لقد وضعت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الأخيرة غرينلاند في دائرة الضوء الإعلامي العالمي، ولكن ما رأي سكان الجزيرة في اهتمامه بها؟

اعلان

تعد كوبانوك أولسن هي أشهر المؤثرات في غرينلاند. ولديها أكثر من 500,000 متابع على تيك توك و300,000 متابع على إنستغرام، وتروج مقاطع الفيديو المبهجة التي تنشرها للحياة في الجزيرة القطبية الشمالية من خلال مشاركة ما يطيب من الطعام والثقافة واللغة والتقاليد المحلية.

ولكن في الأسابيع الأخيرة، أصبحت التعليقات تحت منشوراتها تحمل طابعا سياسيا بشكل لافت، وأوضحت أن رجلا واحدا هو المسؤول عن ذلك – الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ما أجبر بالمؤثرة أولسن البالغة من العمر 39 عامًا على عدم الهروب من النقاش في مسألة مصيرية، وقالت: “على الرغم من أنني لم أكن قلقة من ادعاءات الرئيس الأمريكي المنتخب في البداية، إلا أنني عندما رأيت طائرة دونالد ترامب الابن تحلق فوق الجزيرة، قلت في نفسي: “حسناً، هذا أكثر واقعية من بعض التصريحات الباطلة، ولكننا لسنا للبيع، فهو لن يشترينا”.

وفي 7 كانون الثاني/يناير، كرر ترامب رغبته في الاستحواذ على غرينلاند وهي أراض دنماركية تتمتع بحكم ذاتي “لأغراض الأمن القومي” حسب تعبيره، ورفض استبعاد استخدام الحصار الاقتصادي أو القوة العسكرية لتحقيق هدفه. وفي اليوم نفسه، سافر ابنه دونالد ترامب الابن إلى الجزيرة، تحت عنوان “رحلة شخصية ليوم واحد”.

تُعد غرينلاند أرضا خصبة باطنها يكنز من المواد الخام المهمة والأتربة النادرة، ويقول المحللون إن ذوبان الجليد في القطب الشمالي يوفر فرصا استراتيجية أكبر من أي وقت مضى للتجارة والطاقة والنقل في منطقة يتصارع فيها الخصوم الجيوسياسيون على النفوذ.

تصوير سكان غرينلاند بشكل خاطئ على أنهم من مؤيدي الماغا

بعد زيارة دونالد ترامب الابن، بدأت تنتشر على الإنترنت صور سكان غرينلاند وهم يرتدون قبعات MAGA (اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى). ووفقًا لوسائل الإعلام المحلية، فقد وزعها فريق ترامب على المشردين مقابل وجبة مجانية.

تقول أولسن: “لقد آلمني أن أرى أناسًا يستغلهم ترامب، والكثير منهم لا يعرفون شيئًا عن السياسة”.

أما مهندس التعدين السابق الذي تحول إلى صانع محتوى فقال إنه لم لم يسبق له أن نشر محتوى سياسيا من قبل، ولكن مع تصريحات ترامب الأخيرة وكمية الأسئلة التي تلقاها شعر بضرورة الرد وعدم الهروب.

في مقطع فيديو حديث ردت فيه أولسن – التي تؤيد استقلال الجزيرة عن الدنمارك، على النقاش السياسي، “لتحقيق الاستقلال يجب علينا إي (غرينلاند) إقامة علاقات تجارية مع دول أخرى غير الدنمارك”، مضيفةً أنها تأمل أن “يعزز سكان الجزيرة العلاقات مع الإسكيمو في كندا وألاسكا”، على حد قولها.

ويشار إلى أن ما يقرب من 90% من سكان غرينلاند البالغ عددهم 57,000 نسمة هم من الإنويت (السكان الأصليون)، وفقًا لمسح أجرته مجموعة حقوق الأقليات. وتعمل منظمات مثل مجلس الإنويت القطبي الذي تأسس في عام 1977 على تعزيز وحدة 180 ألف إنويت من ألاسكا وكندا وغرينلاند وتشوكوتكا في الشرق الأقصى الروسي والاحتفاء بها.

ترامب يحرض سكان غرينلاند ضد الدنمارك

وكالعديد من سكان الجزيرة الباردة تأمل أولسن أن يحفز اهتمام ترامب الشديد بغرينلاند الدنمارك على تقدير قيمة الجزيرة.

ويرى ثورستن بورينغ أولسن، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة آرهوس الدنماركية، أن “إدارة ترامب المقبلة تحاول إثارة المشكلات لظنها أنها قد تكون أكثر قبولا في التعامل مع سكان غرينلاند بخلاف الدنماركيين”.

وقد حذرت رئيسة وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن ترامب من أن الأمر متروك لغرينلاند لتقرير مستقبلها.

وفي مقابلة حديثة مع قناة فوكس نيوز، قال نائب الرئيس الأمريكي المنتخب جي دي فانس إن “الدنمارك لم تقم بعمل جيد بما فيه الكفاية في حماية غرينلاند”، مضيفاً أن “دونالد ترامب جيد في عقد الصفقات وأعتقد أن هناك صفقة يجب عقدها في غرينلاند”.

بدأ ترامب في إبداء اهتمامه بشراء غرينلاند خلال فترة رئاسته الأولى وأعاد فتح قنصلية في عاصمة الجزيرة نوك في عام 2020.

كانت غرينلاند مستعمرة دنماركية حتى عام 1953، ولكنها الآن إقليم يتمتع بالحكم الذاتي، في عام 2009، تم تمرير قانون الحكم الذاتي الذي يمنحها الحق في المطالبة بالاستقلال من عبر تنظيم استفتاء.

اعلان

ووفقاً لاستطلاع للرأي أجرته جامعتا كوبنهاغن وغرينلاند في عام 2019، فإن أكثر من ثلثي سكان الجزيرة يريدون الاستقلال عن الدنمارك خلال العقدين المقبلين، خطور قد تحمل في طياتها الكثير من التعقديات.

فغرينلاند تعتمد بشكل كبير على تمويل الدنمارك لخدماتها العامة وبنيتها التحتية، حيث حصلت على منحة إجمالية تبلغ حوالي 576 مليون يورو من الدنمارك في عام 2024 – وهو ما يمثل 53% من إيرادات حكومة غرينلاند.

علاقة حب وكراهية

قصىة أخرى عن ثبات سكان الجزيرة، حيث نشأت جوزيفيا لاوث تومسون في نوك، ولكنها تعيش الآن في الدنمارك بشكل دائم مثل حوالي 17,000 من سكان غرينلاند.

الجزيرة هي واحدة من 13 دولة وإقليم ما وراء البحار (OCTs) المرتبطة بالاتحاد الأوروبي بسبب علاقاتها مع الدنمارك الدولة العضو. وهذا يعني أن سكان غرينلاند يحملون جنسية الاتحاد الأوروبي.

اعلان

وتقول جوزيفينا: “هناك ما يشبه علاقة حب وكراهية بين غرينلاند والدنمارك. قد تكون الأشياء التي يقولها الدنماركيون عن غرينلاند قاسية، ولكن سماع شخص خارج النقاش مثل ترامب يتحدث عن غرينلاند بهذه الطريقة جعلني أفكر “انتظر، ماذا؟

فتاريخ الاستعمار يوَلِد بالإضافة إلى قائمة من الفضائح استياء العديد من سكان غرينلاند تجاه الدنمارك. كانت إحدى هذه الفضائح هي التركيب القسري لوسائل منع الحمل (اللولب الرحمي) على 4500 شابة من الإنويت، دون موافقتهن أو موافقة عائلاتهن، خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ونفذت السلطات الدنماركية هذه الحملة بهدف الحد من معدل المواليد في إقليم القطب الشمالي.

وتضيف تومسون: “أتمنى فقط أن نتحدث أكثر عن الناس الذين يعيشون هنا، بدلاً من التفكير فيهم كشيء يمكن أن نأخذه فقط”.

تعمل تومسون لصالح المنظمات والجمعيات الخيرية التي تعمل على زيادة الوعي بتاريخ الجزيرة وتعزيز السياحة المستدامة. ومع استعداد شركة الخطوط الجوية الأمريكية يونايتد إيرلاينز للسفر مباشرة من نوك إلى نيويورك اعتبارًا من تموز/يوليو، تعتقد تومسن أن غرينلاند ستجذب المزيد من السياحة بعد أن جذبت الكثير من الصحافة في أعقاب تصريحات ترامب.

اعلان

ومع ذلك، فلدى جوزيفينا تومسون أيضا بعض المخاوف حيث تخشى أن تشهد غرينلاند “تأثير أيسلندا”، فقد كانت هناك طفرة في السياحة، ولم تكن السياحة منتشرة في جميع أنحاء البلاد، ولم تستمر”.

بالإضافة إلى السياحة المستدامة، فإن مسألة الصناعة المستدامة هي أيضًا قيد النظر. ففي عام 2021، أقرت غرينلاند قانونًا يحظر تعدين اليورانيوم كجزء من تركيزها على معالجة آثار تغير المناخ.

ونتيجة لذلك، أفادت التقارير أن إحدى شركات التعدين الأسترالية المرتبطة بالصين تقاضي غرينلاند مقابل 11.5 مليار دولار (11.2 مليار يورو) بسبب الإيرادات المفقودة.

يقول أوليسن من جامعة آرهوس: “على عكس ما يعتقده الناس، فإن اقتصاد غرينلاند بخلاف صيد الأسماك ليس متطورًا إلى هذا الحد”. فقد أظهرت بيانات حكومية أن صيد الأسماك مثّل حوالي 95% من إجمالي صادرات غرينلاند في عام 2021، بقيمة 589 مليون يورو في ذلك العام.

اعلان

تاريخ غرينلاند المعقد

في حين أدان رئيس وزراء غرينلاند رغبة ترامب في الاستحواذ على الجزيرة، ذكر أن الجزيرة جزء من قارة أمريكا الشمالية، “مكان يراه الأمريكيون جزءًا من عالمهم”.

سكان غرينلاند الأوائل وصلوا إليها قبل 4500 عام، وكانوا يعيشون على صيد البر والبحر، ومع ذلك، يعود سبب وجود غرينلاند على الخريطة الأوروبية إلى شخص واحد هو هانز إيغيده، وهو مبشر دنماركي نرويجي وصل إلى هناك في عام 1721.

وقد أسس إيغيده، المعروف أيضًا باسم رسول غرينلاند، مستعمرة وأقام علاقات مع شعب كالاليت من الإنويت فيها. وعندما انفصلتا الدنمارك والنرويج في عام 1814 عن بعضهما البعض، انتقلت غرينلاند إلى التاج الدنماركي.

وخلال الحرب العالمية الثانية، جذبت غرينلاند اهتماماً متزايداً من الولايات المتحدة. ومع وقوع الدنمارك تحت الاحتلال الألماني، أنشأت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في غرينلاند للحماية من التوغلات النازية.

اعلان

ومنذ ذلك الحين أصبحت الجزيرة بقعة استراتيجية للغاية في شمال المحيط الأطلسي، حيث كثفت روسيا والصين أنشطتهما العسكرية والتجارية في القطب الشمالي، فضلاً عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة.

الطريق إلى الاستقلال؟

تمثل آجا كيمنيتس وهي واحدة من نواب حزب الإنويت المؤيد للاستقلالأتاكاتيغيت في البرلمان الدنماركي

تعتقد النائبة البرلمانية أنه يمكن تحقيق الاستقلال، ولكن ليس على المدى القصير. كما تعترف كيمنتس بقيمة الشراكة مع أمريكا حيث تقول: “لدينا كل شيء من أجل بلدنا ومصلحتنا في الحصول على استثمارات أمريكية في مجال استخراج التربة النادرة”، لكنها تحذر من التهاون عند التعامل مع ترامب وتشدد على ضرورة إظهار موقف حازم وثابت.

وتعتقد كيمنتس أن أوروبا يمكنها أيضًا أن تلعب دورًا أكبر في غرينلاند، حي4 إن لدى الاتحاد الأوروبي مكتبا في نوك، ولكن سيكون من المنطقي أن تأتي أورسولا فون دير لاين إلى غرينلاند مرة أخرى”.

اعلان

القادة الأوروبيون أدانوا بشدة تصريحات ترامب بشأن غرينلاند، حيث حذر المستشار الألماني أولاف شولتز الرئيس ترامب من تهديد “الحدود السيادية”.، فالجزيرة مشمولة بمعاهدة شمال الأطلسي، ما يعني أن أي هجوم عليها سيجبر حلفاء الناتو الآخرين على الدفاع عنها، وهذا يشمل الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الفنية.

وفي آذار/مارس الماضي، سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع رئيسة وزراء الدنمارك فريدريكسن لافتتاح مكتب للمفوضية في نوك. وقد مُنحت غرينلاند 225 مليون يورو كدعم من الاتحاد الأوروبي لقطاعات التنمية المستدامة والتعليم والنمو الأخضر للفترة 2021-2027، وفقًا للمفوضية. ومن المرجح أن تكون هذه الأموال هي مفتاح دفع غرينلاند نحو الاستقلال.

”إن الأحزاب السياسية في غرينلاند مؤيدة للاستقلال، ولكن ما يختلف بين الأحزاب المختلفة هو الجدول الزمني للخطوة المصيرية، فإن كان الدفع بشكل جذري من أجل ذلك، فقد يُعتقد أن الأموال الأمريكية يمكن أن تخلق طريقًا سريعًا نحو الاستقلال“ بحسب أوليسن يقول أوليسن.

شاركها.
Exit mobile version