بعد منع قوات الاحتلال سفرها إلى مصر لاستقبال زوجها المبعد، عادت إيمان نافع من معبر الكرامة على الحدود مع الجانب الأردني، وهي تحمل معها 3 حبات الكلمنتينا (اليوسفي) كانت تتحضر لتقديمها لزوجها الأسير المحرر نائل البرغوثي، والذي أفرج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل اليوم الخميس، بعد أن قضى ما مجموعه 45 عاما في السجن.

وبعد صدور أمر المنع الإسرائيلي لإيمان وعدد آخر من أمهات وأقارب أسرى تقرر تحررهم يوم الخميس الماضي، حيث كان من المقرر تحرر البرغوثي السبت ٢٢ فبراير/شباط ، قبل أن تقرر إسرائيل تأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين حتى مساء أمس الأربعاء، التقطت إيمان صورة للثمار التي حملتها لزوجها من حديقة المنزل، وفكرت في إيجاد طريقة لإيصال الصورة له، بعد أن خبأتها معها في رحلة السفر التي لم تكتمل.

تقول إيمان عن زوجها “نائل متعلق بالأرض بشكل كبير، يحب الزراعة وتقليم الأشجار والاهتمام بشجرة الزيتون التي يعتبرها امتدادا طبيعيا لوجودنا في أراضينا، لقد أمضى أيامه السابقة خارج السجن في فلاحة الأرض والاعتناء بها، لذا هو يحب ثمار هذه الأرض ويحب قطفها وأكلها، وقد فكرت بأنه سيشعر بالسعادة حين يأكل من ثمر الشجر في أرضه”.

قصة أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي

عقاب نفسي

وقبل مغادرتها معبر الكرامة الذي انتظرت فيه قرابة 10 ساعات، التقت إيمان رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين قدورة فارس، والذي أعفي من منصبه بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أواخر الأسبوع الماضي، حيث كان يستعد للسفر لمصر لاستقبال أحد أقاربه الأسرى المقرر الإفراج عنهم اليوم السبت.

تقدمت إيمان نحوه وطلبت منه أن يحمل سلامها وتحياتها لنائل، وأن يخبره بمحاولاتها الوصول لمصر لرؤيته، ثم أعطته لوحا من الشوكولاتة وطلبت منه أن يقدمه له نيابةً عنها، وتقول “حبيت يوصله شيء مني، ليحس أني معه، حتى لو لم أستطع أن أكون هناك”.

عادت إيمان لتتابع بقلق كبير وعلى الهواء مباشرة لحظات خروج زوجها من السجن وانتقاله للمرة الأخيرة عبر الحافلة إلى الجانب المصري، وتعلق على هذه اللحظات بقولها إنها كان يجب أن تكون هناك لترحب به وتراه وتعانقه، بعد 11 عاما من الفراق بينهما، وإعادة اعتقاله عام 2014.

وكانت إيمان قد أكدت في لقاءات صحفية سابقة، أن البرغوثي يرفض بشكل قاطع إبعاده إلى خارج فلسطين، لكنها تلقت اتصالاً منه يوم الثلاثاء، أبلغها فيه بالإفراج عنه وإبعاده، لكنها لم تعرف بعد إلى أي بلد، وتضيف “نائل وباقي الأسرى الذين حملوا نفس موقفه من الإبعاد حاولوا الحفاظ على الموقف العام، حتى تستمر الصفقة دون إعطاء الاحتلال مبررات لتعطيلها”.

تقول الزوجة إن الاحتلال منعها من السفر عبر معبر الكرامة في مدينة أريحا مرتين متتاليتين، وتضيف “قالوا لي عليك مراجعة مركز بيت إيل قرب رام الله، هذه الحجة تُقال لكل أهالي الأسرى الممنوعين من السفر، وهو أسلوب ضغط نفسي تمارسه سلطات الاحتلال علينا وعلى الأسرى حتى آخر لحظة”.

حاولت إيمان التواصل مع محامي يهتم بقضايا الأسرى الفلسطينيين لإلغاء منع السفر، وتحدثت مع أمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، الذي وعدها بإيصال قضيتها وباقي أهالي الأسرى الممنوعين من السفر لرؤية ذويهم المحررين لعدد من السياسيين والقناصل والدبلوماسيين الدوليين.

البرغوثي لقب بعميد الأسرى الفلسطينيين وقضى ما مجموعه 45 عاما في السجن (رويترز)

سعادة بعد حرمان

تبتسم إيمان وهي تتحدث عن ما يقارب سنوات ثلاثا قضتها مع زوجها نائل، في منزلهم في قرية كوبر شمال رام الله، بعد زواجهما الذي تم عقب شهر واحد من الإفراج عنه ضمن صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، ولا تكتفي إيمان من تعداد صفات زوجها، على الرغم من قصر الفترة التي عاشتها معه، قبل إعادة اعتقاله عام 2014.

تقول إنها عاشت معه 32 شهرا، وكان بالنسبة لها “صديقا وأخا ورفيقا وإنسانا خفيف الظل لطيفا”، كما تحدثت عن ثقافته واطلاعه وتقول “هو قارئ نهم، يطلق عليه الأسرى لقب غوغل فلسطين، لأنه يملك إجابة لأي سؤال يراودهم، كما أنه محب للشعر بشكل كبير، ويجيد اللغة الإنجليزية حيث تعلمها في الأسر”، والتحق عام 2013 بجامعة القدس المفتوحة لدراسة التاريخ، لكن دراسته بقيت معلقة بسبب إعادة اعتقاله.

وتصف حياة زوجها بعد الإفراج وتقول “كان معتادا بشكل يومي أن يصلي العشاء، ثم يجلس على سطح المنزل لتأمل النجوم وحركتها، ويميز أسماءها، فهو محب لعلم الفلك، وكان يقول إنه حرم من رؤية النجوم مدة 33 عاما”.

وتضيف “بعد صلاة الفجر كان يخرج للأرض، يعتني بالزيتون، ويتحدث مع كل الأشجار، كان يقول لي باستمرار إنه يحاول تذوق الأشياء والحياة التي حرم منها طوال سنوات سجنه”.

تقول إنه رقيق في التعامل خاصة مع الأطفال، ويعتبر نفسه أنه “ما زال ذلك الشاب صاحب الـ19 عاما الذي اعتقله الاحتلال”، رغم مرور كل هذه السنوات عليه، وتذكر أنه في عام 2013 نزل الثلج على قرية كوبر، وكانت سعادة نائل لا توصف برؤيته، حيث كان مستمتعا جدا بهذه الأجواء، وقضى يومه خارج المنزل يلهو بالثلج مع أهالي القرية.

العودة للسجن

تصف إيمان إعادة اعتقال زوجها نائل عام 2014 بأنه “شكّل صدمة كبيرة لنا، لأنه قبل شهر واحد من الاعتقال كان موجودا في مركز “بيت إيل” قرب رام الله، حيث كان يجب عليه أن يذهب كل شهرين للتوقيع هناك، تلبية لأحد شروط الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار، ولم يبلغ بوجود أي خرق أمني في ملفه حينها”.

أعيد اعتقال نائل البرغوثي من رام الله التي أجبر على عدم مغادرتها والخروج من حدودها، حيث اتهم بإلقاء خطاب في جامعة بيرزيت اعتبره الاحتلال حينها أنه يحاول الترشح ضمن حكومة حركة حماس في تلك الفترة.

ورغم الحكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر فقط، فلم يفرج عنه بعد انقضائها، وحاولت مصلحة السجون إعادة حكمه السابق، لكن محكمة العدل الإسرائيلية لم تصادق على القرار، ليبقى ملف نائل البرغوثي مفتوحا منذ عام 2015 وحتى موعد الإفراج عنه ضمن المرحلة السابعة من صفقة التبادل بين حركة حماس وإسرائيل اليوم السبت.

حتى ساعة كتابة التقرير فإن البرغوثي في طريقه إلى مصر بعد الإفراج عنه ضمن المرحلة السابعة من اتفاقية الأسرى بين حماس وإسرائيل، وتقول إيمان إنه اتصل بها وأكد أنه في طريقه لمصر، وعلى الرغم من تقطع الصوت أثناء المحادثة إلا أنه أخبرها بتعرضه للضرب العنيف قبيل الإفراج عنه، “ودعوه بالتعذيب”. وتؤكد أنه حتى الآن لم تعرف الدولة التي سيبعد إليها البرغوثي، وأنها ستعود لمحاولة السفر إلى مصر للقائه مرة أخرى. تتشوق إيمان لوصوله لمصر حتى تتمكن من معاودة الاتصال به والاطمئنان عليه، كما أنها تحاول متابعة وصوله عبر قنوات التلفاز.

وكان البرغوثي المولود عام 1957 في قرية كوبر، قد اعتقل للمرة الأولى عام 1978، بتهمة الانتماء لحركة فتح والمشاركة في عمليات ضد الاحتلال، وحكم عليه بالسجن المؤبد و18 عاما، قضى منه 34 عاما متواصلة في السجن، حيث لُقب بـ”عميد الأسرى”، وكانت إسرائيل ترفض خروجه ضمن أي اتفاقيات لمبادلة الأسرى، قبل أن تنجح حركة حماس بالإفراج عنه عام 2011.

وخلال فترة مكوث نائل في السجن، توفي والداه وشقيقه عمر “أبو عاصف”، واعتقل شقيقته حنان قبل أن يفرج عنها، كما قتل الاحتلال ابن شقيقه صالح البرغوثي، وهدم منزلين لعائلته.

شاركها.
Exit mobile version