أثار تحقيق جديد حول الفساد في البرلمان الأوروبي جدلًا واسعًا في الأوساط المحلية. وذلك بعدما قامت السلطات البلجيكية بتفتيش مكاتب شركات الاتصالات الصينية “هواوي” واعتقال عدد من الأفراد للاشتباه في تدخل الشركة في قرارات البرلمان. الأمر الذي يطرح سؤالًا محوريًا: من هي جماعات الضغط وكيف تعمل؟
برز الضغط السياسي (lobbying) كعنصر أساسي في فضيحة الفساد التي تهز البرلمان الأوروبي، مما يجعل الحاجة إلى إعادة النظر في هذا الملف أمرًا ملحًا، لفهم كيفية تعامل المؤسسة التشريعية الأوروبية معه.
كيف تتشكل جماعات الضغط وهل هي قانونية؟
لا يستخدم الاتحاد الأوروبي عبارة “جماعة ضغط” للإشارة إلى المؤثرين على القرارات السياسية أو التشريعية (لوبيات)، بل يستخدم عبارة “ممثل المصالح”، ويعرّفها بأنها “أي شخص طبيعي أو اعتباري، أو مجموعة أو جمعية أو شبكة رسمية أو غير رسمية، تشارك في […] أنشطة بهدف التأثير في صياغة أو تنفيذ السياسات أو التشريعات، أو في عمليات صنع القرار”، في الاتفاقات بين المؤسسات التي صيغت في عام 2021.
وبعبارة أخرى، يُعتبر أي شخص ينظم فعاليات تتناول التشريعات أو يشارك في المشاورات مع المفوضية أو يكتب رسائل مفتوحة حول الموضوعات الحالية من جماعات الضغط.
وعادة ما تكون شركات التكنولوجيا أو الأدوية أو شركات الأغذية الزراعية من أبرز الجماعات التي تؤثر على صناعة القرارات السياسية، غير أن تأثيرها واسع لا ينحصر بما ذُكر، بل يتعدى إلى قطاعات أخرى، مثل حماية البيئة أو صناعة السينما أو حتى القهوة.
ولا مشكلة في الغالب من أن تؤثر هذه الجماعات على السياسة، إذ يعتبر هذا النشاط قانونيًا – حتى أنه مذكور في معاهدة الاتحاد الأوروبي – طالما لم يكن التأثير مقابل المال، فيتحول بذلك إلى فساد.
في هذا السياق، تنص مدونة “قواعد سلوك المشرعين” على أنه يحظر على أعضاء البرلمان الأوروبي “التماس أو قبول أو تلقي أي منفعة مباشرة أو غير مباشرة أو أي مكافأة أخرى، إن كانت نقدية أو عينية، مقابل سلوك معين في نطاق العمل البرلماني للعضو”، وعليهم “السعي بوعي لتجنب أي موقف قد ينطوي على رشوة أو فساد أو تأثير غير مستحق”.
كما يتعين على أعضاء البرلمان الإعلان عن أي هدايا يتلقونها وتفوق قيمتها 150 يورو، ليتم الاحتفاظ بسجل عام لها.
في الوقت الحالي، هناك 13,762 منظمة وأكثر من 50,000 شخص معترف بهم رسميًا كـ”ممثلين للمصالح” من قبل الاتحاد الأوروبي، ويزداد العدد يومًا بعد آخر. ولكن من غير الواضح مدى انخراط تلك الجماعات في عمليات التأثير أو الضغط.
وللدخول إلى البرلمان الأوروبي كـ” ممثل مصالح”، يجب أن تكون الجهة مدرجة في سجل الشفافية – وهو فهرس يظهر جماعات الضغط ويعرض معلومات عنها مثل أهداف المنظمة وميزانيتها والاجتماعات التي عقدتها مع المشرعين ومسؤولي المفوضية الأوروبية.
وبمجرد إدراجها، يتوجب على “ممثلي المصالح” احترام مدونة قواعد السلوك التي تحظر محاولة الحصول على معلومات أو قرارات بطريقة غير شريفة أو باستخدام ضغوط لا مبرر لها أو سلوك غير لائق.
وفي حال لم يتم احترام المدونة، يمكن أن تواجه الشركات حظرًا من دخول البرلمان الأوروبي.
كيف تطبق القواعد؟
في حين أن هنالك تسجيلًا رسميًا للمشاركة في عملية صنع القرار، إلا أن هذا الإجراء لا يعبر عن العمل الحقيقي أو عدد جماعات الضغط. فالمؤتمرات التي تنظمها جهات معينة مثل مراكز الأبحاث أو المجموعات السياسية أو وسائل الإعلام، على سبيل المثال، قد توفر فرصًا لممارسة الضغط التي تظل غير منظمة.
من جهة ثانية، تبرز تساؤلات حول كيفية تحديث السجلات الخاصة بجماعات الضغط، حيث لا يستطيع البرلمان إجبار الشركات على إجراء التحديثات.
في حديثه إلى “يورونيوز”، قال ألبرتو أليمانو، أستاذ قانون جان مونيه في كلية الدراسات العليا في الاتحاد الأوروبي في باريس، إن وجود نظام لقواعد الضغط لدى البرلمان والمؤسسات الأوروبية الأخرى يعني أن هناك رقابة ذاتية.
ويتابع: “من حيث التصميم، فإن النظام لا يفي بالمطلوب، وهو مصمم لكي لا يعمل، لأنه لا توجد حوافز سياسية للرئيس في البرلمان الأوروبي، الذي هو أيضًا عضو في حزب سياسي لتطبيق تلك القواعد، لأنه إذا تم تطبيقها، أولاً، يمكن أن تضر بحزبه. وأعتقد أن هذا هو ما يفسر حقًا سبب عدم ملاءمة نظام الأخلاقيات الأوروبي الحالي للوظيفة”.
ووفقًا لأليمانو، لا يزال أعضاء البرلمان الأوروبي الحاليين والسابقين قادرين على ممارسة النفوذ في البيئة الحالية.
ويردف: “لا يزال يُسمح لأعضاء البرلمان الأوروبي اليوم بأن يكون لديهم وظائف جانبية بحيث يمكنهم أن يكونوا أعضاء في البرلمان الأوروبي، ولكن أيضًا محامين، وجماعات ضغط، ومناصرين لأنواع مختلفة من القضايا في المجتمع التي تضعهم في حالة تضارب مصالح”.