غزة– في حربها المستمرة على قطاع غزة، أدخلت إسرائيل سلاحا جديدا ضد السكان المحاصرين، ويتمثل في توفير الأجواء المثالية لسرقة المساعدات الإغاثية.

وبأساليب ممنهجة، تُشجع إسرائيل العصابات المسلحة على سرقة الشاحنات فور خروجها من معابر الإغاثة، وتمنع الشرطة الفلسطينية، وشركات حراسة خاصة من حمايتها عبر استهدافها بشكل مباشر.

هذه السياسة، التي تضيف عبئًا جديدا وهائلا على كاهل سكان غزة، تثير تساؤلات عن نوايا الاحتلال وأهدافه في تعميق الكارثة الإنسانية.

ويستعرض هذا التقرير المسارات التي تتبعها قوافل الإغاثة داخل القطاع، والنقاط التي تتعرض للسرقة فيها، ودور إسرائيل في تسهيل عملية السطو عليها.

ما حقيقة سرقة المساعدات الإنسانية؟

منذ بداية الحرب، منعت إسرائيل إدخال المساعدات والبضائع وهو ما تسبب في تجويع السكان في جميع مناطق القطاع.

وحينما كانت إسرائيل تقرر السماح بإدخال كميات قليلة من المساعدات استجابة للضغوط الدولية، فإنها كانت تعمل في المقابل على تسهيل سرقتها من خلال الاستهداف المكثف لعناصر الشرطة الفلسطينية التي تحرسها.

لكنّ جهود الشرطة، ورغم استهدافها بشكل متواصل، نجحت في منع سرقة المساعدات بشكل كبير، واستمر هذا الحال حتى احتلال إسرائيل لرفح في مايو/أيار 2024.

شاحنة فلسطينية قادمة من معبر كرم أبو سالم باتجاه غزة (الجزيرة)

كيف أثّر احتلال مدينة رفح على تفشي سرقة المساعدات؟

تقع مدينة رفح أقصى جنوبي القطاع، ويوجد فيها الشق الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم (شرق المدينة) والذي تدخل من خلاله غالبية المساعدات والبضائع.

وعقب احتلال المدينة، سمحت إسرائيل للصوص بتشكيل عصابات منظمة في المنطقة الشرقية النائية من رفح، والمحاذية للسياج الحدودي، والتي تعمل على سرقة المساعدات عقب خروجها من المعبر تحت حماية جيش الاحتلال بشكل مباشر.

ولا تتمكن الشرطة الفلسطينية من التصدي للصوص، نظرا لعدم قدرتها على العمل داخل مدينة رفح بسبب وجود جيش الاحتلال.

ما دور إسرائيل في عملية سرقة المساعدات؟

يؤكد شهود عيان يقيمون في المنطقة الفاصلة بين مدينتي رفح وخان يونس، تحدثوا للجزيرة نت، أن إسرائيل تسمح للصوص بالوجود بأسلحتهم في شرقي رفح، التي تصنفها كمنطقة “قتال خطيرة”، بالإضافة إلى كونها تقع داخل “المنطقة العازلة” التي تمتد على نحو كيلومتر واحد، داخل أراضي قطاع غزة، ويُمنع وُجود أي فلسطيني قربها.

وذكر الشهود أن إسرائيل تستهدف بشكل مباشر و”قاتل” أي عناصر أمنية تسعى لتأمين المساعدات من السرقة في تلك المنطقة، وفي الوقت ذاته، تمنع عناصر يتبعون لشركات أمنية خاصة تتعاقد معها منظمات الإغاثة الدولية من حمل السلاح الناري.

ما المعلومات المتوفرة عن عصابات سرقة المساعدات؟

تتم سرقة المساعدات إما على يد العصابات المسلحة، أو أفراد مستقلين “يعملون بشكل ارتجالي غير منظم”، بحثا عن كيس من الدقيق، أو طرد غذائي.

وخلال الشهور الماضية، تشكلت عصابات إجرامية، أشهرها تشكيل إجرامي يترأسه سجين هارب يدعى ياسر أبو شباب.

وتوجد عناصر هذه العصابات تحديدا في المنطقة الشرقية لرفح القريبة من الشريط الحدودي.

ما المسارات التي تمر بها شاحنات المساعدات؟

أولا: في جنوبي القطاع، حيث تأتي أغلب شاحنات المساعدات من معبر كرم أبو سالم شرق رفح، وتسلك مسارين، الأول عبر شارع صلاح الدين (وسط رفح) باتجاه الشمال.

وتبدأ الشاحنات رحلتها خلال هذا المسار من شارع يُطلق عليه محليا اسم “جَكَر” يبعد عن السياج الحدودي قرابة 300 متر، (يتجه من الجنوب للشمال)، ثمّ تنحرف نحو شارع آخر يتجه نحو الغرب، ويطلق عليه اسم “الكركار”، قبل أن تتجه نحو شارع صلاح الدين، منطلقة نحو خان يونس ووسط القطاع.

أما المسار الثاني، فيتجه غربا نحو البحر من خلال شارع يمتد بموازاة الشريط الحدودي مع مصر (محور فيلادلفيا)، قبل أن يتجه شمالا من خلال شارع الرشيد الساحلي.

ثانيا: شمالي القطاع، حيث تدخل شاحنات المساعدات من خلال معبر زيكيم، وهو منفذ جديد أنشأته إسرائيل خلال الحرب الحالية، ويقع أقصى شمالي القطاع، وتتجه جنوبا نحو طريق الساحل “الرشيد”، وصولا إلى ميناء غزة، ثم تتجه شرقا نحو مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين غربي مدينة غزة.

ما دور معبر كيسوفيم في إدخال المساعدات؟

أعلن جيش الاحتلال في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عن فتح معبر “كيسوفيم” الواقع بين خان يونس ووسط قطاع غزة، لمرور شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ردا على التهديد الأميركي بتقليص الدعم العسكري في حال عدم زيادة حجم المساعدات والمواد الغذائية إلى غزة.

لكنّ إسرائيل فعليا، اكتفت بإدخال كميات محدودة من المساعدات عبر معبر كيسوفيم، قبل أن تتوقف عن ذلك.

خريطة سرقة المساعدات الإنسانية
خريطة تظهر مواقع تتم فيها سرقة المساعدات (الجزيرة)

أين تتم سرقة المساعدات؟

أولا: يسطو عناصر العصابات الإجرامية على المساعدات في منطقة شرق رفح في 3 مواقع وهي، شارع جَكَر، وهو شارع أنشأته كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس، بغرض مراقبة الشريط الحدودي مع إسرائيل، حيث يوازيه من الجنوب إلى الشمال، ويبعد عنه قرابة 300 متر، ويتم سرقة الشاحنات عقب خروجها من معبر كرم أبو سالم وبدء سلوكها هذا الشارع قبل أن تتجه غربا باتجاه مدينة رفح.

الموقع الثاني هو شارع الكركار، ويتجه هذا الشارع إلى الغرب انطلاقا من شارع “جكر”، ويتم سرقة الشاحنات التي تعبر من خلاله على بُعد كيلومتر واحد من الشريط الحدودي.

أما الموقع الثالث والأخير الذي تسرق فيه المساعدات بمنطقة شرق رفح فهو شارع صلاح الدين، حينما تسلك الشاحنات شارع صلاح الدين داخل مدينة رفح، متجهة نحو الشمال باتجاه خان يونس ووسط القطاع، تهاجمها عصابات اللصوص، في منطقة لا تبعد عن الشريط الحدودي سوى كيلومترين فقط على أبعد تقدير.

بالتوازي مع ذلك، تتم سرقة المساعدات من أشخاص غير مُنظمين، الذين يستهدفون الشاحنات التي تختار العبور من خلال شارع الرشيد الساحلي قادمة من معبر كرم أبو سالم (مستخدمة الطريق المحاذي لمحور فيلادلفيا الحدودي مع مصر)، في المنطقة بين رفح وخان يونس.

وتساعد إسرائيل على سرقة هذه المساعدات من خلال استهداف طائراتها عناصر تأمينها.

ثانيا: بحسب مصادر فلسطينية تحدثت للجزيرة نت من شمالي القطاع (غزة ومحافظة الشمال)، فإنه لا توجَد عصابات منظمة في شمالي القطاع تسطو على المساعدات، كما أن عمليات السرقة من قبل أفراد غير منظمين في انخفاض ملحوظ.

كم عدد شهداء تأمين المساعدات؟

خلال الشهور الماضية، تم تأسيس شركات حراسات خاصة لتأمين المساعدات، لكنها لم تسلم أيضا من اعتداءات جيش الاحتلال، الذي قتل خلال الحرب 736 عنصرا من الشرطة وأفراد تأمين المساعدات في 149 هجوما نفذه بشكل مباشر ومتعمد، بحسب آخر تحديث للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، أصدره أمس الأربعاء.

كيف يُصرّف اللصوص المسروقات؟

بحسب العديد من المصادر التي تحدثت للجزيرة نت، لا يغادر أفراد العصابات المسلحة منطقة شرق رفح، خوفا من استهدافهم من قبل الشرطة الفلسطينية.

ويصرّف اللصوص المسروقات من خلال بيعها لتجار يدخلون لمناطقهم ويشترونها منهم.

ما تأثير سرقة المساعدات على الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة؟

تفاقم سرقة المساعدات الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، نظرا لقلة ما تسمح إسرائيل بإدخاله منها، وهو ما يحرم مئات الآلاف من السكان من الحصول على الطعام.

فعلى سبيل المثال، عرقلت عملية السرقات برنامج طوارئ أطلقته وكالة أونروا لتوزيع كيس دقيق على كل أسرة فلسطينية لمواجهة “الجوع”.

كما هدد سرقة كميات من الوقود بإيقاف العمل في المستشفيات وأقسام العناية المكثفة ومراكز غسيل الكلى، بالإضافة إلى تعطيل ضخ البلديات للمياه للسكان.

شاركها.
Exit mobile version