15/10/2024–|آخر تحديث: 15/10/202407:48 م (بتوقيت مكة المكرمة)
طهران- بعد غياب استمر نحو أسبوعين، يظهر الجنرال إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، خلال بث مباشر على التلفزيون الإيراني ليضع حدا لسيل الشائعات والتسريبات الإعلامية بشأن مصيره.
وتحدثت شائعات وتسريبات إعلامية عن اغتيال قآني تارة، وعن اعتقاله تارة أخرى، في حين ذهبت محطات إخبارية -نقلا عن مصادر موثوقة- إلی الإعلان بأن الرجل هرب إلى تل أبيب.
وعرضت قناة “خبر” بالتلفزیون الإيراني، صباح اليوم الثلاثاء، صورا مباشرة لمشاركة قآني في مراسم استقبال جثمان عباس نيلفروشان، مسؤول ملف لبنان في فيلق القدس، الذي قتل في الغارة التي استهدفت الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله، في 27 من الشهر الماضي.
وبعد حضوره في مكتب حزب الله اللبناني في طهران، يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي، “معزيا باستشهاد نصر الله”، تغيّب قآني عن الأنظار، بيد أن غيابه عن صلاة الجمعة التي أمّها المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في 4 من الشهر الجاري، كان لافتا ورسم علامات استفهام كبيرة بشأن مصيره.
وعلى وقع سلسلة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل في لبنان خلال الأسابيع الماضية، يرى مراقبون أن غياب أو تغيّب قآني شكّل مادة دسمة لبعض وسائل الإعلام الإقليمية والدولية للعزف على وتر الحرب النفسية المتواصلة ضد محور المقاومة، لكنها لم تتمكن من استدراج الجانب الإيراني إلى الكشف عن موقع الرجل.
منصات التواصل
وبالرغم من تأكيد أكثر من مسؤول إيراني بأن “قآني بخير”، واصلت وكالات أنباء عالمية شهيرة ومحطات إخبارية توصف بأنها مرموقة نشر تقارير وتسريبات نقلا عن مسؤولين أمنيين بشأن قطع الاتصال به عقب رحلة قام بها إلى لبنان. في حين تحدثت مصادر مطلعة عن اعتقاله واستجوابه، ورجحت مصادر أخرى وصفت بالـ”موثوقة” إصابته خلال الهجمات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وحينها، عبّرت شريحة كبيرة من الإيرانيين -عبر منصات التواصل الاجتماعي- عن ثقتها بأن قائد فيلق القدس لم يصب بمكروه؛ لأنه لم يسجل على الجمهورية الإسلامية إخفاء قتلاها، وأرجعت سبب غيابه إلى ضرورة حضوره في الميدان عقب استهداف عدد من قيادات المقاومة اللبنانية، لكن لم يمنع ذلك شريحة أخرى من التشكيك بهذه الرواية ورأت أن “الموضوع فيه إن”.
وبعد ظهور قآني العلني في طهران، سخر الشيخ ميثم إيراني، أحد علماء الدين، من الذين شككوا بالرواية الإيرانية وكتب على منصة إكس “إن الجنرال قآني عاد إلى أرض الوطن بعد فترة من الاعتقال والاستجواب والتنكيل ثم الاستشهاد، وصولا إلی اتهامات بالتجسس وهروبه إلى تل أبيب”، متهما المصادر التي تروج لمثل هذه الشائعات “بتعاطي المخدرات”.
وبينما دعا “الخبير القانوني محمد سام” الأطراف التي اتهمت قآني بالعمالة وشككت بمصداقيته إلى “التوبة إلى الله وطلب الصفح منه”، استغل الناشط عمار حسيني، صورة حضور قآني في مراسم استقبال جثمان زميله الراحل العميد عباس نيلفروشان، ليتساءل عن العقل المدبر لعملية “العشاء الأخير” التي استهدفت جنود لواء غولاني الإسرائيلي بقاعدة للتدريب بالقرب من “بنيامينا” جنوبي حيفا.
وبينما لا يزال التساؤل بشأن موقع الجنرال قآني خلال الأسبوعين الماضيين مستمرا على منصات التواصل، ترى الأوساط الإيرانية في ظهوره صباح اليوم “فشلا ذريعا للحرب النفسية التي شنتها وسائل إعلام صهيوأميركية وأخرى متعاطفة معها”، في حين قرأ آخرون قصة قآني في إطار “مواجهة استخبارية معقدة جدا لم يعهدها الشرق الأوسط خلال العقد الأخير”.
حرب نفسية
في السياق، يعلق المتحدث السابق في الحرس الثوري العميد رمضان شريف، على ظهور الجنرال قآني على التلفزيون الإيراني بالقول إن “حضوره في مراسم استقبال جثمان زميله عباس نيلفروشان يأتي لتكريم هذا الشهيد العظيم ومسيرته الطويلة في الدفاع عن المصالح الوطنية ومقارعة الاستكبار العالمي”.
وفي تصريح للجزيرة نت، يرى القيادي في الحرس الثوري أن “الحساسية المفرطة” حيال غياب الجنرال قآني تدل على فشل الأعداء في معرفة العقلية والثقافة الإيرانيتين على غرار فشلهم في ساحات الحرب، مؤكدا أن الحرس الثوري “لم يخفِ يوما استشهاد عناصره بل يحرص على تكريمهم من خلال إقامة مراسم تشييع كبيرة تليق بمكانتهم الرفيعة”.
ورأى أن العدو فشل في تحديد موقع الجنرال قآني من خلال الحرب النفسية، مؤكدا أن قيادات الحرس الثوري تركز على تنفيذ المهام المنوطة بها دون اكتراث بما يتداول على المحطات الإعلامية ومنصات التواصل.
وردا على سؤال “ما إذا كان الجنرال قآني على الأراضي الإيرانية خلال الأسبوعين الأخيرين أم خارج البلاد؟”، اكتفى العميد شريف بالقول إنه “كان حيث يجب أن يكون”.
سفير الجمهورية اليمنية إبراهيم الديلمي، بجوار قائد فيلق القدس، إسماعيل قآني، خلال مراسم تشييع الشهيد العميد عباس نيلفروشان. pic.twitter.com/2cBUVmrCzI
— مصطفى الخطيب (@alkhatib_YE) October 15, 2024
مواجهة استخبارية
وفي السياق، يستذكر الباحث السياسي المقرب من الحرس الثوري الإيراني مهدي شكيبائي، تطورات حرب تموز 2006 حيث كان الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصر الله والقيادي العسكري اللبناني عماد مغنية والقائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، يقودون المعركة في إطار غرفة عمليات مشتركة، موضحا أن الحرب الإعلامية الأخيرة بشأن قآني جاءت لمنع تشكيل خلية قيادية مشتركة جنوبي بيروت.
وتابع في حديثه للجزيرة نت، أن بعد النشوة التي شعر بها الكيان الصهيوني إثر اغتياله عددا من قيادات حزب الله واستهداف الآلاف عبر اختراق أجهزة البيجر واللاسلكي، كانت الأجهزة الأمنية في تل أبيب والعواصم الغربية بحاجة إلى فرض حصار على لبنان للاستفراد بما تبقى من المقاومة اللبنانية، فحاولت تحديد موقع قآني من خلال شتى أنواع العمليات الأمنية، مؤكدا أن بلاده أفشلت الحرب الإعلامية والنفسية بأساليبها الخاصة.
وختم شكيبائي بالقول إن الأجهزة الأمنية الإيرانية ونظيرتها لدى حزب الله، تمكنت من ركوب موجة الحرب النفسية بشأن قآني والتكهنات حول حضوره في لبنان أو سوريا، فقامت بتسريب بعض المعلومات المغلوطة عن عقده اجتماعات في الضاحية الجنوبية لبيروت وسوريا ونجحت من خلالها في الحصول على رؤوس خيوط مهمة جدا لسد الثغرات الأمنية في البلدين.
وبينما يرى طيف من المراقبين في إيران الجمع بين غياب قآني واستعادة جبهة جنوب لبنان عافيتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، يشير آخرون إلى أن طهران قد قطفت ثمار سياستها من خلال زيارة وزير خارجيتها عباس عراقجي الأخيرة إلى بيروت وإصرار رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف على قيادة الطائرة التي أقلته إلى لبنان بنفسه.