وسط أطلال المنازل المدمرة وخطواتٍ مُثْقَلة بالألم، انضم مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين هذا الأسبوع إلى مسيرة العودة الشاقة من جنوب قطاع غزة إلى شماله، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من محورين رئيسيين تماشيًا مع اتفاقية وقف إطلاق النار، التي فتحت لأول مرة منذ أشهر نافذة أملٍ لعودة النازحين.

اعلان

لكن رحلة العودة لم تكن مجرد اختبار للتحمل الجسدي، بل تحولت إلى كابوسٍ يعيد إحياء جراح الماضي لعبد القادر طافش (34 عامًا)، الذي يحمل في جسده وذاكرته ندوبًا من تعذيبٍ ممنهج تعرض له على يد الجيش الإسرائيلي خلال اعتقاله قبل عام.

من ملجأ المستشفى إلى زنزانة التعذيب

هرب طافش، وهو من مخيم جباليا للاجئين، مع اندلاع الحرب على غزة، واتجه إلى مستشفى كمال عدوان للأطفال، آمِلًا أن يحميه الوضع القانوني للمركز الطبي بموجب الاتفاقيات الدولية.

لكن تحطم الأمل في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، حين اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى واعتقلته مع عشرات النازحين دون تهمة، لتبدأ رحلةٌ وصَفها بـ”الجحيم”.

خلال ثلاثة أيام متواصلة في مركز اعتقال بيت لاهيا قرب الحدود الشمالية مع إسرائيل، أجبره الجنود على البقاء عاريًا مكبل اليدين في العراء، بينما كانت الضربات المبرحة تُهَشِّم اللوحة المعدنية في كتفه، آثار جراحة خضع لها قبل الحرب، مما أفقد يده القدرة على الحركة.

وبعدها نُقِل إلى سجن عوفر قرب رام الله بالضفة الغربية، حيث استمر التعذيب الجسدي طوال 50 يومًا، وفق روايته، ما اضطر السلطات لإدخاله المستشفى مرارًا.

“الطريق إلى البيت كان أقسى من التوقعات”

مع إعلان وقف إطلاق النار، انطلق طافش بعكازين، غير قادر على تحميل أي ثقل على جانبه الأيسر، في رحلةٍ استغرقت ساعاتٍ بلا ماءٍ أو غذاء كافٍ. يقول: “لم أكن أعلم أن الطريق سيكون بهذه الصعوبة.. لكن شوقي لبيتي وأسرتي ومكاني هو الذي دفعني للمواصلة”.

عاد إلى جباليا بحثًا عن أوراقه الثبوتية ووثائق تسمح له بالحصول على علاج طبي عاجل، لكنه وجد كل شيء تحت الركام: “لا يوجد مكان للنوم أو للمأوى. لا يوجد مكان للاستقرار”.

جراح الجسد.. وصمود الإرادة

رغم التشاؤم من المستقبل، يؤكد طافش، الذي يعاني من إعاقة دائمة في يده، أن تحديات اليوم لن تكسر إرادته: “لست شخصًا عاديًا.. ستكون الحياة مرهقة، لكن عليَّ التأقلم”.

تظل قصته جزءًا من سردية أكبر لأهالي غزة، الذين تحولت عودتهم المُرتقبة إلى ديارهم إلى مواجهةٍ مع واقعٍ مرير: بيوتٌ مهدمة، وذاكرةٌ مليئة بالرصاص، وأسئلةٌ عن مستقبلٍ يلفه الغموض.

المصادر الإضافية • أب

شاركها.
Exit mobile version