أفردت مجلة “أريبيان بزنس” الاقتصادية ذائعة الصيت غلاف أحدث إصداراتها لرجل الأعمال السوري غسان عبود، وخصّته بمقابلة استذكر خلالها رحلة نجاحه التاريخية في عالم المال والأعمال على مدى 30 عاماً، ابتداءً من صحفي شاب طَموح إلى رجل أعمال محترف ومُحبَّب.
وفيما يلي ترجمة مقال المجلة الذي تناول تجربة رجل الأعمال السوري غسان عبود في عالم المال والأعمال:
في عالم الأعمال، هناك فئتان من الناس، الأولى للذين يسيرون وفقاً للقواعد، أما الثانية فتضمّ نخبة يشقّون طريقهم الخاص من خلال إعادة كتابة تلك القواعد بالكامل، وفي هذه الخانة يأتي قطب الأعمال المتمرد غسان عبود، إذ تظهر قصة نجاحه المُثيرة الرؤية والجرأة، وتذكّرنا بأن النجاح الحقيقي لا يعرف حدوداً.
لم تكن رحلة الصحفي الذي تحوّل إلى عملاق الأعمال اعتيادية على الإطلاق، حيث شرع في إحداث ثورة في كل قطاع دخله بفضل قدرته الفطرية على اكتشاف الفرص في أماكن غير مسبوقة، وحتى في إعادة اكتشاف قطاعات معطَّلة، ما مكّنه من تكوين إمبراطورية عالمية تتخطى الحدود.
بدأ عبود كصحفي في التعمُّق بعالَم التجارة العالمية، وسافر إلى هونغ كونغ لمعرفة المزيد عن طرق التجارة، حيث بدأ في اكتشاف روح ريادة الأعمال التي دفعته إلى الشروع في فصل جديد كقطب أعمال عام 1994.
مُتفرّد
تُعدّ رحلة عبود دليلاً على إيمانه الراسخ بالقوة التحويلية لعملية اتخاذ القرارات المحسوبة، مع احتضان المخاطر بعزيمة لا تتزعزع، غامر بلا خوف في مناطق مجهولة، وأحدث ثورة في الصناعات، وأسس إمبراطورية تتحدى الحكمة التقليدية، مشكِّلاً بمنهجية فريدة الشركة تلو الأخرى في قطاعات متنوعة.
واليوم، رسَّخ سعيه الدؤوب للابتكار ورؤيته الجريئة اسم مجموعته في عالم الأعمال كقوة حقيقية لا يُستهان بها، مع إعادة تحديد قواعد النجاح باستمرار وتشكيل مشهد الأعمال ببراعة لا مثيل لها، واللافت للنظر أن عبود يعزو إنجازاته الاستثنائية إلى قوة تبدو بسيطة لكنها فعالة إلا وهي “المنطق”.
يقول عبود لمجلة أريبيان بزنس: “المفتاح هو المنطق، أمتلك الآن 29 شركة في تسعة قطاعات مختلفة، وطالما استخدمتُ المنطق وأحاول دائماً بناء فريقي من خلال التأكد من فهمهم لوجهة نظري عندما يتعلق الأمر بالعمل”.
بصفته العقل المدبّر وراء المجموعة، أظهر غسان عبود روحاً ريادية لا مثيل لها من خلال الدخول في صناعات مليئة بالإمكانيات غير المستغَلّة.
ويرى عبود أن “الكثير من رجال الأعمال يتمتعون بالخبرة، لكنهم لا يعرفون كيفية القيام بأعمال تجارية، لذا فالأمر لا يتعلق فقط بامتلاك الخبرة وحده فأنا أستخدم المنطق في جميع جوانب الحياة وأبحث عن الفرص والأشياء غير المتاحة وأحاول إنشاء شيء لملء هذه الفجوة”.
عبود الذي ينحدر من عائلة عملت بالتجارة في سوريا جيلاً بعد جيل، يؤكد أن مورّثات التاجر تسري عميقاً مع جينات المرء، يقول: “كانت معظم حياتنا تدور حول التجارة، كان والدي وأجدادي تُجّاراً، لم نكن نعرف الكثير حقاً عن الزراعة أو عمليات الإنتاج”.
يَعتبر عبود، رئيس المجموعة، نفسه محظوظاً بالانتقال عام 1992 إلى دولة الإمارات خلال فترة شهد البلد الخليجي العربي فيها ما يصفه بـ “نقلة ثقافية تحويلية”، وفي ذلك الوقت كما يتذكر بدأ اهتمامه كصحفي شاب بالتّبلور في “أسواق العالم الجديد” والمجال الصاعد لإعادة التصدير.
في عام 1993، بدأ عبود في إجراء أبحاثه الخاصة في مجال إعادة التصدير عندما لم يكن هناك الكثير من المعلومات المتاحة، ولكن، حسب قوله، كان هناك “أمل ورؤية أن تغدو الإمارات، من خلال دبي، سوقاً مشهورة في قطاع إعادة التصدير”.
كانت هونغ كونغ مركز التجارة العالمية في ذلك الوقت، ولكن في عام 1997 عندما انتهى الاستعمار البريطاني واضطرّت إلى العودة إلى الصين، لم يكن بإمكان أحد أن يتخيل أن الصين بأكملها ستصبح إلى حد ما مثل هونغ كونغ، وفق عبود.
يقول عبود: “سافرت إلى الصين وهونغ كونغ وحاولت أن أفهم كيف يجري العمل هناك، عندما قررتُ البدء ومعرفة ما يمكنني القيام به، كان هناك جيل جديد يشق طريقه في الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في دبي، وكان جبل علي يزدهر وينمو بسرعة حتى أصبح أحد أفضل 10 موانئ في العالم في فترة زمنية قصيرة”.
ويقول أيضاً إن هذا الجيل الجديد ظهر في العديد من القطاعات الحكومية، بما في ذلك غرفة تجارة دبي وغيرها الكثير.
النمو وانتهاز الفرص
بدأت الأعمال تزدهر في الإمارات العربية المتحدة، أكثر مما كان متوقَّعاً، بين عامي 1994 و1996، يقول الملياردير السوري وهو يستذكر تلك الأوقات: “كانت هذه موجات كبيرة من الأعمال ولو أخبرني أحد أن دبي ستصبح على ما تحولت إليه عام 2000، لما كنتُ أصدّق ذلك”.
استوعب عبود التيارات المتغيّرة سلباً وإيجاباً لتشكيل رحلته الريادية وعن ذلك يقول: “كنتُ أعمل في صناعة الإعلام، لذلك كنت على دراية مباشرة بكل موجة في عالم الأعمال، وقد دخلتُ هذا العالم في نهاية المطاف عام 1994، ولكن مع كل موجة، عملتُ بجدّ لأتحسّن، وأتعلّم المزيد، وأطوّر مهاراتي بنفسي، والآن، تُعدّ مجموعة غسان عبود واحدة من أبرز التكتلات التجارية في الإمارات العربية المتحدة والشرق الأوسط”.
مجموعة الملياردير السوري غسان عبود
تضم مجموعة الملياردير السوري غسان عبود الآن مجموعة متنوعة من الصناعات التي تشمل السيارات، وتجارة التجزئة، والأغذية، والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية، والأدوية، والإعلام، والتجارة الإلكترونية، والضيافة.
ففي قطاع السيارات، يمتلك ويُدير عبود مجموعة من الشركات تنشط في أكثر من 100 دولة، وتلبّي احتياجات العملاء المتنوعة من السيارات المستعملة إلى زيوت التشحيم وقطع غيار السيارات.
ويشمل قطاع المواد الغذائية والتجزئة في المجموعة متاجر Grandiose وGrandiose Catering وOlive Country، ما يوفر تجارب تسوق استثنائية مع مجموعة واسعة من المنتجات عالية الجودة.
كما خطَت مجموعة غسان عبود خطوات كبيرة في العديد من الصناعات الأخرى، ولكن في الآونة الأخيرة برزت بشكل لافت في قطاع الضيافة.
وعن هذا القطاع يقول عبود : “لقد بدأت بهذا المشروع في عام 2016، لقد استثمرت مليار دولار في أستراليا، والآن أمتلك ثمانية فنادق، تتضمن نحو 2000 جناح، بالإضافة إلى مجموعة Crystal Brook، وهي مجموعة ضيافة من فئة الخمس نجوم”، مضيفاً أن هذا القطاع سيشهد المزيد في المستقبل مع استمراره في التوسع بسرعة.
منذ إنشائها في عام 2016، قاد الملياردير السوري صاحب الرؤية، الصعود الملحوظ لمجموعة Crystal Brook، وهي شركة إدارة ضيافة مميزة تركت بصمة لا تُمحى على المشهد الفندقي الأسترالي. ومن خلال عمليات الاستحواذ الإستراتيجية، قامت المجموعة بصياغة مجموعة من المنتجعات والفنادق الرائعة بدقة.
كما دخلت المجموعة في شراكتين رئيسيتين مع مجموعة “موانئ أبو ظبي” بغرض إنشاء مركز عالمي للغذاء، وآخر لتجارة السيارات، تبلغ مساحة كل منهما 3.3 كيلومتر مربع، سيخلقان أنظمة بيئية كاملة لصناعات الأغذية والسيارات لا مثيل لها في المنطقة.
ويعزو عبود التعافي السريع من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا في الإمارات إلى الإدراك السريع من قبل الحكومة بأن سياسة الإغلاق الطويل التي انتهجتها العديد من الدول على خلفية جائحة كورونا كانت فكرة سيئة.
وفي هذا السياق يقول: “لقد رأينا الكثير من الأشخاص، بما في ذلك الأثرياء، الذين غادروا هذه البلدان للمجيء إلى هنا، ما أدى إلى ظهور حركة جديدة في الإمارات العربية المتحدة، وموجة أخرى من الأعمال”، مضيفاً: “لحسن الحظ، فقد تعافت البلاد بسرعة كبيرة من تبعات الجائحة، وأصبحت الآن المركز الأول للأعمال والمال والتجارة لاتخاذها قرارات صحيحة كفلت تحويل هذه الكارثة التي حدثت في أوروبا وأستراليا وبعض أجزاء الصين إلى مركز عالمي للتقانة”.
وجاء تصدُّر المجموعة عناوين الصحف عقب الاستحواذ على فندق Rydges Sydney Harbour ليظهر مدى الطموح الراسخ للمجموعة، ولا سيما أن الفندق المرموق، وهو استثمار جذّاب، بلغت قيمته نحو 100 مليون دولار.
مفاجآت للعام المقبل
ومع ذلك يَعِد عبود بالمزيد قائلاً: “سأفاجئك ببعض الإعلانات الرئيسية العام المقبل”، إذ يخطط لتوسيع أعماله في مجال الضيافة إلى الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج الأوسع، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.
وحول التحديات التي واجهها قطاع الفنادق والسياحة جراء جائحة كورونا يقول عبود: “لم تتضرر أعمالي في مجال الضيافة كثيراً أثناء الإغلاق. كانت السنة الأولى من انتشار الوباء صعبة، لكن قصد الكثير من الناس فنادقي للإقامة، ما أدى إلى تعزيز السياحة الداخلية، وكانت أربعة من منتجعاتي في أستراليا ممتلئة دائماً”.
نظراً لأن المجموعة تعمل عبر العديد من الصناعات والبلدان المختلفة، فقد وازنت تلك القطاعات بعضها أثناء الوباء.
قصة عبود هي قصة رؤية وجرأة وتصميم لا ينضب. إنه بمثابة تذكير بأن النجاح لا يعرف حدوداً عندما يسترشد بالمنطق والمثابرة والإيمان الراسخ بقدرة الفرد على إعادة تشكيل الصناعات وإعادة تعريف قواعد اللعبة.