تثير الضربات العسكرية الإسرائيلية المتتالية ضد حزب الله الكثير من التساؤلات، خاصة مع دقة المعلومات التي حصلت عليها الدولة العبرية، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، الجمعة الماضية.

اعلان

قبل عدة أشهر، تباهى إعلامي مقرب من حزب الله بأن الإسرائيليين لا يعرفون القدرات التي تمتلكها “قوة الرضوان” (قوة النخبة) في حزب الله، لكن خلال أيلول/ سبتمبر الجاري، اتضح أن تل أبيب تعرف الكثير، إذ علمت بمكان وساعة اجتماع قادة الوحدة واغتالتهم جميعاً.

وخلال أيام معدودة، وجهت إسرائيل سلسلة ضربات قوية لحزب الله، اتسمت بالدقة والنجاح، وتظهر أن حزب الله مخترق أمنياً على نحو لم يحدث مثلاً مع حركة حماس في غزة.

بدأت الأحداث في أواخر يوليو/ تموز الماضي، عندما اغتالت الدولة العبرية القيادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، في قصف على عمارة سكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وهدأت الأحداث الأمنية لفترة من الزمن في بيروت، باستثناء الاشتباكات المعتادة منذ بداية حرب غزة على الحدود مع إسرائيل.

وفي تلك المرحلة، أي في شهر آب/ أغسطس ومطلع أيلول/ سبتمبر، بدأت إسرائيل ترفع وتيرة تهديداتها لحزب الله على خلفية هجماته المتواصلة وحرمانه نحو 120 ألف مستوطن من العودة إلى منازلهم على الحدود، وهو ما كان مؤشراً على قيادة الحزب أخذه في الاعتبار حينها، لأن التهديد في العرف العسكري والأمين قد يتحول لفعل في أي لحظة.

كرة الثلج تتدحرج بسرعة هائلة

كانت الأمور هادئة نسبياً في لبنان عصر الثلاثاء 17 أيلول/ سبتمبر، عندما دوت انفجارات واسعة النطاق في مناطق شتى من لبنان، حيث قتل العشرات وأصيب الآلاف، وتبين أن الأمر يعود إلى انفجار أجهزة الاتصال اللاسلكية من نوع “البيجر”.

وجاءت هذه الانفجارات، رغم أن رئيس جهاز “الموساد” السابق، يوسي كوهين، قد ألمح قبل ذلك بوقت طويل، عندما قال “نريد أن نكون في سلسلة التوريد الخاصة بهم وأن نتدخل فيها”.

وأيضاً لم ينتبه حزب الله لهذا التحذير النادر، فقادة الأمن لا يتحدثون عادة وعندما يتحدثون، فهم يقولون كلاماً عاماً، لكن كلام كوهين كان يجب أن يؤخذ على محمل الجد.

وتكررت الانفجارات في اليوم التالي أي 18 أيلول/ سبتمبر أجهزة “الوكي تووكي” للاتصالات اللاسلكية.

ولم يأخذ حزب الله استراحة سوى يوم 19 أيلول/ سبتمبر، وفي اليوم التالي، أي الجمعة 20 أيلول/ سبتمبر اغتالت إسرائيل قادة “وحدة الرضوان” (وحدة النخبة في حزب الله)، في قصف على مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت.

العملية الأكبر

واستمرت الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حزب الله، حتى جاءت العملية الكبرى التي استهدفت قائده وأمينه العام حسن نصر الله، مساء الجمعة 28 أيلول/ سبتمبر.

وحتى تضمن إسرائيل نجاح العملية، ألقت طائرات حربية إسرائيلية أكثر من 80 قنبلة خارقة للتحصينات على المقر المركزي لحزب الله، حيث كان نصر الله ومعه قادة آخرون في موقع تحت الأرض.

وكانت كل القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل تتابع العملية عن كثب، وأعطى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الضوء الأخضر لها من نيويورك.

ولم تتوقف العمليات هنا، إذ اغتالت تل أبيب في اليوم التالي الشيخ نبيل قاووق، مسؤول الأمن الوقائي في الحزب وعضو مجلسه التنفيذي.

ويثير هذا الأمر تساؤلات ليس لمدى وصول إسرائيل لمعلومات عن قادة حزب الله، يفترض أن تكون معروفة لعدد محدود من الأشخاص، بل لبقاء زعيم الحزب في مكان من المتوقع على نطاق واسع أن تقصفه الدولة العبرية في أي لحظة.

اعلان

وبات حزب الله بلا قائد عام ونصف أعضاء مجلس القيادة قد اغتيلوا، كما أن غالبية القادة العسكريين عرفوا نفس المصير.

وصار الحزب في موقع يدفعه نحو سد الثغرات الأمنية التي سمحت للمخابرات الإسرائيلية بالوصول إلى أكثر معلوماته سرية.

وقالت وكالة “رويترز” إنها تحدثت مع أكثر من 10 مصادر في لبنان وإسرائيل وإيران وسوريا في الأيام الساعات التي سبقت اغتيال نصر الله، مشيرة إلى أن هؤلاء زوّدوها بتفاصيل عن الأضرار التي لحقت بالحزب جراء الضربات الإسرائيلية.

ونقلت عن مصدر قالت إنه مطلع على “التفكير الإسرائيلي” إن تل أبيب أنفقت 20 عاماً من جهود الاستخبارات على حزب الله، بحيث تستطيع قتل نصر الله متى أرادت.

اعلان

ونقلت الوكالة عن مصدر أن تحركات نصر الله كانت محدودة للغاية، ويقابل دائرة صغيرة من الأشخاص، بحسب شخص مطلع على الترتيبات الأمنية لنصر الله.

وتوقع المصدر أن الاغتيال يظهر أن إسرائيل تمكنت من الدخول إلى دائرة نصر الله وزرع مخبرين فيها.

4 أخطاء أمنية فادحة ارتكبها حزب الله

  1. لم يدقق الحزب في الأدوات التي تصل إليه، ولم يفحصها، ولم ينوع من مصادرها حتى يخفف من أضرارها، ولم يجر فحصاً دقيقاً للجهات التي يستلم منها أجهزة الاتصالات.
  2. يبدو أن تدابير التحقق من خلفيات الأشخاص الذين يتنمون إلى الحزب أو المقربون منه كانت متراخية لحد بعيد.
  3. بخلاف عناصر الفصائل الفلسطينية الذين يتنقلون كثيراً، بقي نصر الله في مكان واحد تقريباً ومكشوف للجميع، وهو المقر المركزي لحزب لله، وهذا يسهل عملية الرصد.
  4. وجود عدد كبير من القادة في المكان ذاته في نفس الوقت، فحتى الولايات المتحدة في بعض حالات الطوارئ تفصل بين الرئيس ونائب الرئيس، حتى لا تقتل القيادة السياسية كلها.
شاركها.
Exit mobile version