وتكلل الصبر الطويل للصادق بحصوله على بطاقة شحن محدودة السعة من أحد معارفه في ولاية غرب كردفان السودانية، واستطاع بموجبها كسر عزلته الافتراضية لساعات قليلة مكنته من التواصل مع عائلته، قبل أن يدخلها مجدداً ويبدأ مشوارا آخرا للبحث عن “رصيد” وسط حالة من اليأس تخيم عليه.
واقِع محمد ينطبق على نحو 15 مليون سوداني يستخدمون هواتف إلكترنية وفق آخر حصيلة لوزارة الاتصالات السودانية، ويعانون في الحصول على بطاقات شحن تمكنهم من التمتع بخدمات الإنترنت والاتصالات، بعد ان أُغُلقت كافة منابع الحصول على “الرصيد” كما يسمونه محلياً، وذلك بسبب المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع المستمرة منذ منتصف أبريل الجاري.
ويعمل غالبية المشتركين في شركات الهاتف بالسودان وعددها 3 شركات، بنظام خدمة “الدفع المقدم” والتي تستلزم التغذية المسبقة عبر بطاقات الشحن أو خدمة “تحويل الرصيد” المتاحة في متاجر متخصصة، بينما كانت تطبيقات مصرفية تتيح الخدمة ولكن توقفت جميعها مع استمرار الحرب.
تبادل الرصيد
ومع تصاعد وتيرة الأزمة تداعى السودانيون لمساعدة بعضهم عبر مجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على “تغذية” لهواتفهم، ونحج الكثيرون في تبادل “الرصيد” المحدود فيما بينهم، فهناك من يحتفظون بسعات واسعة قاموا بتغذيتها قبل اندلاع الاشتباكات المسلحة، وآثروا تقاسمها مع معارفهم وأصدقائهم في هذه الظروف العصيبة.
ويقول عبد الرحيم سليمان لموقع “سكاي نيوز عربية”: “كتبت على صفحتي بفيسبوك حاجتي إلى رصيد، ولم يمض وقت طويل حتى بادر عدد كبير من أصدقائي وبتحويله لي. إنها قيمة التكافل الموجودة عندنا كسودانيين، نحن تقاسم كل شيء حتى بطاقات شحن الهواتف في هذه الظروف العصيبة التي نأمل في تجاوزها قريبا”.
ويشير محمد الصادق إلى أنه واجه صعوبات كبيرة وهو يقبع داخل منزله في ضاحية الصالحة جنوبي أمدرمان بعد أن نفد شحن هواتف جميع من معه، حتى باقة اشتراكه في الإنترنت نفدت، “لذلك لم نتمكن من مناشدة أصدقائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فظلت محتاراً حتى اتصل علي صديقي من غرب كردفان إذ أن استقبال المكالمات خدمة مجانية في السودان، فأسعفني برصيد”.
ويقول الصادق: “لقد عشت لحظات عصيبة وأنا دون اتصالات أو إنترنت، حيث كنت مشفقا على أوضاع أقاربي وأصدقائي، في حين كان نطاق التحرك محدودا للغاية داخل الحي السكني بسبب الانتشار الكثيف للمجموعات المسلحة واستمرار الاشتباكات العسكرية”.
وتدخل الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، اليوم الثالث عشر على التوالي، تفاقمت معها الأوضاع الإنسانية للسودانيين والتي تمثل صعوبة الحصول على بطاقات شحن الهواتف وما يسببه من عزلة، واحدا من أبزر تجلياتها.