النفقات الاستثمارية من 3000 مليار ليرة التي تشكل 18% من موازنة عام 2023 الى 9000 مليار ليرة التي تشكل 25.35% من موازنة عام 2024 ، إلاّ أن هذه الزيادة جاءت لتغطية تغير سعر الصرف من 3.150 الى 11.555 وهو ما أبطل أي أثر لهذه لزيادة ، لذا هذه النفقات يمكن اعتبارها اعتماداً طارئاً للمشاريع الاستثمارية القائمة وغير المكتملة، إذ إن قيمة النفقات الاستثمارية بالدولار هو 782.60 مليون دولار إذا ما تم تقييمها وفق سعر صرف 11500 الرسمي، والذي يعتقد أنه لن يصمد كثيراً وسوف يستمر بالصعود، أي إن هذه الموازنة لإدارة الوضع القائم، فلا تحسين بمستوى الخدمات العامة ولا مشاريع جديدة يمكن أن تُبنى منها.
أما من ناحية النفقات الجارية فقد نص مشروع الموازنة على تخصص 6210 مليارات ليرة للدعم الاجتماعي، منها 50 ملياراً للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، أي 4.3 ملايين دولار تتوزع بين ضمانة قروض صغيرة والخدمات المقدمة للجرحى من مقاتليهم (تخلى عنهم)، 75 ملياراً لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، و103 مليارات للخميرة، و7 مليارات لصندوق للتخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، و50 ملياراً لصندوق التحول إلى الري الحديث، إضافة إلى مبلغ 75 مليار ليرة لدعم المناطق المتضررة من الزلزال ، و2000 مليار لدعم المشتقات النفطية وهو أقل30% من موازنة عام 2023 ، وهذا الرقم لا يستطيع شراء سوى 2.17 مليون برميل وفق سعر البرميل 80 دولاراً إذا بقي سعر الدولار ثابت ، أي عدم وجود دعم حقيقي للمشتقات النفطية وأن أزمة المحروقات سوف تزداد وهو ما يعني خصخصة القطاع سواء بشكل مباشر و غير مباشر من خلال مبدأ التشاركية.
وإذا ما تم إجراء حسبة للدعم الاجتماعي الكلي أي 6.210 مليارات ليرة، يحصل المواطن الحامل على البطاقة الذكية (على اعتبار أن هذه الخدمات تستهدفه بالدرجة الأولى) إلاّ ما قيمته 115000 ليرة شهرياً(10 دولارات) بإهمال أن 90 % من الشعب السوري تحت الفقر، و80% بحالة انعدام الأمن الغذائي.
إن تشديد النقاش على مشروع الموازنة ليس إظهار التحديات أمام الموازنة القادمة أو فشل حكومة النظام السوري الحالية بإدارة الاقتصاد ومؤسسات الدولة، وإنما إظهار المأزق العاصف بالدولة السورية، والذي بات متجذراً ويحتاج إلى حل حقيقي لا مفر منه يبدأ بحل سياسي حقيقي.