خلال المناظرة الرئاسية الانتخابية العام الماضي، تجنب ترامب الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان يرى أن كييف ستنتصر في نهاية معركتها ضد موسكو. مع ذلك، أطلق وعده الشهير بإنهاء الحرب في غضون 24 ساعة.
ومنذ ذلك الحين، وكييف تحاول إقناع سيد البيت الأبيض بتقديم الدعم لها، وبعبارة أكثر دقة، الوقوف إلى جانبها.
لكن العلاقة بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني مرّت بمنعطفات كثيرة، بدءًا من اتهام ترامب لزيلينسكي بأنه “ديكتاتور” قبيل الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/أيلول 2024، وصولاً إلى المشادة الكلامية غير المسبوقة بينهما في المكتب البيضاوي.
طيلة هذه الفترة، لم يتوانَ الرئيس الأوكراني لحظة عن إبداء حسن نيته في إنهاء الحرب، ففي أواخر مارس/آذار، وافقت كييف على مقترح واشنطن لوقف فوري لإطلاق النار لمدة 30 يومًا، شرط أن تلتزم موسكو بذلك أيضًا.
ورغم مرور شهرين على الاقتراح، إلا أن وقف إطلاق النار الذي دعت إليه أمريكا لم يُطبَّق فعليًا على الأرض، إذ لا يزال الأمر متوقفًا على روسيا.
السلام الحقيقي ووقف إطلاق النار غير المشروط
في المقابل، أعلنت موسكو -من جانب واحد- مرتين عن وقف قصير لإطلاق النار: الأول خلال عيد الفصح، والثاني للاحتفال بيوم النصر. ولكن في كلتا المناسبتين، تقول كييف إن الكرملين انتهك هدنته الخاصة وأصرّ على رفض اقتراح وقف إطلاق نار غير مشروط لمدة 30 يومًا.
على النقيض من ذلك، تمكنت أوكرانيا من التفاوض مع الولايات المتحدة وتوقيع صفقة للمعادن النادرة. بينما لم تحقق موسكو أي تقدم يُذكر معها ولم تُظهر أي مرونة. بل إن أقصى ما قدمته كان استعدادًا للتخلي عن الأراضي الأوكرانية غير المحتلة، مثل أجزاء كبيرة من منطقتي خيرسون وزاباروجيا.
وفي ذات الوقت، كثفت أوكرانيا هجماتها العسكرية.
وقبل أيام من العرض العسكري الروسي، زادت من هجمات الطائرات المسيرة على موسكو، مما أدى إلى شلّ المجال الجوي فوق العاصمة الروسية في اللحظة التي كان فيها بوتين يتوقع استقبال ضيوفه من زعماء الدول لحضور فعاليات عيد النصر.
ربما أثمرت هذه الاستراتيجية، ففي مساء يوم الخميس، أجرى ترامب وزيلينسكي مكالمة هاتفية مطولة ناقشا خلالها اتفاق المعادن المصادق عليه.
وفي وقت لاحق، أصدر الرئيس الأوكراني بيانًا على منصة “إكس” أكد فيه استعداد أوكرانيا لوقف إطلاق نار غير مشروط.
وقال: “أوكرانيا مستعدة لوقف إطلاق النار الكامل بدءًا من الآن، من هذه اللحظة بالذات – وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا.”
وأضاف: “ولكن يجب أن يكون هذا الوقف حقيقيًا. لا قصف بالصواريخ أو الطائرات المسيرة، ولا مئات الهجمات على الجبهة. يجب على الروس الرد بشكل مناسب – من خلال دعم وقف إطلاق النار وإثبات استعدادهم لإنهاء الحرب.”
وأشار زيلينسكي إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها كييف هذا العرض، مؤكدًا: “ثلاثون يومًا يمكن أن تكون فاتحة لسنوات من السلام. إن وقف إطلاق النار الدائم والموثوق به سيكون مؤشرًا حقيقيًا للتحرك نحو السلام.”
وتابع الرئيس الأوكراني: “يمكن لأمريكا أن تساعد في ذلك. فالعالم يحتاج إليها الآن كما كان الحال قبل ثمانين عامًا.”
وكان الرئيس الأمريكي المثير للجدل قد أدلى بتصريح بدا أكثر اعتدالاً على منصة “تروث سوشيال” حيث قال إن المحادثات بين روسيا وأوكرانيا مستمرة، مشيراً إلى أن واشنطن مستعدة للقبول بوقف إطلاق نار أقصر يستمر أقل من 30 يوماً.
وحذر الزعيم الجمهوري الكرملين قائلًا: “إذا لم يتم احترام وقف إطلاق النار، فإن الولايات المتحدة وشركاءها سيفرضون المزيد من العقوبات”، مضيفًا “يجب أن يرغب الجميع في أن يتوقف ذلك”.
وتابع: “أنا أريد ذلك، والولايات المتحدة تريد ذلك أيضًا. كرئيس، سأبقى ملتزمًا بتأمين السلام بين روسيا وأوكرانيا، جنبًا إلى جنب مع الأوروبيين، وسيكون سلامًا دائمًا”.
ثم بدا رئيس البيت الأبيض أنه يتفق مع نظيره الأوكراني حيث قال: “يمكن أن يتم كل ذلك بسرعة كبيرة، وسأكون متاحًا في أي لحظة إذا كانت هناك حاجة إلى خدماتي”.
فانس موسكو تطلب “الكثير”
في وقت سابق، عبّر نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس عن استيائه من موقف الكرملين، معتبرًا أنه يطالب “بأكثر من اللازم” خلال مفاوضاته مع أوكرانيا.
وأثناء كلمته في مؤتمر أمني عُقد في العاصمة الأمريكية، أكد فانس أن البيت الأبيض يسعى لدفع “الطرفين إلى محادثات مباشرة”، ملوّحًا بإمكانية انسحاب الولايات المتحدة من دور الوساطة إذا استمرت العراقيل.
وقال فانس: “لا يمكنني القول إن الروس غير مهتمين بالتوصل إلى حل لهذه الأزمة. لكن ما أستطيع تأكيده هو أن مطالبهم الحالية تتجاوز الحدود المعقولة. إنهم يبالغون في تلك المطالب. حسنًا؟”
ويبدو أن الكرملين لا يتفق مع تصريحات فانس، إذ قال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، الخميس، إن موسكو “قد تخيب آمال واشنطن بطريقة ما”.
وأضاف أوشاكوف: “إنهم يخيبون آمالنا أيضًا، وربما أكثر مما نخيب آمالهم، ولفترة طويلة”، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الجانبين “يتجهان نحو عقد لقاء وجهاً لوجه بين ترامب وبوتين”.
بين شي بوتين صداقةٌ في قوة الفولاذ
في هذه الأثناء، استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الصيني شي جين بينغ، الذي زار موسكو لحضور العرض العسكري الذي أقيم الجمعة بمناسبة عيد النصر.
وقبيل وصوله، نشر شي جين بينغ مقالًا في وسائل الإعلام الصينية والروسية، أجرى فيه مقارنة بين “الهيمنة” الأمريكية في العصر الحديث و”القوى الفاشية المتغطرسة” التي كانت تهيمن قبل ثمانين عامًا.
وقال شي في مقاله: “القوى العادلة في العالم، بما في ذلك الصين والاتحاد السوفييتي، قاتلت بشجاعة وهزمت القوى الفاشية المتغطرسة جنبًا إلى جنب”.
وأضاف: “بعد مرور ثمانين عامًا، أصبحت الأحادية والهيمنة والتسلط مؤذية للغاية. لقد أصبحت البشرية مرة أخرى على مفترق طرق”.
وفي بيان مشترك، أكد الرئيسان شي جين بينغ وفلاديمير بوتين أن الحرب في أوكرانيا لا يمكن حلها إلا من خلال معالجة “أسبابها الجذرية”، في إشارة إلى الدعم الصيني المستمر للغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
وشدد الرئيس الصيني على أن العلاقة التي تجمع بلاده بروسيا يجب أن تكون مثل “الفولاذ الذي مرّ بتجربة النار”، متعهّدًا بالتنسيق في مختلف المجالات، بما فيها العسكرية، والتصدي بحزم لما وصفه بـ”مسار واشنطن المتمثل في الاحتواء المزدوج” لبكين وموسكو.
ترامب يزور الشرق الأوسط
في الأسبوع المقبل، يبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولة في الشرق الأوسط تشمل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وقد لعبت هذه الدول الثلاث دورًا محوريًا في جهود أوكرانيا لإنهاء الحرب الروسية من خلال المساعدة في تبادل أسرى الحرب وضمان عودة الأطفال الأوكرانيين الذين رحّلتهم موسكو قسرًا.
في المقابل، لم يصدر أي تعليق من الكرملين حول إمكانية قيام الرئيس بوتين بزيارة مماثلة إلى الشرق الأوسط.