إن معادلة القنابل الخارقة للحصون تقوم على كثير من الفيزياء وقليل من الكيمياء والكثير من التكنولوجيا.
قصة القنابل الخارقة للحصون قديمة وتعود إلى عقود خلت، وتحديداً إلى الحرب العالمية الثانية، لكن استخدامها كان وما يزال على نحو كبير في الدول العربية والإسلامية.
وبدأت قصة هذه القنبلة إبان الحرب العالمية الثانية قبل أن تُستعمل في الحرب على العراق عام 1991، ثم حرب أفغانستان 2001 وغزو العراق 2003، والحرب على غزة المستمرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وصولاً إلى اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، الجمعة الماضية، في هجوم استخدم فيه أكثر من 80 قنبلة من هذا النوع.
محاولات أمريكية فاشلة
بين عامي 1942 و1943، نفذ الطيران الأمريكي أكثر من 2000 طلعة جوية بقاذفات ثقيلة في محاولة لضرب أحواض بناء القطع البحرية تحت الماء التي أنشأتها القوات النازية على ساحل فرنسا التي كانت تحتلها حينها.
وأتاحت هذه القواعد للغواصات الألمانية الوصول السريع إلى المحيط الأطلسي، مما ساعدها في توجيه ضربات للقوات البريطانية والأمريكية وقتل الآلاف من جنود الطرفين.
وكان الألمان يعرفون أن الحلفاء سيقصفون تلك المواقع، فعملوا على تحصينها بالخرسانة وشيدوا جدراناً سمكها 3 أمتار، وسقفا خرسانيا يزيد سمكه على 5 أمتار، واستخدموا في العملية أكثر من 4 ملايين متر مكعب من الخرسانة.
ولذلك كانت الأضرار التي لحقت بتلك الأحواض محدودة، فالقنابل التقليدية تنفجر عند ارتطامها بالأجسام الصلبة، وفي المحصلة لم تخترق تلك القنابل الجدار الخرساني، وحتى في الأماكن المحدودة التي أحدثت فيها القنابل أضراراً سارع النازيون لإصلاحها.
وحاول الأمريكيون حل المشكلة بصناعة قنابل أضخم، وطوروا مشروعاً طموحاً في هذا الإطار، بحيث تنفجر القنابل داخل المخابئ لكن المشروع فشل بسبب الأعطال الفنية.
وتسبب المشروع في مقتل الطيار الأمريكي جوزيف كينيدي، الأخ الأكبر للرئيس الراحل، جون كينيدي.
البريطانيون نجحوا فيما أخفق فيه الأمريكيون
نجح البريطانيون فيما فشل فيه الأمريكيون، إذ طوّر المهندس، بيرنز واليس قنابل خارقة للحصون، وكانت فكرته بشأن هذه القنابل قائمة على التطوير الألماني للقنابل المخترقة للدروع، والمبادئ الأساسية في هذا الاتجاه هي: البنية والكتلة والسرعة.
ورغم التطورات الكبيرة التي حدثت في صناعة هذه القنابل، إلا أن المبادئ الأساسية ظلت هي نفسها.
وتقوم القنابل الخارقة للحصون التي طوّرها المهندس البريطاني على وجود هيكل أنبوبي طويل نسبياً للقنبلة، مع أنف مخروطي مصنوع من مادة صلبة للغاية، وأعاد تدوير فولاذ فوهات مدافع قديمة لهذه الغاية، كما زوّدت القنابل بأجنحة تجعلها تدور حول نفسها.
وتؤدي الفيزياء دورها هنا في قوة المقذوف، إذ تلقى القنبلة من ارتفاع شاهق، وترفعت سرعتها إلى أقصى حد ممكن، بما يتجاوز مثلا سرعة الصوت.
وعندما تكون لديك العناصر التالية: السرعة الفائقة والكتلة الضخمة والدوران الكبير والمقدمة المدببة المصنوعة من فولاذ قوي، تستطيع القنبلة الحفر في الأرض، بما في ذلك طبقات الخرسانة السميكة، قبل أن تنفجر.
وحتى إن لم تصب هذه القنابل الهدف المنشود، فإنها تنغرس في الأرض وفي بعض الأحيان تصل إلى عمق 10 أمتار، وحينها تنفجر، مما يشكل موجات “زلزالية”، مما يتسبب في اهتزار أسس المباني وبالتالي انهيارها، ولذلك تسمى أحياناً “القنابل الزلزالية”.
وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، امتلك الأمريكيون القنابل النووية، ولم يكونوا بحاجة ماسة للاستثمار في للقنابل الخارقة للحصون، فاعتمدوا على القنابل البريطانية وأضافوا عليها مزايا مثل توجيهها أثناء الطيران.
حرب الخليج أبرزت الحاجة لهذه القنابل
لكن في حرب الخليج عام 1991، برزت حاجة ماسة للقنابل الخارقة للحصون، إذ علمت المخابرات الأمريكية حينها أن القوات العراقية الموالية للرئيس الراحل صدام حسين بنت مخابئ تحت الأرض، وعلى عمق كبير للغاية، بحيث لا يمكن للقنابل التقليدية الوصول إليها.
وبحسب صحيفة “يديعوت آحرونوت” العبرية، فقد طوّر الأمريكيون قنابل خارقة للحصون باستخدام تكنولوجيا أكثر حداثة خلال أسابيع.
وبالفعل، ظهرت القنبلة “GBU-28″، التي تزن 2000 كيلوغرام، وفيها 300 كيلوغرام من المواد المتفجرة، وكانت هذه القنبلة قادرة على اختراق 6 أمتار من الخرسانة أو 30 متراً من التربة.
وما يميز هذه القنبلة هو توجيهها الدقيق عبر الليزر، وتأخير انفجارها، بحيث لا تندفع كتلة النيران إلا عندما تخترق القنبلة أقصى عمق ممكن.
وباتت الولايات المتحدة دولة رائدة في صناعة هذا النوع من القنابل، متفوقة على الآخرين، مثل روسيا والهند، كما أن إسرائيل تصنع قنابل من هذا النوع، لكنها صغيرة نسبياً، بحسب “يديعوت آحرونوت”.
وأصدرت الولايات المتحدة نسخاً محدثة من القنبلة، أكبر حجماً وأكثر قوة على اختراق الحصون.
كيف أصبحت سلاحاً فتاكاً؟
ولزيادة القوة التدميرية لهذه القنابل، جرى إضافة أوزان عليها، فكما هو معلوم في هذا المجال، كلما كانت القنبلة أثقل، زادت طاقتها وقدرتها على الاختراق.
ثمة طريقة أخرى لزيادة قوة القنابل وهو زيادة سرعتها، فبدلا من الاعتماد على السقوط الحر لها، يجري تزويدها بمحرك صاروخي، لجعل قوة اختراقها للحصون هائلة، مع المحافظة على نفس الشكل لها.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، أفادت صحيفة “تلغراف” البريطانية بأن سلاح الجو الأمريكي “يمتلك الدواء اللازم” لمواجهة المخابئ العميقة.
وتقول الصحيفة إن أعداء أمريكا من الصين إلى كوريا الشمالية إلى إيران يبنون منشآت عسكرية تحت الأرض، لكن البنتاغون ليس غافلا عن هذه المحاولات.
وذكرت أن أحدث الإجراءات الأمريكية في هذا الاتجاه كانت فوق صحراء موهافي في غرب الولايات المتحدة، حيث ظهرت قاذفة أمريكية من طراز “بي- 1″، وكان ثمة شيء غير طبيعي تحت جسم القاذفة، قنبلة كبيرة خارقة للحصون من طراز يعتقد أنه GBU-57، القادرة على اختراق أكثر من 200 قدم من الخرسانة الصلبة.