اعترفت محكمة النقض الفرنسية بـ”الولاية القضائية العالمية” لنظام العدالة الفرنسي التي تجيز ملاحقة ومحاكمة مرتكبي أعمال التعذيب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب التي ترتكب خارج البلاد ويكون الجاني والضحية من غير الفرنسيين، وذلك بعد رفضها الطعون المقدمة في قضيتين مرتبطتين بسوريا.

وأصدرت المحكمة بياناً أمس تضمن حكمين، رفضت بموجبهما الطعون المقدمة من قبل جهة الدفاع عن قضيتي الناطق السابق لـ”جيش الإسلام” مجدي نعمة المعروف باسم “إسلام علوش”، والعنصر السابق بأجهزة أمن ميليشيا أسد عبد الحميد شعبان، المعتقلين في فرنسا بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سوريا.

قرار شجاع وهام

وفي تعليقه على قرار المحكمة، كتب المحامي عبد الناصر حوشان عبر صفحته في “فيسبوك”: ‏”محكمة النقض الفرنسية تلغي شرط ازدواجية التجريم لملاحقة المجرمين ضد الإنسانية كأحد شروط إعمال مبدأ الولاية العالمية للقضاء الوطني الفرنسي” 

واعتبر حوشان أن قرار المحكمة “قرار شجاع يغلق الباب أمام المجرمين من الإفلات من العقاب”.

من جانبه، رأى المحامي المختص في القانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني أن القضاء الفرنسي اتخذ قراراً هاماً بخصوص مكافحة الإفلات من العقاب في سوريا.

وذكر في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” أن الغرفة المشتركة لمحكمة النقض قررت مقاضاة “شعبان”، و”علوش”، مهما تكن جنسية الضحايا، مشيراً إلى أن القضاء منح الصلاحية للولاية القضائية العالمية في فرنسا لمكافحة جرائم الحرب.

وبيّن أن المحكمة أقرت بإمكانية محاكمة أي مواطن أجنبي أمام المحاكم الفرنسية على جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب ارتكبت في الخارج ضد ضحايا أجانب، بشرط أن يكون المتهم مقيماً على الأراضي الفرنسية.

إنهاء الجدل

وأشار الكيلاني إلى أن المحكمة أنهت الجدل بمدى أحقية إجراءات القضاء الفرنسي بخصوص قضيتي “شعبان” و”علوش”، اللذين جادلا عبر محاميهما بأن شرط التجريم المزدوج لم يتم استيفاؤه، وأن محاكمتهما ليست اختصاص القضاء الفرنسي.

وبحسب الكيلاني، حددت المحكمة بوضوح الشروط التي بموجبها تتمتع العدالة الفرنسية بالاختصاص القضائي للحكم على أعمال التعذيب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب عندما تكون الأفعال قد ارتكبت في الخارج ولم يكن صاحبها والضحية من الفرنسيين.

ولفت إلى أنه بخصوص التجريم المزدوج، ليس من الضروري أن تكون الوقائع المتعلقة بجرائم الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب في فرنسا موصوفة بطريقة مماثلة من قبل قوانين الدولة الأجنبية، إذ يكفي أن التشريعات الأجنبية تعاقب هذه الأفعال كجرائم القانون العام مثل القتل والاغتصاب أو التعذيب.

ووفق ما أوضح الكيلاني: “ترى محكمة النقض أنه تم استيفاء الشروط المطلوبة للعدالة الفرنسية لتكون قادرة على اتهام السوريين المتورطين في أعمال ارتكبت في سوريا ضد السكان السوريين. وبالتالي، تم رفض طعون (شعبان ونعمة) ويمكن أن تستمر الإجراءات القضائية بحقهم”.

إلغاء لقرار سابق

ويأتي هذا القرار بعد أن رفض القضاء الفرنسي في عام 2021 طلب استئناف تقدّم به لاجئ سوري لمحاكمة “شعبان”، إذ خلص قرار صادر عن الغرفة الجزائية التابعة لمحكمة النقض في باريس حينها إلى أنها غير مخوّلة بالنظر في جرائم ارتكبها عناصر أجهزة النظام الأمنية في سوريا.

وبرّرت الغرفة الجزائية قرارها آنذاك بالقول إن سوريا لم تصدّق على نظام روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، وأن التهم غير معاقب عليها في القانون السوري، وبالتالي فإن العدالة الفرنسية غير مسؤولة.

وتعتقل السلطات الفرنسية منذ شباط/ فبراير 2020 المتحدث السابق باسم جيش الإسلام، إسلام علوش، بتهم ارتكاب جرائم حرب وتعذيب، فيما تعود  قضية “شعبان” الذي كان يخدم في فرع “الخطيب” بدمشق لعام 2019، حينما فتح المدّعي العام في باريس تحقيقاً ضده بتهم ارتكاب جرائم تعذيب وأعمال همجية وجرائم ضد الإنسانية، والتواطؤ في هذه الجرائم في سوريا خلال الفترة الممتدة بين آذار/ مارس 2011 ونهاية آب/ أغسطس 2013.

شاركها.
Exit mobile version