المسألة السورية ما برحت في حالة استنقاع مستمرة، وما زال الوضع السوري يراوح بالمكان، حيث لم تتمكن كل العقوبات الدولية، ابتداء من قانون قيصر، وانتهاء بقانون الكبتاغون، ورفض التطبيع مع الأسد، إلى غير ذلك من عقوبات أوروبية، وأممية، أن تجبر النظام السوري المجرم، بالعودة عن سياساته العسكرية والأمنية، وانتهاك كل الأعراف والقوانين الدولية، والقرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية، حيث يصر نظام بشار الأسد على المضي في نهجه العنفي، ورفضه الولوج في أي إطار دولي أو إقليمي للحل السياسي، كما لم تستطع كل الهرولات التطبيعية العربية والإقليمية تجاهه عن إقناعه بتغيير أي مسارات سياسية في الحل، بل لعل كل ذلك قد ساهم هو الآخر، في إعادة تكوين اعتقاد ما انفك يتصاعد اضطراداً مفاده أن الحرب الإرهابية التي خاضها النظام السوري ضد شعبه، والمقتلة الأسدية التي مورست وما زالت ضد السوريين، أدت إلى انتصاره العسكري والسياسي، وبمعونة حلفائه الإيرانيين وكذلك الروس، وهو يحقق بذلك ما عجز عن تحقيقه سابقاً، حيث أضحى متقبلًا ومقبولاً لدى جامعة الدول العربية، وضمن دهاليزها، كما بات في حالة حوار تفاوضي مستمر برعاية روسية مع الدولة التركية، من أجل الوصول إلى تفاهمات جديدة تنهي حالة القطيعة الطويلة، ومن ثم تعيد بناء العلاقات بينهما على أسس جديدة.

صحيح أن الهِمَّة التركية والتسارع التركي نحو إنجاز أي تفاهم جديد مع النظام لم تعد موجودة، بعد أن انتهت عتلة الانتخابات وحملها الثقيل، الذي كان يدفع بالأتراك إلى مسألة الإسراع تباعاً لإنجاز أي خطوة ملموسة مع النظام السوري، من أجل تحقيق طيف مكسب في صندوق الانتخابات تلك، والتي أضحت وراء الظهور، إبان تحقيق الانتصارات الكبرى في كلا الانتخابات الرئاسية وأيضاً البرلمانية للحكومة التركية، حكومة حزب العدالة والتنمية، لكن السياسة التطبيعية من أجل المصالحة مع النظام وإعادة اللاجئين السوريين، أو قسم منهم وبشكل طوعي، ما زالت قائمة كنهج وسياسة، وما يزال القلق الأمني التركي على مجمل الأمن القومي التركي موجوداً جراء استمرار الخطر من تنظيم ب ك ك على الحدود التركية تجاه سوريا، لكن مسألة التسارع والإسراع لم تعد متوفرة، وقد تطول مسألة المفاوضات الرباعية في موسكو أشواطاً كثيرة وطويلة من حيث أنه لا يمكن أن يقدم النظام السوري أي شيء يفيد، لا الأمن القومي التركي، ولا في موضوع عودة اللاجئين السوريين الطوعية والآمنة، حيث لا أمان في سوريا، ولا يوجد اقتصاد قوي، ولا حالة معيشية صحية، بل انهيارات متواصلة للعملة السورية، حتى تجاوزت سقف 9000 آلاف ليرة سورية للدولار الواحد، وهناك دولة فاشلة، وتفكك اجتماعي، وهيمنة للعصابات الكبتاغونية التي تنبع وتتأسس من داخل كينونة النظام السوري، ناهيك عن أن كل عمليات التطبيع التي بدأت مع النظام العربي الرسمي لم تؤت أُكلها، ولا يوجد ما يشير إلى احتمالات مستقبلية كي تنجز أي تغير أو تغيير في أوضاع سوريا، أو احتمالات تغيير النظام السوري لسلوكه، وهو الذي يدرك تماماً أن كل السرعة في عملية التطبيع معه قد أتت نتيجة التفاهم الأكبر الذي جرى في الصين بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023، والذي أفضى إلى علاقات جديدة بين المملكة العربية السعودية، وإيران، تتجلى نتائجها عبر انزياحات عملية ضمن ملفات مقلقة، منها الموضوع اليمني والمسألة السورية واللبنانية والعراقية.

تقول مؤسسة بحثية أميركية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية في تقرير لها، “إن العقوبات الغربية لم توقف انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام السوري، وكذلك لم تدفع رئيسه بشار الأسد إلى الالتزام الجاد بالحل السياسي، مضيفةً أن عدم فعالية نهج العقوبات شجّع الدول العربية على التطبيع مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية”.

وبحسب كبير محامي الخزانة الأميركية السابق ماثيو توشباند، فإن “العقوبات الأميركية لا تستغرق أكثر من 24 ساعة لفرضها”، لكنه أكد أن هناك “ضرورة لتلبية بعض العوامل قبل اتخاذ إي إجراء، وفي مقدمتها توفّر الإرادة السياسية، إضافة إلى جمع الأدلة التي تدين الفرد أو الكيان، لضمان استهدافه بالشكل المناسب، وعدم قدرته على الفوز بأي استئناف ضد الوكالات الأميركية”، وهذا يشير من جهة أخرى إلى حالة بطء وتراجع نسبي في مسألة فرض العقوبات على النظام السوري، التي هي أصلاً لم تؤد إلى تغيير في سلوك الإجرام الأسدي ضد الشعب السوري. بينما نجد أن المجموعة العربية المشكلة في اجتماع القاهرة من أجل متابعة الملف السوري، تتفاوض هي أيضاً مع الاتحاد الأوروبي من أجل تخفيف العقوبات على دمشق، وفق سياسة “خطوة بخطوة” التي لم يقتنع بها نظام الأسد، ولم يأخذ بها جدياً، ولم تكن تصريحات بشار الأسد الأخيرة، ولا تأكيدات وزير خارجيته (المقداد) تشير إلى تحول نحو سياسة الخطوة خطوة، ولا يبدو أنها باتت على أجندة اشتغاله وحواره مع العرب.

الاتحاد الأوروبي يشير في أكثر من مقاربة إلى فكرة أنه (ما يزال الطريق طويلاً أمام النظام السوري للتطبيع معه، إذ عليه الالتزام بما اتفق عليه مع الدول العربية، على النحو المنصوص في إعلان “عمان”، واتخاذ خطوات ذات مصداقية في تنفيذ قرار مجلس الأمن “2254”، والعمل بأمانة مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غير بيدرسون، من خلال نهج “خطوة بخطوة”،)، وهذا يعني بالضرورة أن لا إمكانية جدية في المنظور القريب والمستقبلي لتحقيق أي تغيير في سياسة النظام الأسدي ولوجاً في الحل السياسي، وليس هناك من مؤشرات حقيقية جدية حتى الآن تنبىء بأي تغيير في السياسات التي ينتهجها نظام بشار الأسد، أمام عجز المعارضة الرسمية السورية وقلة حيلتها، ومراهننتها على الخارج، ومحاولات عودتها لإحياء مؤسساتها، ومنها ما جرى في جنيف مؤخراً من اجتماع لهيئة التفاوض المتوقفة عن العمل منذ ما ينوف عن ثلاث سنوات خلت، حيث جاء هذا الاجتماع في أجواء غير مواتية، ومواكب لحالة الهرولة العربية والإقليمية وفي سياق سياسات التطبيع ووضع القضية السورية على الرف، وتجميد الكثير من النشاطات الداعمة للمعارضة السورية وللشعب السوري، ضمن سياسات التطبيع مع النظام، من حيث أنه لم يعد النظام الرسمي العربي يريد إقلاقاً لراحة مسارات التطبيع مع النظام السوري، أو إزعاج السياسة الإيرانية أو تقويضها في المنطقة، وهي الداعمة كلياً لنظام العسف الأسدي.

شاركها.
Exit mobile version