ويبرز تساؤل جوهري حول ما إذا كانت الإدارة السورية الجديدة ستقبل الحفاظ على علاقات وثيقة مع طهران، أم ستختار نهجًا مختلفًا يتماشى مع تطلعاتها الجديدة.

فعلى مدار عقود، شكلت العلاقة بين إيران وسوريا نموذجا للتحالف الاستراتيجي، حيث كانت دمشق أحد أركان “محور المقاومة”. إلا أن هذه العلاقة، التي وصفتها بعض الأوساط بالهيمنة الإيرانية، أصبحت موضع مراجعة جذرية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

 ويشير الباحث السياسي مصدق بور خلال حديثه لسكاي نيوز عربية إلى أن إيران، في الوقت الراهن، تعتمد على “المشاورات” بدلاً من “المفاوضات الرسمية” مع الإدارة الجديدة في سوريا.

ويفسر ذلك بأنه مؤشر على حذر طهران وترقبها لمواقف السلطات الجديدة التي تسعى لإعادة ترتيب أوراقها داخليًا وخارجيًا.

الفوضى كعامل تهديد وفرصة

يُبرز مصدق بور قلق إيران من الفوضى المحتملة في سوريا، حيث وصف المرشد الإيراني علي خامنئي الوضع بـ”الفوضوي”، لكنه أبدى ثقته في أن “الشرفاء الأقوياء” قادرون على التصدي لهذا السيناريو. هذه التصريحات تعكس رغبة طهران في الحفاظ على نفوذها الإقليمي، مع إعادة تكييف استراتيجيتها لتتناسب مع المتغيرات الجديدة.

ومن أبرز المؤشرات على التغيير في العلاقة بين البلدين، الهجوم على السفارة الإيرانية في دمشق عقب سقوط النظام السابق.

هذا المشهد غير المسبوق يعكس تصاعد الغضب الشعبي تجاه النفوذ الإيراني في سوريا.

 كما أن تعليق شركات الطيران الإيرانية رحلاتها إلى دمشق يشير إلى تعقيدات في التنسيق مع الإدارة السورية الجديدة.

ورغم هذه التطورات، أكدت طهران رغبتها في الحفاظ على وحدة سوريا ومنع انتشار الإرهاب. ويرى مصدق بور أن هذا الموقف يعكس إدراك إيران لأهمية سوريا الاستراتيجية وتأثيرها على دول الجوار مثل العراق والأردن وتركيا.

صراع القوى الإقليمية والدولية

تبقى سوريا ساحة تنافس بين قوى إقليمية ودولية متعددة. فالدول العربية ترفض السيطرة التركية على سوريا، في حين تنظر الولايات المتحدة وإسرائيل بعين الشك إلى الجماعات المسلحة ذات الخلفيات الأيديولوجية.

 من جهة أخرى، يشير مصدق بور إلى أن إيران حاولت في الماضي تشجيع بشار الأسد على التعاون مع تركيا، لكنه رفض ذلك. الإدارة السورية الجديدة قد تكون أكثر استعدادًا لإعادة النظر في خياراتها، ما يثير تساؤلات حول مدى استعداد إيران للتكيف مع هذه التوجهات الجديدة.

التحديات والفرص

يرى مصدق بور أن سقوط النظام السوري السابق تسبب في انهيار المقاومة أمام إسرائيل، التي استفادت من هذا الوضع للتوسع في الأراضي السورية وتدمير البنية التحتية العسكرية. وفي الوقت ذاته، تبرز تحديات أمام إيران للحفاظ على نفوذها، مع تصاعد دعوات دولية وإقليمية لإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية.

 تمثل التحولات الجارية في سوريا لحظة حاسمة في العلاقة الإيرانية-السورية. حيث إيران تجد نفسها أمام خيارين: إما التكيف مع المتغيرات واتباع نهج جديد يقوم على الاحترام المتبادل، أو مواجهة خسارة نفوذها في واحدة من أهم الساحات الاستراتيجية في المنطقة. يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات عدة، لكن المؤكد أن الإدارة السورية الجديدة تسعى لرسم ملامح علاقات إقليمية ودولية مختلفة عما كانت عليه في الماضي.

شاركها.
Exit mobile version