“جميع الخيارات أمامي تشي باقتراب الموت”، بهذه الجملة عبّر “عماد و.” (33 عاماً)، عن حاله وحال جميع المنشقين عن ميليشيا أسد في لبنان، مع انطلاق حملة الترحيل الجماعية التي يقودها الجيش اللبناني ومخابراته ضد اللاجئين السوريين هناك، بترخيص ودعم الثنائي الشيعي “حزب الله” و”حركة أمل”، إذ يؤكد بأنه تم ترحيل منشقين اثنين وتسليمهما لميليشيا الفرقة الرابعة قبل أسبوعين، دون أي معلومات حول مصيرهما حتى الآن، بحسب قوله.

مهمة مستحيلة

انشق “عماد” عن ميليشيا أسد عام 2019، بعد التحاقه بـ 8 أشهر، حيث اضطر لذلك من أجل تسريح شقيقه الذي تم القبض عليه وزجّه بسجن صيدنايا لمدة 4 سنوات، لدى محاولته الانشقاق في عام 2015، قبل أن يخرج منه وهو يعاني من أمراض تحتاج علاجاً، وذلك بعدما دفعوا مبلغاً كلفهم جميع ما يملكونه.

ومنذ انشقاقه من مكان خدمته في درعا، يقيم “عماد” في لبنان، ويعمل في مطعم للوجبات السريعة في أحد أحياء مدينة بيروت، كما يخفي هويته عن الجميع، إلا أنه مع انطلاق حملة الترحيل ووصولها إلى مكان قريب من مكان عمله، أدرك أنه أمام خطر كبير، وخصوصاً مع القبض على منشقين اثنين يعرفهما، وتسليمهما إلى مخابرات أسد مع نهاية نيسان/أبريل الماضي، دون أي معلومات حول مصيرهما.

ويواجه “عماد” معضلة كبيرة تجعل من مهمة استخراجه لبطاقة إقامة قانونية في لبنان أمراً مستحيلاً، إذ إن الأمن العام اللبناني لا يقبل إلا ببطاقة الهوية الشخصية المدنية أو جواز سفر ساري المفعول من أجل النظر بقبول طلب الحصول عليها، ويرفض أي وثائق إثبات الشخصية الأخرى كالبطاقة العسكرية أو ورقة إخراج قيد من دائرة نفوسه.

وبالتالي، فإنه لا خيار أمامه وفق ما قال لـ”أورينت نت”، سوى الحصول على جواز سفر ترفض سفارة ميليشيا أسد في بيروت منحه للمنشقين، إلا بعد دفعه مبلغاً يصل إلى أكثر من ألفي دولار أمريكي، هذا إن حالفه الحظ بالتعرف على سمسار للديه علاقات قوية “واصل” بأحد مسؤولي السفارة.

وقال “عماد” إن مخابرات الجيش اللبناني لا تكترث لوضع من تعتقله لدى نظام أسد، ولا تسمح لأحد بالكلام أو الشرح، موضحاً: “تواصلت مع آخرين رحّلوا ودخلوا مرة جديدة عبر مهرب مرتبط بالفرقة الرابعة عند الحدود، بعد رميهم في المنطقة الفاصلة بين حدود البلدين، لم يسمحوا لهم بالكلام، ولم يكترثوا بوضعهم الأمني”.

وتابع: “حالنا نحن المنشقين كارثي، لا خيارات أمامنا، لا لبنان يقبل بنا، وسجن صيدنايا ينتظرنا، جميع الخيارات تشي باقتراب الموت”.

وتأكد موقع “أورينت نت” بالاستناد إلى مصادر متطابقة من صحة أقوال “عماد”، حيث إن الأمن العام اللبناني لا يرفض فقط الهوية العسكرية، بل إنه يرفض أن تكون الهوية المدنية للراغبين في الحصول على إقامة قانونية قد تعرضت لو لكسر بسيط، كما يرفض أي صورة مطبوعة عنها، ما يجعل أمر استخراجها مستحيلاً، دون الحصول على جواز سفر.

كم عدد المنشقين في لبنان؟

لا يوجد في لبنان من يستطيع أن يحصي عدد المنشقين عن ميليشيا أسد في لبنان، حتى المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، وذلك لأن قسماً من المنشقين يخشون من تهريب بياناتهم ولا يثقون بسريتها، كما هو حال المنشق “أحمد م.” (32 عاماً) من الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، الذي رفض تسجيل قيوده لدى المفوضية معللاً رفضه بالخوف من ذلك. 

واستطاع “أحمد” بحسب حديثه الهروب من مداهمة قبل أيام طالت بناءً يقيم به في بلدة غزة بالبقاع الغربي، ويقول إنه يستطيع ببساطة أن يحصي أكثر من 20 منشقاً لـ”أورينت نت” في المنطقة المحيطة ببلدة غزة فقط، متوقعاً أن تكون أعدادهم بالمئات، وذلك بعدما ازدادت أعدادهم بعد 2019، لأن كثيرين من عناصر التسويات التحقوا بميليشيا أسد، ثم ما لبثوا أن انشقوا عنه سريعاً.

وأوضح أن المنشقين القدامى قلة من بقي في لبنان، ويخفون هويتهم مثلما فعل هو، وذلك بعدما جرت عملية تسليم كثيرين منهم إلى مخابرات أسد بينهم ضباط في السنوات الأولى من انطلاق الثورة السورية، بالتعاون مع عناصر ميليشيا “حزب الله”، وآخرين من ميليشيا “قوات البعث” اللبناني التي يتزعمها القيادي ماجد منصور المنحدر من ذات البلدة.

ومع استمرار حملة الترحيل، لم يبقَ لدي المنشقين عن ميليشيا أسد من خيارات، فما كانوا يخشون منهم قد يحصل الآن، ولم يبقى هامش للمناورة وإخفاء هوياتهم، فلا هم قادرون على استخراج إقامات خوفاً من الغدر بهم، حيث إن جميع البيانات التي تصل للأمن العام هي تحت تصرف ميلشيا “حزب الله” باعتبارها خاضعة له وفق التقسيمة الطائفية، ولا هم قادرون على الخروج من لبنان.

ويقول “أحمد”: “الجميع يتآمر علينا لتسليمنا إلى مقصلة أسد، حتى المسجلين لدى المفوضية لم تستطع حمايتنا، وتبرأت من حمايتنا”.

استمرار حملة الاعتقالات 

وكان الجيش اللبناني قد واصل عمليات الدهم والاعتقالات بحق اللاجئين السوريين، حيث شن حملة اعتقالات طالت قرابة 200 لاجئ سوري في منطقة المنصورية بقضاء المتن، بحسب ما أفادت مصادر خاصة موقع “أورينت نت”.

وأضافت أن الاعتقالات طالت عوائل بكامل أفرادها بمن في ذلك النساء والأطفال، إضافة إلى عشرات الشبان، من بينهم مطلوبون أمنياً ومنشقّون ومطلوبون للتجنيد والخدمة الاحتياطية لميليشيا أسد.   

وبحسب المصادر، قاربت حصيلة الاعتقالات نحو 200 شخص، صُودرت بعض ممتلكاتهم كالدراجات النارية، ثم تم زجّهم بشاحنات عسكرية ونُقلوا إلى منطقة وادي خالد تمهيداً لتسليمهم لميليشيا أسد.

شاركها.
Exit mobile version