تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “طعنة في الظهر” من قبل أحد أبرز الشخصيات المقرّبة منه منذ توليه الحكم في روسيا قبل أكثر من 20 عاماً، ألا وهو زعيم ميليشيا فاغنر يفغيني بريغوجين، الذي عُرف على مدار السنوات بلقب “طباخ بوتين”.

الخائن المتمرد

جاء ذلك خلال كلمة متلفزة لبوتين تعليقاً على التصعيد الأخير الذي بدأته ميليشيا فاغنر بسيطرتها على مدينة جنوب روسيا عقب عبورها الحدود عائدة من أوكرانيا، بعد اتهامات لقادة وزارة الدفاع الروسية بقصف مواقع لها، ما أدى إلى مقتل المئات من عناصرها المرتزقة.

واعتبر بوتين أنه تعرض لخيانة داخلية، مؤكداً أنه أمر بإعلان حالة مكافحة الإرهاب، وبتحييد أولئك الذين نظموا التمرد المسلح.

ويبدو أن تصريحات بوتين استفزت بريغوجين، إذ ردّ قائلاً إن بوتين الخيار الخطأ وقريباً سيكون لنا رئيس جديد. كما هدد بالتوجه إلى العاصمة موسكو للسيطرة عليها في حال لم يتم تسليمه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

ومن غير المعروف إلى أين ستصل وتيرة التصعيد الأخير، إذ فتحت روسيا قضية جنائية ضد أمير الحرب المرتزق بريغوجين، متهمةً إياه بمحاولة شنّ تمرد ضد بوتين صديقه السابق، ما يعني أن العلاقة الوثيقة ذات المنفعة المتبادلة بين بوتين وطباخه قد انهارت بشكل مذهل. 

سارق أحذية وبائع نقانق

ولد بريغوجين في مدينة لينينغراد عام 1961 (سان بطرسبرغ حالياً)، ونشأ الصبي المعروف لدى أصدقائه باسم “زينيا” على يد أمه الوحيدة التي عملت في مستشفى محلي. 

وتوفي والده عندما كان صغيراً، حيث كافحت من أجل البقاء أثناء رعاية جدته المريضة، بحسب ما نقل موقع هيئة البث الأسترالية ABC.

في سن الثامنة عشرة، بدا مستقبل بريغوجين قاتماً، وذلك بعد تم إرساله للعمل في مصنع كيميائي للتكفير عن السرقة. وفي غضون عامين، عاد مرة أخرى، ولكن هذه المرة لجرائم أكثر خطورة. 

وتم اتهام بريغوجين مع أفراد عصابة بسلسلة من عمليات اقتحام الشقق في الأحياء الراقية في لينينغراد، وألقي القبض على العصابة في نهاية المطاف، وكان من بينهم بريغوجين الذي تهجّم على امرأة في الشارع وسرق حذاءها وأقراطها.

وأُدين بريغوجين بالسرقة والاحتيال وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً في معسكر سجن شديد الحراسة، وبعد إطلاق سراحه عام 1990، عاد إلى عالم مختلف تماماً، حيث افتتح محلاً لبيع النقانق في سان بطرسبرغ، مسقط رأس بوتين.

طباخ بوتين

وكان بوتين يتردد إلى مطعم راقٍ افتتحه بريغوجين بعد أن وسع إمبراطوريته الغذائية من خلال سلسلة من المطاعم ومحلات السوبر ماركت الخاصة وخدمات تقديم الطعام.

وبحسب ما أفادت تقارير إعلامية فإن أول لقاء لبريغوجين مع فلاديمير بوتين قد حدث في أحد مطاعمه الراقية في جزيرة نيو آيلاند.

وأشارت إلى أن بوتين كان قد أحضر نظيره الفرنسي إلى أحد مطاعم بريغوجين قبل نحو عام من تنظيمه عشاء عيد ميلاد للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في المطعم ذاته، وهو العشاء الذي انتشرت صور منه تظهر كيف كان بريغوجين مسؤولاً بنفسه عن الخدمة لبوتين وبوش في المطعم.

وأدت صداقة بريغوجين مع بوتين إلى حصوله على عقود مربحة مع الحكومة الروسية لتقديم الطعام وأعمال البناء، وهو ما جعل من الرجل الذي بات يُعرف بـ”طباخ بوتين” ثرياً للغاية. 

وحصلت شركة “كونكورد كاترينغ” التابعة له على عقود مهمة، أهمها خدمة مدارس النخبة في سانت بطرسبرغ وموسكو، وحفل عشاء تنصيب ديمتري ميدفيديف الرئاسي، وفي النهاية إطعام قوات بوتين بعقد لمدة عامين بلغت قيمته نحو 2.4 مليار دولار حينها. 

لكن على مر السنين، تحول “طباخ بوتين” من إعداد وجبات الرئيس إلى تنفيذ مهمات أخرى، ففي عام 2013 أنشأ وكالة أبحاث الإنترنت (IRA) كانت مهمتها توظيف مئات الشباب الروس لإنشاء شخصيات مزيفة تروج لأجندة الكرملين، ولاحقاً اتهم جيش بريغوجين على الإنترنت بتدخله في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

مسدس بوتين المأجور 

تم تحديد ميليشيا فاغنر لأول مرة في عام 2014، ونفى بريغوجين علاقته بالميليشيا مراراً، إلا أنه اعترف في 2022 بأنه زعيمها ومؤسسها/ وذلك بعد الخسائر التي مُنيت بها في أوكرانيا.

وفي العام الماضي، كان نحو 80 بالمئة من عناصر فاغنر في أوكرانيا الذين يقدر عددهم بنحو 50 ألف سجين سابق تم استقدامهم للمشاركة بغزو أوكرانيا مقابل الإعفاء عن جرائمهم.

إلّا أنه وخلال الأشهر الماضية اتهم زعيم فاغنر مراراً وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بعدم الكفاءة وبتعمد عدم إرسال الأسلحة والذخيرة لمرتزقة فاغنر في أوكرانيا.

وما زاد الأمور تعقيداً قبل التصعيد الأخير، هو أن وزارة الدفاع الروسية قررت الشهر الماضي أن يوقع جميع مرتزقة فاغنر لوضعهم تحت سيطرة الجيش الروسي قبل 1 تموز/ يوليو المقبل، وهو ما رفضه بريغوجين بشكل نهائي.

شاركها.
Exit mobile version