جنين– ليس بعيدا عن الاقتحامات المتكررة والهدم والتخريب، وملاحقة المقاومين واغتيالهم في مدينة جنين ومخيمها، تجري عمليات اقتلاع للوجود الفلسطيني في القرى التابعة لمحافظة جنين شمالي الضفة الغربية.

وتعمد إسرائيل إلى مصادرة مساحات واسعة من الأراضي في جنين ووضع اليد على مساحات أخرى، وبزيادة كبيرة منذ بدء الحرب على قطاع غزة.

ففي بلدة يعبد إلى الجنوب الغربي من جنين، توسعت البؤرة الاستيطانية المقامة سابقا على أراضي المزارعين في القرية بشكل كبير، لتتحول من بؤرة إلى مستوطنة شيئا فشيئا، كما يقول أهالي البلدة.

وفي عام 2003 كان محمد قاسم أبو شملة على موعد مع أول سرقة لأرضه من قبل اثنين من المستوطنين، في المنطقة القريبة من مستوطنة دوتان، وأبلغاه بمنعه من دخولها، وحين حاول الوصول إليها قاما بإطلاق النار عليه.

خسر أبو شملة 32 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أرضه لمصلحة مستوطنة دوتان، في ما عرف بعدئذ بمنطقة دوتان ب، والتي حولها المستوطنون إلى بركسات لتربية المواشي. وفي العام التالي استولى الاحتلال على قرابة 7 دونمات تعود ملكيتها لأبو شملة.

وطوال هذه السنوات كان أبو شملة يشاهد توسع البؤرة الاستيطانية، وازدياد مساحتها على حساب أراضيه وأراضي المزارعين من البلدة.

ويقول للجزيرة نت “منذ استيلاء الاحتلال على أرضي لم يسمح لي بدخولها، أو جني ثمار الزيتون فيها. تحولت هذه الأرض إلى مراع للمستوطنين، وأصبحوا يستفيدون من محصول الزيتون في كل عام”. ويقدر أبو شمله خسارته في موسم الزيتون لهذا العام بما يقارب 50 تنكة زيت.

توسع تدريجي

ويطلق مسمى البؤرة الاستيطانية على النواة الأولى للمستوطنة، وتمثل في بدايتها عددا من الكرفانات المتنقلة، تضاف المستلزمات الحياتية إليها شيئا فشيئا، ومن ثم تزود بالبنية التحتية وبالعادة تكون قريبة من المستوطنة الأساسية.

ويحيط ببلدة يعبد مستوطنات حرميش ومافو دوتان وتل منشه، وبحسب أهالي البلدة فإن توسع هذه المستوطنات يتضح بالعين المجردة يوما بعد آخر، ويمكن أن يلاحظ توسع مستوطنة تل منشة على مساحة 300 دونم خلال العام الماضي.

يقول أبو شملة “منذ حوالي شهر أخبرني جنود الاحتلال أنهم قاموا بعملية تسمى وضع اليد على قرابة 14 دونما من أرضي في المنطقة المسماة مريحة. هذه آخر قطعة أرض كان بإمكاني الوصول إليها وجني ثمار الزيتون فيها، أعلنها الاحتلال منطقة عسكرية ومنعوا وصولنا إليها”.

ويضيف “كنا نصل إلى منطقة مريحة بالطرق الوعرة، وكنا نضطر إلى ركوب وسيلتي مواصلات للوصول إليها. هذا العام منعنا من دخولها، حتى مع محاولتنا الحصول على تصاريح خلال موسم الزيتون، قالوا لنا: هذه الأراضي داخل الضفة لا تعطى فيها تصاريح للدخول، ولا يسمحون بدخولنا من دون التصاريح أيضا”.

وتعد خربة مريحة الملاصقة لبلدة يعبد شاهدا على عمليات الاستيلاء والقمع التي يمارسها المستوطنون يوميا، إذ تخضع الخربة لحصار شامل من جهاتها الأربع، ويمنع سكانها من الخروج منها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك يدفع المواطنين هناك إلى سلوك الطرق الفرعية الوعرة وقطع مسافة كيلومترين، للوصول إلى الشارع الرئيس الذي يؤدي بهم إلى يعبد ومن ثم إلى مدينة جنين.

يقول محمود حمدوني ممثل تجمع خربة مريحة -للجزيرة نت- إن سكان الخربة المهجرين أصلا منذ عام 1948 من قرية السنديانة بقضاء حيفا يعملون بأجر يومي في جني الزيتون لأهالي بلدة يعبد، لكن المستوطنين القادمين من مستوطنة حرميش ومافو دوتان يتعرضون لهم كل يوم بالتهديد بالقتل، وإشهار السلاح، ويطردونهم من حقول الزيتون بالقوة.

ويضيف “نحن قرابة 500 شخص نعيش في مريحة، محاصرون بمستوطنات حرميش ومافو دوتان وبؤرة فراسين الاستيطانية، بالإضافة إلى حاجز دوتان العسكري. يوميا نشهد هجمات للمستوطنين على الأراضي الزراعية، حيث يأتي المستوطنون ويقولون إن هذه الأراضي أصبحت لهم وإن علينا الخروج منها وإلا سيطلقون النار علينا”.

مصادرة أراضي يعبد

“خلال العام الحالي شهدنا توسعا في 3 بؤر استيطانية جديدة في الأراضي المحيطة بنا وكلها تابعة لبلدة يعبد”، كما يقول حمدوني.

ويوضح أمجد عطاطرة رئيس بلدية يعبد، في حديث للجزيرة نت، واقع التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في البلدة، حيث وصلت أوامر إسرائيلية بوضع اليد على قرابة 22 ألف دونم من أراضيها موزعة على مناطق سهل يعبد ومريحة وخربة فراسين.

وبيّن أن أمر وضع اليد يعني منع أصحاب الأرض من الوصول إليها، بحجة تحويلها إلى محميات طبيعية، وهي الخطوة الأولى التي تسبق إنشاء مستوطنات في هذه المناطق أو توسيع المستوطنات الحالية.

يقول عطاطرة “منذ حوالي سنة يمنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم التي وصلت أوامر وضع اليد بحقها، بينما يحولها الاحتلال مراعي للمستوطنين، يتجولون فيها يوميا وبحماية من الجيش الإسرائيلي”.

ويضيف “في المنطقة الجنوبية الغربية من يعبد، وهو الشارع الواصل بين مدينة جنين وطولكرم، يمنع المواطنون من المشي عليه إلا بإذن، وهو شارع يؤدي إلى بلدة برطعة الواقعة خلف جدار الفصل العنصري. ويقام عليه حاجز دوتان العسكري، وهو واحد من أشكال العذاب للمواطنين أيضا، حيث يعرقل الاحتلال الأهالي خلال محاولتهم المرور عبره”.

مستوطنة مافو دوتان المقامة على أراضي بلدة يعبد (الجزيرة)

حاجز دوتان

وخلال العام الحالي، تمت مصادرة 1100 دونم من أراضي المنطقة الغربية في يعبد بالمنطقة المحاذية لمستوطنة حرميش، بهدف توسيعها وبناء وحدات استيطانية جديدة فيها، بحسب عطاطرة.

وتقع حرميش في الجهة الغربية من يعبد، وتشكل مساحتها قرابة 100 دونم، وتشهد توسعا مستمرا وزيادة في الوحدات السكنية الاستيطانية فيها، فضلا عن مصادرة حوالي 40 دونما من أراضي البلدة لمصلحة البرج العسكري التابع لحاجز دوتان الذي شهد أيضا أعمال توسعة خلال العام الحالي.

وأقيمت مستوطنة حرميش عام 1982 على أراضي بلدة يعبد، كما أقيم على أراضي البلدة أيضا مستوطنة تل منشه عام 1992، إضافة إلى مستوطنة مافو دوتان وحاجز دوتان العسكري و3 بؤر استيطانية أخرى، وكلها تخضع للتوسع المستمر والواضح خاصة بعد الحرب على غزة.

ومع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، زادت الاستيلاءات والمصادرة في أراضي الضفة الغربية زيادة كبيرة. وبحسب تقديرات هيئة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فإن إسرائيل صادرت خلال النصف الأول من العام الجاري قرابة 27 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية.

ويبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية، بحسب أقرب تقدير، نحو 720 ألف مستوطن يتوزعون في مستوطنات بالمدن والقرى الفلسطينية.

وأشار تقرير للأمم المتحدة نشر بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى “زيادة مقلقة” في المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

شاركها.
Exit mobile version