طهران- مع اقتراب أذان المغرب تهدأ الشوارع في العاصمة الإيرانية طهران، في حين تعم المنازل حركة نشطة استعدادا للإفطار.

في سوق تجريش شمال العاصمة يُقبل الصائمون على شراء الخبز الطازج والمشروبات التقليدية، في حين تنبعث رائحة حساء “آش رشتة” من بعض المحلات التي تبيع الوجبات الرمضانية الجاهزة.

يحمل رمضان في إيران طابعا روحانيا خاصا، فالنهار هادئ، والحياة اليومية تستمر بوتيرة أقل نشاطا، في حين تزداد الحركة مع اقتراب موعد الإفطار.

ولمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه الأجواء قضت الجزيرة نت يوما مع أسرة إيرانية في طهران، حيث تحدث أفرادها عن طقوسهم الرمضانية وما يميز هذا الشهر عن غيره.

وخلال رمضان تبدأ الحياة اليومية متأخرة في إيران، حيث تقل ساعات العمل ويؤجل كثيرون أعمالهم إلى ما بعد الظهر.

الإيرانيون يفضلون البدء بوجبة إفطار خفيفة (الإعلام الإيراني)

عام مختلف

يقول علي رضائي -وهو موظف حكومي في الخمسينيات من عمره- “خلال النهار تكون الشوارع أقل ازدحاما، وتفتح بعض الأسواق في وقت متأخر، الناس يفضلون البقاء في المنزل، خاصة في الأيام الأولى من الصيام، لكن هذا العام يختلف، حيث تزامن فيه شهر رمضان مع عيد النيروز في إيران، وهذا ما يغيّب الهدوء الصباحي المعتاد في هذا الشهر”.

في الأسواق يزداد الإقبال على شراء المكونات الأساسية للإفطار، مثل التمر واللبن والخبز التقليدي، في حين تبقى المطاعم مغلقة حتى غروب الشمس احتراما للصائمين.

داخل منزل عائلة رضائي كانت زوجته وابنته الكبرى منشغلتين بتحضير وجبة الإفطار، على الطاولة وُضع حساء “آش رشتة”، وهو طبق أساسي في رمضان يتكون من البقوليات والخضروات والمعكرونة الإيرانية، وإلى جانبه خبز “بربري الطازج مع الجبن والتمر واللبن، بالإضافة إلى “شوربة الزعفران”، وهو مشروب تقليدي يُعتقد أنه يساعد على تعويض السوائل بعد الصيام.

كثير من الإيرانيين يحرصون على حضور مراسم إحياء ليلة القدر في المساجد (الإعلام الإيراني)

اجتماع العائلة

مع أذان المغرب بدأ الجميع الإفطار بتمرة وكوب من اللبن الدافئ، ويفضل الإيرانيون تناول وجبة خفيفة أولا، ثم يؤدون صلاة المغرب قبل العودة إلى الطبق الرئيسي الذي يتكون غالبا من “كباب الدجاج” المتبل بالزعفران أو يخنة “قورمة سبزي”.

وبعد الإفطار يجتمع أفراد العائلة حول الشاي والحلويات الإيرانية مثل “سوهان” و”باقلوة يزدي”، لكن مع دخول العشر الأواخر تزداد الأجواء الروحانية، إذ يحرص كثير من الإيرانيين على حضور مراسم إحياء ليلة القدر في المساجد.

في هذه الليالي تتجمع أعداد كبيرة في المساجد لتلاوة دعاء “الجوشن الكبير”، ويقوم البعض برفع المصاحف على رؤوسهم أثناء الدعاء، وهي عادة منتشرة بين الشيعة تعبيرا عن التضرع إلى الله.

وقرب منزل عائلة رضائي تذهب العوائل إلى مرقد “إمام زاده صالح” في منطقة تجريش، حيث تمتلئ الساحات بالمصلين الذين يقضون الليل في العبادة حتى الفجر.

ومن الملاحظ غياب صلاة التراويح الجماعية عن معظم المساجد في إيران، ويعود ذلك إلى الفقه الجعفري، إذ لا تعتبر التراويح من السنن المؤكدة، بل يتم التركيز على صلاة الليل وقيام ليلة القدر، ومع ذلك تقام التراويح في بعض المناطق ذات الأغلبية السنية، مثل بلوشستان وكردستان.

سكان العاصمة طهران يحيون ليلة القدر في مقام “إمام زاده صالح” (الإعلام الإيراني)

عادات

رغم أن روحانية رمضان واحدة في العالم الإسلامي فإن هناك بعض العادات التي تميز رمضان في إيران، ومنها:

  • عدم انتشار صلاة التراويح: تقام الصلوات الليلية بشكل فردي بدلا من الجماعة، ويتم التركيز على ليالي القدر.
  • التنوع العرقي والثقافي: تختلف العادات الرمضانية بين الفرس والأذريين والأكراد والعرب، إذ يحتفل بعضهم بمناسبات مثل “القرقيعان”.
  • الطعام الرمضاني الخاص: تعتمد المائدة الإيرانية على الحساء والمشروبات العشبية بدلا من الأطباق الدسمة عند الإفطار.
  • يوم القدس العالمي: في الجمعة الأخيرة من رمضان تشهد المدن الإيرانية مسيرات لدعم القضية الفلسطينية.

ومع نهاية اليوم تتهيأ العائلة للنوم، في حين يخطط بعض أفرادها لحضور مراسم إحياء ليلة القدر في المسجد القريب.

ويقول رضائي “رمضان عندنا ليس فقط صياما وإفطارا، بل هو وقت للتأمل والتقرب إلى الله، ربما تختلف عاداتنا عن الدول العربية، لكن الجوهر واحد فهو شهر الرحمة والعبادة والتواصل الأسري”.

شاركها.
Exit mobile version