في خطوة تسعى لتأكيد مكانتها على الساحة الرياضية العالمية، أعلنت السعودية عن خططها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، وهي خطوة تتطلب بناء أو تجديد 15 ملعبًا، بالإضافة إلى إنشاء مدينة مستقبلية وتوسيع المطارات لاستيعاب ملايين اللاعبين والمشجعين.
وقد أثار هذا المشروع الضخم قلق خبراء البيئة بسبب الانبعاثات الكربونية الناتجة عن التصنيع والنقل واستخدام المعدات الثقيلة. ووفقًا لوكالة “أسوشيتد برس”، فإن تصنيع الخرسانة والصلب، وهما العنصران الأساسيان في البنية التحتية، يسهم بشكل كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة. ويُذكر أن قطاع البناء عالميًا هو المسهم الأكبر في التغير المناخي، مما دفع الخبراء إلى وصف هذا المشروع بأنه “إهدار بيئي شديد”، على حد تعبير أندرو زيمباليست، أستاذ الاقتصاد في كلية سميث بالولايات المتحدة.
وفي ظل المخاوف من ارتفاع درجات الحرارة بحلول 2034، أشار سيث وارن روز، مدير معهد “إنيريف”، إلى أن العالم لا يستطيع تحمل المزيد من الانبعاثات. ودعا روز المنظمين إلى بذل جهود حقيقية لتقليل الأضرار البيئية أو الامتناع عن استضافة البطولة بالكامل.
وتستند خطط السعودية إلى رؤيتها الاستراتيجية “رؤية 2030″، حيث تعهدت بتشغيل الملاعب باستخدام الكهرباء النظيفة والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى اعتماد معايير المباني الخضراء. ولكن كريم الجندي من معهد تشاتام هاوس، يرى: أن نطاق المشاريع والمسافات بين المدن المستضيفة قد يجعلان هذا هو الحدث الأكثر تأثيرًا على البيئة في تاريخ كأس العالم.
وفي مقارنة مع استضافة قطر لكأس العالم 2022، التي تضمنت بناء سبعة ملاعب جديدة وتطوير بنية تحتية هائلة، بلغت الانبعاثات الكربونية للحدث حوالي 3.6 مليون طن متري على مدار عقد من الزمن. ويخشى الخبراء أن يتجاوز المشروع السعودي هذه الأرقام.
ورغم الانتقادات، فقد أشارت “فيفا” إلى التزام السعودية بتعهداتها البيئية ضمن تقييمها للعرض، حيث وصفت خططها بأنها “توفر أساسًا جيدًا لتخفيف التأثيرات البيئية”. ومع ذلك، فإن انبعاثات الكربون في المملكة لا تزال في ارتفاع، حيث بلغت 533 مليون طن متري في عام 2022 وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
ومن جانب آخر، يسلط هذا الجدل الضوء على دور “فيفا” في اختيار الدول المستضيفة. وفي حين أشار البعض إلى ضرورة منح الفرصة لدول لديها بنية تحتية رياضية متطورة، مثل المملكة المتحدة، أكد الباحث ووكر روس من جامعة إدنبرة أن عملية التقديم السريعة جعلت العرض السعودي هو الخيار الوحيد.
وفي المقابل، يقدم نجاح أولمبياد باريس 2024 مثالًا على كيفية تحقيق أهداف بيئية طموحة، حيث قللت الانبعاثات الكربونية إلى النصف باستخدام الطاقة المتجددة والمواد المعاد تدويرها.
وبينما يستمر النقاش حول استضافة كأس العالم في السعودية، يبقى السؤال الأكبر: كيف يمكن تحقيق التوازن بين الطموحات الرياضية والتحديات البيئية؟