مآسي الحرب في غزة لا تتوقف عند أعداد القتلى والجرحى والمفقودين والمنازل المدمرة والنزوح من مكان إلى آخر، بل امتدت لتؤثر على حياة كل شخص يعيش في القطاع المحاصر بشكل عام، وعلى النساء والفتيات بشكل خاص.
فالحياة في الخيم ومدارس الإيواء تنعدم فيها كل مقومات الحياة الكريمة بما فيها الخصوصية لهؤلاء النساء والفتيات اللواتي فقدن كل حياة الرفاهية في منازلهن ليواجهن حياة خشنة في الخيام ومدارس الإيواء التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الطبيعية.
عام انقضى على حرب غزة ومازالت هدى النازحة من مدينة غزة شمالا الى رفح جنوبا تذكر أول ليلة لها في المدرسة التي نزحت اليها والتي تصفها الأصعب على نفسيتها بعد يوم طويل من السير على الأقدام هي وابنها وزوجها، تقول: “وصلت منهكة إلى احدى مدارس الأونروا غرب مدينة رفح والتي كانت مكتظة بالنازحين، حيث أبلغتنا إدارة المدرسة أنه لا يوجد مكان فارغ لهم”.
و”بدأت أشعر بالتعب والبرد، جلست على أحد المقاعد الموجودة في ساحة المدرسة حيث شعرت بشيء دافئ ينزل بين قدمي فعرفت أنها الدورة الشهرية ولكن ليس موعدها، ولا يوجد معي فوط صحية، وبدأت الدورة تنزل عليّ شكل نزيف متقطع وأنا جالسة على المقعد أخشى الوقوف أمام الناس حتى لا يفتضح أمري”.
وتتابع قائلة “بقيت على هذا الوضع أكثر من ساعتين متواصلتين والبرد ينهش جسمي ونحن نحاول الحصول على مكان داخل المدرسة لنبيت فيه، انتبه زوجي لي فأحضر بطانية ووضعها حول جزئي الأسفل لكي يغطي آثار الدم على ملابسي والتي وصلت الى المقعد الخشبي الذي كنت أجلس عليه “.
وتقول حنين (30) عاما وهي أم لأربعة أطفال وتعيش في خيمة في دير البلح بعد نزوحها من رفح، أنها تضطر إلى وضع وعاء بلاستيكي داخل الخيمة ليلا لاستخدامه لقضاء الحاجة هي وأطفالها خوفا من الخروج للحمام الذي يقع خارج الخيمة وأنها تقتصد في استخدام الفوط النسائية نظرا لارتفاع سعرها وندرتها في السوق حيث يصل سعر العبوة الواحدة 10 دولار .
نسرين (35) عاما التي وضعت مولودها الأول بعملية قيصرية وعادت إلى خيمتها وسط مدينة دير البلح لتجد المعاناة الحقيقية عند دخولها الحمام نظرا لعدم وجود كرسي حمام تجلس عليه وتضطر لجلوس القرفصاء لقضاء حاجتها ما يسبب لها آلاما شديدة في البطن.
وتصف أم محمد الحلو، نازحة من غزة العيش في الخيمة بالصعب حيث انعدام الخصوصية حتى في دخول الحمام الملاصق لخيمة أخرى وتقول إن لديها ثلاث بنات يحتجن إلى الفوط الصحية شهريا ولكنها لا تستطيع أن توفرها لهن بسبب ندرتها وارتفاع سعرها.
وتشعر تالا (15) عاما بالإحراج أثناء الدورة الشهرية عند دخول الحمام في خيمتها وتشعر ان كل من بالخيمة يسمع صوتها عندما تتقيأ عدا عن استخدام القطع القماشية بدلا من الفوط الصحية والذي يسبب لها تسلخات وامراضا عديدة.
أم توفيق (50) عاما تعيش مع اسرتها في خيمة وتشترك مع 6 عائلات في حمام واحد حيث انعدام الخصوصية والشعور بالخجل عند دخول الحمام أمام الآخرين عدا عن طابور الانتظار.
أما سما (13) عاما ذات الجسد الغضّ النحيل والتي باغتتها الدورة الشهرية لأول مرة وهي بخيمة النزوح فتقول إنها تشعر بألم شديد في ظهرها لأنها تنقل الماء في عبوات كبيرة الى خيمة أسرتها وترى سما أن مكانها الطبيعي هو منزلها وسريرها الدافئ مع توفر الفوط الصحية وملابس داخلية وانها تتمنى ان تعيش مثل كل البنات .
وتقول والدة سما (38) إنها تعاني من التهابات شديدة في الجهاز البولي الأمر الذي يجبرها على دخول الحمام عدة مرات كما تشتكي من قلة الملابس الداخلية وأنها تضطر للانتظار حتى تجف الملابس بعد غسلها لترتديها من جديد.
هذا وتقول اعتماد وشح من مركز شؤون المرأة بغزة: “أنه مع ندرة المستلزمات الصحية ومواد التنظيف في خيم النزوح ومراكز الإيواء قام المركز بتوزيع حقائب تحتوي على فوط صحية وشامبو وصابون وملابس داخلية وقد أتت تلك المبادرة بالتعاون مع مؤسسات شريكة واستفادت منها آلاف النساء.
وتتابع اعتماد أن غلاء الأسعار وندرة الفوط النسائية دفع الكثير من السيدات إلى استخدام بدائل أخرى كالقماش ما تسبب بأمراض جلدية وتسلخات . وعن عدد النازحات في قطاع غزة، قالت وشح إنه من الصعب حصر العدد نظرا لحالة النزوح المتكرر من مكان إلى آخر وأن المركز وصل خلال الحرب إلى الآلاف من النساء الأكثر هشاشة من خلال دورات تنشيطية وصحية وقانونية.
هذا وتعاني النساء والفتيات كغيرهن من سكان قطاع غزة من قلة في مياه الاستحمام وندرة في مواد التنظيف الشخصية وارتفاع أسعارها والذي دفع نجاح 40 عاما الى الاستحمام مرة واحدة كل أسبوع توفيرا للمياه ومواد التنظيف ،فيما يقف أبناؤها في الخارج خوفا من دخول أحد إلى خيمة الأم أثناء استحمامها.