غزة- “شو بينتظروا، لما نموت؟”، بلسان ثقيل وصوت يكسوه اليأس، قالت المريضة آمال المسارعي هذه الكلمات وهي منهكة وقد ألقت بجسدها الهزيل على أحد أسرّة وحدة غسيل الكلى في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس في جنوبي قطاع غزة.

آمال مريضة بالفشل الكلوي منذ بضع سنوات، وكانت تخضع لـ4 جلسات غسل أسبوعية، وقد تدهورت حالتها الصحية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتقول للجزيرة نت “بسبب النزوح واستهداف المستشفيات قلصوا جلسات الغسل ومدة كل واحدة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المرضى”.

لدى هذه المريضة النازحة من حي الكرامة في شمال القطاع، 9 أبناء، وتقيم حاليا مع أسرتها في خان يونس بعدما أجبروا على النزوح القسري من مدينة رفح في مايو/أيار الماضي، عشية الاجتياح البري الإسرائيلي لها.

آلاف المرضى في غزة ينتظرون إعادة فتح معبر رفح والسماح لهم بالسفر لإنقاذ حياتهم (الجزيرة)

حالة طارئة

قبل النزوح من رفح كانت آمال (59 عاما) تتلقى خدمة غسل الكلى في مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار الحكومي الوحيد بالمدينة، وبسبب تدهور حالتها الصحية صنفها الأطباء حالة طارئة تستدعي السفر للعلاج بالخارج، وحصلت على ما يعرف فلسطينيا بـ “تحويلة علاج” تغطي نفقاتها عادة السلطة الفسلطينية في رام الله.

حالت العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح، واحتلال معبر رفح البري، المنفذ الوحيد لزهاء مليونين و300 ألف فلسطيني في القطاع نحو العالم الخارجي، دون سفرها وآلاف آخرين من المرضى وجرحى الحرب ممن هم بحاجة ماسة لإجراء عمليات تنقذ حياتهم.

بألم شديد تتساءل آمال “ماذا يريدون منا؟ هل ينتظرون موتنا قبل فتح المعبر والسماح لنا بالسفر من أجل العلاج؟”. وقد انتهى تاريخ تحويلة علاجها الأولى، ولخطورة حالتها الصحية حصلت على أخرى توضح حاجتها الملحة للسفر والخضوع العاجل لعملية زراعة كلى.

وعلى مقربة منها، كان المريض ياسر الفرا ينصت لحوارها، وجسده معلق بجهاز غسل الكلى، ويقول للجزيرة نت إنه أيضا يمتلك تحويلة للعلاج بالخارج منذ أبريل/نيسان الماضي حصل عليها من مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع، ويأمل أن يتم فتح المعبر واستئناف العمل به قريبا.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، الذي دخل حيز التنفيذ يوم 19 يناير/كانون الثاني الجاري، من المقرر فتح معبر رفح في اليوم السابع من إعلانه والذي يصادف الأحد المقبل، وسيسمح بمغادرة 300 شخص يوميا فقط من القطاع إلى الخارج. في حين ترتبط عودة العالقين في الخارج إلى غزة بدخول الاتفاق مرحلته الثانية.

المريض ياسر الفرا يأمل أن يسافر برفقة أسرته لتلقي العلاج ويخشى من تجدد الحرب-رائد موسى-خان يونس-الجزيرة نت
الفرا يخشى من تجدد الحرب وحرمانه من السفر للعلاج (الجزيرة)

آمال وانتظار

وتقتصر الفئات التي سيُسمح لها بمغادرة المعبر يوميا على 50 ممن أصيبوا خلال الحرب يرافق كلا منهم 3 أشخاص بمجموع 150 مسافرا، بالإضافة إلى 50 مريضا بحاجة للعلاج خارج القطاع يرافق كلا منهم شخص واحد فقط ليصبح عددهم 100 مسافر، علاوة على 50 آخرين تحت اسم حالات إنسانية.

ويتطلب ذلك، من 25 ألف جريح ومريض يمتلكون تحويلات طبية للعلاج بالخارج، الانتظار إلى حين أن تسنح لهم الفرصة لاجتياز معبر رفح بحثا عن أمل في النجاة.

ويأمل الفرا (43 عاما) أن يكون من المحظوظين بسفر قريب برفقة زوجته، ورغم إدراكه بالسماح لكل مريض بمرافق واحد فقط، فإنه يتمنى أن يحظى بفرصة سفر أبنائه الثمانية معه، ويقول “لا أستطيع تركهم هنا لوحدهم، وليس لدي ثقة في عدم تجدد الحرب والقتل والخراب”.

جريحة في مجمع ناصر الطبي تنتظر فتح معبر رفح لأنقاذ حياتها (الجزيرة)

وعلى سريرين متجاورين في مجمع ناصر الطبي، تجلس ميرفت أبو عرار (48 عاما) وطفلتها بسمة (4 أعوام)، الناجيتان من غارة جوية إسرائيلية استهدفت خياما للنازحين بمنطقة مواصي خان يونس، وتركت آثارا غائرة على جسديهما.

كانتا في زيارة لشقيقها في خيمته عندما وقعت الغارة ليلا، وأصيبت الأم إصابات بالغة وببتر في ذراعها وأصابع يدها، في حين أصيبت طفلتها إصابة شديدة في ساقها أدت لتهشم عظامها، وتستدعي حالتهما الصحية سرعة السفر للعلاج في الخارج.

وتقول ميرفت للجزيرة نت “الأطباء هنا فعلوا كل ما بوسعهم، الإمكانيات لدينا ضعيفة، وأخبرونا أننا بحاجة للسفر واستكمال العلاج في الخارج”.

الهمص يؤكد حاجة 25 ألف مريض وجريح للسفر للعلاج بالخارج (الجزيرة)

قيود

نزحت ميرفت مع أسرتها (8 أفراد) من مدينة غزة نحو جنوب القطاع مع اندلاع الحرب ونالت نصيبا مؤلما منها، وتشعر بقلق شديد على أبنائها، ولا تكف عن الدعاء أن يمن الله عليها بالشفاء لتبقى إلى جوارهم وترعاهم.

تشير أرقام وزارة الصحة في غزة إلى أن الحرب خلفت حتى الآن 47 ألفا و161 شهيدا، و111 ألفا و166 جريحا، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال، وبينهم آلاف يحتاجون للسفر بغية العلاج.

يقدر مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة الدكتور مروان الهمص أن نحو 25 ألفا، بينهم جرحى حرب ومرضى بأمراض مزمنة وخطرة، ينتظرون بصبر كبير إعادة فتح معبر رفح، ليتمكنوا من السفر للعلاج بالخارج، حيث يحتاجون لتدخلات طبية تخصصية لا تتوفر في القطاع سواء من حيث الكادر البشري أو الإمكانيات المادية.

وخلال الحرب، استهدفت قوات الاحتلال -على نحو ممنهج- القطاع الصحي، وقتلت أكثر من ألف من طواقمه، وجرحت واعتقلت مئات آخرين، وأخرجت عن الخدمة 32 مستشفى وعشرات العيادات ومراكز الرعاية الأولية.

وإضافة لذلك، يقول الهمص للجزيرة نت إن القيود الإسرائيلية المشددة التي حالت دون تمكن الفرق الطبية الدولية من الوصول للقطاع، ومنع الأدوية والأجهزة والمعدات الطبية، شكلا ضغطا على الكوادر الطبية المحلية، وانعكسا على الحالة الصحية لآلاف الجرحى والمرضى.

شاركها.
Exit mobile version