كتب – أحمد زكي : في أرض العجائب والأساطير، حيث الحضارة المصرية القديمة تقف شاهدة على عبقرية الأجداد، تتجلى واحدة من أعظم الظواهر الفلكية والهندسية التي أبهرت العالم على مر العصور. الشمس، تلك التي عبدها القدماء وقدسوا دورها في الحياة، تعلن بداية فصل الشتاء بتعامدها الساحر على قدس الأقداس في معبد الكرنك. ظاهرة فريدة تحمل في طياتها سرًا عمره آلاف السنين، صممها المصريون القدماء بدقة متناهية، تاركين العالم في دهشة وانبهار لا ينتهي. مصر جاءت، ثم جاء العالم، لتبقى أم الدنيا مركزًا للإبداع والإعجاز.
من قلب مدينة الأقصر، حيث يقف معبد الكرنك شامخًا كواحد من أعظم الصروح التاريخية في العالم، تتكرر ظاهرة تعامد الشمس على قدس الأقداس يوم 21 ديسمبر من كل عام، لتعلن بداية فصل الشتاء. هذه الظاهرة ليست مجرد حدث فلكي، بل هي شهادة حيّة على عبقرية الهندسة المعمارية والفلكية للمصريين القدماء.
ظاهرة تعامد الشمس
في لحظة مهيبة، تخترق أشعة الشمس الأعمدة الضخمة للمعبد لتصل بدقة إلى قدس الأقداس، المركز الروحي والرمزي للمعبد. هذه اللحظة التي تستمر لدقائق معدودة، تجذب أنظار علماء الفلك والهندسة والسياح من مختلف أنحاء العالم. إنها لحظة تثير تساؤلات حول كيف استطاع المصريون القدماء تصميم هذه الظاهرة بإمكانياتهم البسيطة، وكيف ارتبطت هذه الأحداث الفلكية بالمعتقدات الدينية للحضارة المصرية.
عبقرية المصريين القدماء
ظاهرة تعامد الشمس ليست مجرد مصادفة، بل هي نتاج دراسة دقيقة لحركة الشمس والأفلاك، ودمجها مع الهندسة المعمارية. المعبد بُني بحيث يتماشى محوره مع النقاط الفلكية المحددة، ما يثبت أن المصريين القدماء كانوا روادًا في علم الفلك.
السياحة والثقافة
هذا الحدث السنوي يجذب الآلاف من السياح وعشاق الحضارة المصرية إلى معبد الكرنك، حيث يندمج التاريخ مع الجغرافيا، والهندسة مع الروحانية. تُعد هذه الظاهرة فرصة فريدة للترويج للسياحة الثقافية في مصر، وتسليط الضوء على التراث المصري الذي لا يزال ينبض بالحياة.
إن ظاهرة تعامد الشمس على قدس الأقداس ليست مجرد ظاهرة طبيعية أو هندسية، بل هي رسالة من الماضي تُذكر العالم بعبقرية الحضارة المصرية التي أثرت البشرية وأسست لمفاهيم العلم والفن. مصر، بحق، أم الدنيا، التي لا تزال تبهر العالم بأسرارها وإبداعها.