أثار حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في القمة العربية التي عُقدت مؤخراً في جدة السعودية، تساؤلات وإشارات استفهام كثيرة، إذ كيف تسعى السعودية جاهدة لإعادة بشار الأسد إلى الجامعة، وفي الوقت نفسه تضعه مع عدوه وعدو روسيا اللدود في القاعة نفسها، وهل كان حضوره بقرار سعودي أم أمريكي، وما الأهداف من وراء ذلك؟.
من وراء الدعوة؟
من الناحية الرسمية، لا يوجد تصريح أو أي شيء يدل أو يؤكد أن الولايات المتحدة هي من فرضت أو طلبت من السعودية دعوة حليفها إن لم نقل “رجلها” الأول اليوم زيلينسكي، كما إنه لم نقف على مصدر حتى الآن سُرّب أو أُلمح إلى أن حضور الرئيس الأوكراني كان بطلب أمريكي، لكن بكل تأكيد ما كان زيلينسكي ليحضر لولا أن هناك رضا أو موافقة أمريكية، تأكيد استهل به المسؤول في التحالف السوري الأمريكي لأجل سوريا محمد علاء غانم، أثناء مناقشته حول هذا الموضوع.
وكان زيلينسكي وصل على متن طائرة تابعة للحكومة الفرنسية إلى مدينة جدة في السعودية، وحضر مؤتمر القمة العربية الـ32، بينما كان في طريقه لحضور قمة زعماء مجموعة السبع (على رأسها أمريكا)، في مدينة هيروشيما اليابانية التي عُقدت 20 الشهر الجاري، أي بعد يوم واحد فقط من مؤتمر القمة العربية في جدة.
ورغم أن الحدث مفاجئ بحد ذاته، غير أن المتابعين للخطوات الأخيرة للسعودية يدرك أنه غير مستغرب ولم يأتِ خارج السياق، ولكن المفاجأة قد يكون مردّها إلى أن الصدمة لدى جمهور(الثورة والمعارضة) بدعوة بشار الأسد إلى القمة من جهة والدعاية التي حاول الأسد ومحوره صناعتها لهذا الحدث، ويبدو أن هذا الأمر انعكس على رؤية الحدث بعين العاطفة وليس العقل.
بالعودة إلى الوراء قليلاً، يُلاحظ أن السعودية بدأت بتغيير كبير في سياستها الخارجية، لم يبدأ من إيران وسوريا بل العكس، حيث بدأ من أوكرانيا ثم إيران وسوريا وقبلهما الصين وروسيا.
وحتى تتضح أسباب السعودية وأهدافها من دعوة زيلينسكي للقمة، لا بد من التذكير بأن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان زار أوكرانيا في شهر شباط الماضي، وقدم لزيلنيسكي 410 ملايين دولار كمساعدات “إنسانية” حصراً، ثم تلاه بعد شهر، الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، ثم تلى ذلك كله التوجّه نحو بشار الأسد.
والملاحظ أيضاً أن كل البيانات المشتركة بين الأسد والسعودية، ركزت على “الجانب الإنساني والأمني” وإن وُضع القرار 2254 إطاراً عاماً لها، لا يعني أنه سيكون له بعد سياسي، فكما هو معروف منذ عام 2015، فإن القرار المذكور، لم يتعدّ كونه “كليشة” يذكرها الجميع حتى نظام أسد، وكلٌ يفسره على هواه.
أسباب وأهداف حضور زيلينسكي
من الواضح بحسب ما تقدم أن دعوة زيلينسكي وكذلك تطبيع السعودية مع الأسد، ينطلق بسياسة جديدة خارجية تريد أن تنحوها المملكة، قد لا يكون لها أي علاقة بقضية السوريين، لا إيجاباً ولا حتى سلباً، وهو ما عبّر عنه أيمن عبد النور بكلمة “سياسة الحياد”، الصحافي والسياسي السوري المقيم في أمريكا.
يعتقد عبد النور أن السعودية تريد أن تبعث رسالة إلى أمريكا من خلال حضور زيلينسكي في القمة، وهي دفع تهمة أنها تقف إلى جانب الروس، لأنها لم تقف مع الناتو في حربه ضد روسيا عبر أوكرانيا، فهي تريد أن تكون محايدة، ولأنها تقاربت مع الصين والروس، فكان مناسباً أن يتم دعوة زيلينسكي ليقولوا لسنا طرفاً ضد أمريكا، وهذا يتطابق مع ما ذهب إليه محللون روس أيضاً.
حيث ذكر المحلل السياسي الروسي أندريه أنديكوف خلال مشاركته في برنامج تفاصيل على أورينت، أن حضور زيلينسكي في القمة رمزي، معتبراً أن ما جرى هو لعبة أرادتها الدول العربية، وهي لعبة الحياد، لكن هذا الحياد يصب في مصلحة روسيا وليس لمصلحة أوكرانيا أو أمريكا.
ويتفق الدبلوماسي السوري المنشق بسام بربندي إلى حد كبير مع عبد النور، ويعززه أكثر المستشار محمد غانم الذي يعتقد أنه مثلما كان أحد أسباب دعوة السعودية لبشار الأسد هو إرضاء روسيا فإن دعوتها لزيلينسكي تأتي إرضاء لأمريكا، أي إن السعودية تريد أن تحقق هذا التوازن بين المعسكر الشرقي (روسيا والصين) والمعسكر الغربي (أمريكا وأوروبا).
أما بربندي والمقيم في أمريكا أيضاً، فيرى أن من أسباب دعوة زيلينسكي إضافة إلى ما تقدّم، هو أن السعودية تريد تغيير نظرة العالم لها من دولة نفطية غنية إلى دولة سياسية قوية ومؤثرة، وأنها دولة إقليمية كبرى تستطيع المساهمة بحل النزاعات الدولية.
وبعيداً عن الأهداف السياسية البحتة، فإن هناك أسباباً أخرى إعلامية مزدوجة من وراء دعوة وحضور زيلينسكي لفت إليها عبد النور، وهي أن وجود زيلينسكي يضمن تغطية إعلامية كبيرة للقمة وبالتالي تضمن السعودية أن تأخذ القمة بقيادتها صدى عالمي، كما إن وجوده يسرق الأضواء من حضور بشار الأسد، بمعنى أن “بشار” لا يكون هو الحدث الأبرز، وهذا ما حدث بالفعل.
“الخد العربي متعود على اللطم”
إذن يتضح أن السعودية خاصة والجامعة العربية عموماً كان لهما أهداف ومصالح خاصة تتعلق بهم وليس ببشار الأسد أو زيلينسكي، وهذا ما ظهر خلال القمة وبعدها.
ورغم تحقيق الأهداف السياسية والإعلامية المرادة من القمة، غير أن بشار الأسد وحتى زيلينسكي لم يسكتوا على ذلك، وكل منهما أراد أن يشاغب على ما يبدو ليعكّر صفو القائمين على هذه القمة نشوة الفرحة بتحقيق أهدافهم، فاتهمهم الأول بالعمالة للغرب، حين قال إن “على الجامعة استعادة دورها كمرمم للجروح لا معمق لها، وأن يكون دورها متنفساً في حال الحصار لا شريكاً فيه وملجأً في وجه العدوان لا منصة له”.
أما زيلينسكي فقد عاتبهم على تقصيرهم تجاه أوكرانيا وذكرهم أن روسيا تحتل جزيرة القرم وأنهم غضّوا الطرف عن ذلك رغم احتواء الجزيرة على كثير من المسلمين (أبناء جلدتهم).
وبالعودة إلى مصالح السعودية والجامعة العربية الخاصة، التي ظهرت خلال القمة وبعدها فقد اتضح ذلك من خلال كلمة بشار الأسد الذي طالبهم بعدم التدخل في شؤونه الداخلية، فقال “الأهم ترك القضايا الداخلية لشعوبها فهي قادرة على تدبير شؤونها وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في شؤونها ومساعدتها عند الطلب حصراً”، وبعد القمة أكد على ذلك وزير خارجيته فيصل المقداد في لقاء مع قناة روسيا اليوم، عندما قال إنه لا يمكن القضاء على الإرهاب بين يوم وليلة ولا يمكن إنعاش الوضع الاقتصادي في سوريا بين يوم وليلة.
وفيما يتعلق بعودة اللاجئين، أوضح أنه لا يمكن للاجئين أن يعودوا مباشرة إلى سوريا، مدعياً بأنه يجب تهيئة الظروف لهم قبل قدومهم، كلام أكده وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عرّاب إعادة بشار الأسد إلى الجامعة.
وأما بخصوص القرار الدولي 2254، فقد أكد المقداد أن نظام أسد سيُنفّذ ما يهمه منه، وسيسعى إلى الحل السياسي الذي يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإنهاء العقوبات المفروضة، وهو ما يعني نسفاً لكل البيانات العربية السابقة في الاجتماع الخماسي التشاوري في عمّان وقبله بيان جدة، واللذان طالبا بشار الأسد بضرورة إعادة اللاجئين مع تهيئة الظروف الآمنة لذلك وحل سياسي وفق القرار 2254.
كما إن البيان الختامي لقمة جدة والذي جاء من 11 بنداً، جاء ليعزز كل الفرضيات السابقة حيث خصّ منها سوريا ببندين، الأول ترحيب بإعادة بشار الأسد للجامعة والثاني هو أقرب للنأي بالنفس وتوصية ليس أكثر.