غزة- انتهت جولة أخرى من جولات المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل باتفاق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ عند الساعة العاشرة من مساء أمس السبت، ليوقف 5 أيام من العدوان بدأت بعمليات اغتيال إسرائيلية غادرة نالت من قادة بارزين في المجلس العسكري لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
لم تكن هذه الجولة التي أطلقت عليها المقاومة معركة “ثأر الأحرار” كغيرها من الحروب وجولات التصعيد الإسرائيلية المتلاحقة ضد غزة على مدار السنوات الـ14 الماضية، فقد استفادت منها المقاومة من حيث التكتيك في إدارة المعركة والأداء في الميدان وتوزيع المهام بين القوى المنضوية في “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة” حسب ما أكده خبراء وقيادات بارزة في حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد أكبر فصيلين في الغرفة.
ومرة أخرى ورغم الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات منحت السياسة التي انتهجتها المقاومة وامتصاصها صدمة “الضربة الغادرة” باغتيال قادة وازنين المزيد من التأييد الشعبي في غزة ظهر في تفاعل الغزيين مع عملياتها في إطار الرد على الاغتيالات والجرائم الإسرائيلية، ومع إعلان التهدئة خرجت حشود في مسيرات عفوية تشيد بالمقاومة وصمودها وأدائها في الميدان.
مواجهة مشرفة
بدوره، وصف عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل أداء المقاومة خلال هذه الجولة من المواجهة بـ”المشرف”، وقال للجزيرة نت إن “سرايا القدس وقوى المقاومة أدارت المعركة بحنكة فائقة”.
وكان لساعات الصمت من جانب المقاومة التي أعقبت عملية الاغتيال الغادرة لـ3 من أبرز قادة سرايا القدس فجر الثلاثاء الماضي وقعها على سير المعركة على مدار الأيام الخمسة، حسب المدلل.
وبينما كان الاحتلال خلال هذه الساعات في حالة “ترقب وارتباك” أثرت على جبهته الداخلية كانت المقاومة في حالة دراسة وتنسيق لكيفية إدارة المعركة.
وأثبتت سرايا القدس من خلال الغرفة المشتركة مدى تشبثها بالوحدة الوطنية ووحدة حال المقاومة، وفوتت الفرصة على محاولات الاحتلال “دق الأسافين” وزرع بذور الفتنة، وفقا للمدلل.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي إنه “رغم الألم الكبير على فراق قادة مقاومين أشداء لهم إرث عظيم في ساحات المواجهة ومقارعة العدو فإن المقاومة أوجعت الاحتلال ونجحت في إثبات قدراتها في الميدان”، وللدلالة على هذا النجاح يشير المدلل إلى “استمرار سقوط الصواريخ على العدو حتى اللحظة الأخيرة من المواجهة، مما يثبت إرادة المقاومة وامتلاكها مخزونا إستراتيجيا”.
ويتفق القيادي في حماس إسماعيل رضوان مع المدلل على أن إدارة المقاومة للمعركة أفشلت مخططات الاحتلال من حيث التدرج في الرد عبر مراحل: الصمت، والتدرج في الرد على الجرائم، وتحديد الزمان والمكان المناسبين، فضلا عن توزيع الأدوار والمهام داخل قوى الغرفة المشتركة.
هذه الإدارة غير المعهودة بالنسبة للعدو من جانب قوى المقاومة وجد فيها رضوان سببا مهما في تحقيق ما وصفه بـ”النصر” في هذه الجولة من المواجهة المغايرة عن غيرها من المواجهات السابقة.
نجاحات سياسية وعسكرية
ويتفق القياديان المدلل ورضوان على أن المقاومة حققت نتائج مهمة من هذه المواجهة التي فرضت عليها وأثبتت مجددا أنها “موحدة في مواجهة مساعي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الدم الفلسطيني”.
وقال رضوان إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي شن عدوانه على غزة أملا في تحسين وضعه الداخلي- فوجئ بسياسة “الاستنزاف” التي انتهجتها المقاومة، والاستمرار في توجيه الضربات الصاروخية حتى اللحظة الأخيرة، وفرض حالة الطوارئ على نحو 6 ملايين إسرائيلي تعطلت حياتهم ومصالحهم ولم يفارقوا الملاجئ حتى آخر دقيقة.
وأضاف “بالمشهد الأخير الذي أسدلت عليه هذه المواجهة لم يحقق نتنياهو النصر الشخصي الموهوم الذي بحث عنه، وفشل مجددا في إعادة ترميم ما تسميها إسرائيل قوة الردع”.
ويضيف المدلل إلى ما ذهب إليه رضوان بأن نجاح المقاومة في الحفاظ على “وتيرة القصف الصاروخي” حتى اللحظة الأخيرة رغم حالة الاستنفار الكبيرة وفي ظل طيران حربي إسرائيلي يغطي سماء غزة أثر على صورة نتنياهو أمام المجتمع الإسرائيلي وحرمه من حصد الأهداف التي شن عدوانه لتحقيقها.
وقال إن المقاومة اكتسبت “خبرات قتالية” مهمة من جولات المواجهة السابقة مع العدو مكنتها من تطوير أدائها في هذه المعركة من حيث “الردود المركزة والمدروسة”، فحققت بذلك مكاسب كبيرة لجهة التأثير في معنويات الجبهة الداخلية للعدو واختراق منظومة دفاعاته الجوية التي فشلت في مواكبة ضربات المقاومة، سواء القبة الحديدية أو ما يسمى مقلاع داود.
وهذا النجاح من جانب المقاومة في وصول نحو 75% من صواريخها إلى وجهتها داخل عمق دولة الكيان أثر سلبا على معنويات جبهته الداخلية وكبد العدو خسائر فادحة، وفي الوقت نفسه رفع الروح المعنوية للفلسطينيين، لما حمله من إشارات مهمة على صعيد تطور القدرات العسكرية للمقاومة، وفق المدلل.
وقال المدلل إن إدارة المعركة ميدانيا بهذا الاقتدار وبدعم وإسناد قوى المقاومة في الغرفة المشتركة مكنت حركة الجهاد الإسلامي خلال مباحثاتها مع الوسيط المصري من التشبث بشروطها وفرضها على العدو من أجل وقف إطلاق النار.
تكتيك الصمت
وتدعم رؤية الخبراء لما آلت إليه المعركة قراءة حركتي حماس والجهاد الإسلامي لنتائجها، وبحسب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسام الدجني فإن هذه المعركة أظهرت “وحدة عالية من التنسيق العسكري والسياسي بين قوى المقاومة، خاصة الحركتين الكبريين حماس والجهاد”.
وأنتج هذا التنسيق -برأي الدجني- أداء رائعا في الميدان، ابتداء من حالة الصمت لنحو 36 ساعة أعقب الاغتيال الغادر، ومنح المجتمع الدولي رؤية زوايا الجريمة الإسرائيلية وقتل الأطفال والنساء وتدمير المنازل، وفرض ما يمكن أن تفرضه الصواريخ بإعلان الاحتلال حالة الطوارئ وتعطيل كامل لأوجه الحياة.
وقال الدجني للجزيرة نت إن ما آلت إليه هذه المعركة قد تعصف بنتنياهو، في ضوء إجراء التقييمات التي ستُجرى في إسرائيل لما حققته من نتائج، وقد تزيد الشرخ الداخلي.
وبشأن أبرز النتائج التي تحققت من هذه المعركة، قال الخبير في الشؤون الإستراتيجية الدكتور حسن عبده للجزيرة نت إن سرايا القدس “حافظت على الغرفة المشتركة كإطار وحدوي ضروري للتوافق الوطني ووحدت الموقف الداخلي”.
وأبدعت السرايا في تكتيك الرد النوعي والبطولي وامتلكت زمام الميدان وحافظت على هدوئها وطورت ردها الصاروخي بعد كل عملية اغتيال جديدة، وبذلك أقنعت قادة الاحتلال من خلال أدائها الميداني بقدرتها على تطوير ردها وفشل سياسة الاغتيالات، حسب عبده.
وفي المعركة السياسية، قال الخبير المقرب من حركة الجهاد الإسلامي إن الحركة نجحت وصمدت أمام التهديدات والضغوط، وصولا إلى فرض اتفاق وقف إطلاق النار بما تضمنه من التزامات.