فمع تصاعد سياسة الضغوط القصوى التي تتبناها واشنطن، يتضح أن الإدارة الأميركية تعمل على إعادة صياغة معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر آليات جديدة، أبرزها تهجير سكان غزة كجزء من مشروع أوسع لحل القضية الفلسطينية وفق رؤية ترامب الخاصة.
ترامب واستراتيجية الإزاحة الجغرافية
كشف مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الرهائن، آدم مولر، خلال مقابلة مع قناة إسرائيلية، أن واشنطن تتعامل بجدية مع مقترح ترامب لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، مطالبا مصر والأردن باقتراح “حلول بديلة”.
لكن الموقف العربي كان حاسمًا، إذ رفض العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أي مشروع يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للقطاع، معتبرين أن الحل الحقيقي يكمن في تثبيت الفلسطينيين على أرضهم وفق مبدأ حل الدولتين.
ورغم هذا الرفض العلني، يرى بعض المحللين أن إدارة ترامب لا تزال تدفع نحو سيناريوهات أخرى، مثل تهجير الفلسطينيين إلى ألبانيا أو إندونيسيا، إلا أن هذه الطروحات واجهت إجماعا دوليا رافضا، باستثناء الدعم الذي تتلقاه من اليمين الإسرائيلي المتطرف.
مشروع ترامب ليس “سلامًا” بل “استثمار عقاري”
وفقًا لـ سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، فإن سياسة ترامب تجاه غزة تقوم على رؤية اقتصادية عقارية أكثر من كونها مشروعا سياسيا لحل النزاع.
ويضيف غطاس أن هناك تحولًا بين مقترحي ترامب في 2016-2020 والنسخة الحالية، حيث:
- الطرح الأول تحدث عن تهجير غير محدد، بينما المشروع الحالي يتحدث عن “تطهير” قطاع غزة.
- المقترح الجديد ينقل عبء التهجير إلى مصر والأردن، رغم أنه مرفوض مصريًا منذ 2005.
- هناك محاولات لإحياء مشروع جيورا أيلاند، الذي كان يهدف إلى توسيع غزة على حساب سيناء، إلا أن القاهرة رفضته قطعًا.
ويرى غطاس خلال مداخلته مع سكاي نيوز عربية أن ترامب لم يقدم مبررات حقيقية لعملية التهجير، بل يتعامل مع غزة وكأنها مشروع عقاري لا يحتاج إلا لإعادة هيكلة سكانية.
كما يشير إلى وجود حقول غاز في المنطقة، قد تكون جزءًا من رؤية ترامب للاستثمار في القطاع، بعيدًا عن الاعتبارات السياسية والإنسانية.
حماس في مأزق.. هل يتغير المشهد السياسي؟
في ظل تصاعد الضغوط، تتغير حسابات حركة حماس التي تسعى لإعادة تموضعها سياسيًا. وتشير تقارير إلى أن حماس ناقشت مع المسؤولين الأتراك إمكانية تحولها إلى حزب سياسي، كما تلقت مقترحًا من واشنطن لإيوائها في قطر. هذا التحرك يعكس إدراك الحركة بأن الظروف الدولية لا تصب في صالحها، وأن عليها إعادة صياغة دورها بعيدا عن المواجهات العسكرية.
نتنياهو وترامب.. هل يستغلان التصعيد العسكري؟
رغم أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة يوم 7 أكتوبر كانت ناجحة تكتيكيًا، إلا أن تداعياتها كانت كارثية إنسانيًا، حيث أدت إلى دمار شامل. إلا أن ذلك لم يمنع تل أبيب من تبرير الحرب بذريعة “وحدة الساحات” والدعم الإيراني لحماس.
ويرى غطاس أن نتنياهو قد يستغل أي تحرك عسكري مستقبلي لتبرير مشاريع التهجير، في حين قد يجد ترامب في التصعيد وسيلة لطرح خططه المثيرة للجدل بشأن غزة كجزء من اتفاق أوسع مع إسرائيل والسعودية.
مستقبل غزة بين الرفض والضغط الدولي
رغم رفض المجتمع الدولي والعربي لسياسة تهجير سكان غزة، إلا أن واشنطن لا تزال تبحث عن سيناريوهات بديلة قد تكون أقل صدامًا، لكنها تخدم الهدف ذاته. فبينما تسعى مصر والأردن للحفاظ على التوازن الإقليمي، تبدو غزة عالقة بين مشاريع ترامب ومخططات نتنياهو، ما يجعل مستقبلها مفتوحًا على احتمالات خطيرة.