في صورة تعكس طبيعة المعارضة التي يريدها نظام أسد، تكشف وثائق ضلوع متنفذين وأحزاب في عمليات نصب واحتيال على السكان، من خلال سرقة أموال المكتتبين ضمن المشاريع السكنية التي تديرها في دمشق، وبيع عقود مزورة بمئات الملايين.
ولطالما كانت مشاريع التعاون السكني في سوريا بيئة للفساد ونهب أموال السوريين قبل عام 2011، حتى تتحول إلى مصدر ثراء طبقة المتنفذين الجدد وقادة الأحزاب ممن يصدرهم نظام ميليشيا أسد واجهة المعارضة الداخلية في مناطق نفوذه.
حزب الشباب يحتال على السوريين
وفي آخر ملفات الفساد المستشري داخل قطاع التعاون السكني، تتهم صفحات موالية الأمينة العامة لحزب “الشباب للبناء والتغيير” المحسوب على المعارضة الداخلية “بروين إبراهيم” وأعضاء آخرين داخل الحزب، بالاحتيال على مئات المواطنين عبر بيع نحو 1700 دفتر اكتتاب على منازل ضمن جمعية “السمو السكنية” بريف دمشق.
وأرفقت المواقع عدداً من الصور لمحاضر اكتتاب ودفاتر “وهمية” بيعت للسكان مقابل مبالغ تقدر بمئات الملايين، فضلاً عن تزوير دفاتر لتحصيل الأموال من قبل المنتفعين وجمعيات التعاون السكني، تحمل اسم وتوقيع المسؤولين عن الجمعية “أنس سليق ويوسف مدبس”.
وتوسعت عملية الاحتيال لتشمل بيع محاضر وشقق “وهمية” في العديد من المواقع ومنها مشروع بناء داخل ضاحية “الفيحاء السكنية” الذي يفترض أن يتكون من 30 شقة، جرى بيع مئات الدفاتر الخاصة بالمشروع، وتحصيل مليارات الليرات.
وأكدت مصادر محلية لـ أورينت نت صحة ما ورد، مشيرةً لوجود العديد من قضايا الفساد الخاصة بجمعية السمو، والكثير من الجمعيات العاملة في ضاحية الفيحاء بريف دمشق نائمة داخل أدراج مديرية التعاون السكني، دون أن ترفع إلى مكتب وزارة الأشغال العامة والإسكان.
وبحسب المصادر، فإن أبرز هذه الملفات يتمثل بوجود عجز بمواد البناء “الحديد”، مع وجود زيادة على الكميات المطلوبة من البيتون وسحب الإسمنت، وتتبع الدفاتر والمحاضر التي يجري بيعها من قبل السماسرة والمتعاونين مع إدارة الجمعيات.
وتأسس حزب “الشباب للبناء والتغيير” عام 2012 وفق المرسوم رقم 100 الناظم لعمل الأحزاب الصادر عن نظام أسد، حيث يقدم نفسه على أنه حزب معارض “تحت سقف الوطن”، وقد سبق أن واجهت “بروين إبراهيم” تهمة “تحويل الأموال وإذاعة الأخبار الكاذبة” الأمر الذي دفع الحزب إلى نفي الادعاءات التي اعتبرها مؤامرة ومحاولة لاعتقال الكلمة والرأي والرؤى.
فساد مشروع الفيحاء
فساد جمعية “سمو” فتح ملفات العديد من الجمعيات السكنية العاملة في ضاحية “الفيحاء” على طريق دمشق – بيروت، ومنها جمعية “يبرود للسكن والاصطياف” التي تعرض المكتتبين القدامى فيها لعملية نصب وسرقة تحت الترهيب من قبل مسؤولي الجمعية.
وفي عام 2014، سمح بشار أسد وبموجب أمر إداري في بدء عملية بناء ضاحية الفيحاء السكنية في منطقة الديماس وعلى مساحة تقدر بـ “150” هكتاراً تكفي لبناء نحو “11 ألف وحدة سكنية” وزعت أقسامها على الجمعيات السكنية.
وبحسب مصادر محلية فإن رئيس مجلس إدارة الجمعية “سميرة كبور” وابنتها “كنانة التيناوي” وبالاشتراك مع المهندس المشرف والمنفذ “أحمد عرابي” قاموا بابتزاز وتهديد أعضاء الجمعية والمكتتبين للتنازل عن محاضرهم، رغم إلزامهم بدفع الملايين مقابل الحصول على شققهم، ليتبين قيامهم ببيع الدفاتر دون علم أصحابها، حيث وإلى جانب رئاستها جمعية يبرود السكنية، تتشارك “سميرة كبور” رئاسة شركة “يحيى وكبور” المحدودة المسؤولية لاستيراد وتصدير مواد البناء في دمشق، والتي أسست عام 2022.
وكشفت عملية الفساد للمكتتبين جراء تصاعد الخلافات بين “الكبور وعرابي”، على خلفية العجز الكبير الذي ظهر في مواد البناء، وقيام المهندس عرابي ببيع جزء كبير من المواد في السوق السوداء دون مشاركة الكبور بعائداتها، حيث تشير المصادر إلى أن الكبور تتمتع بحماية فرع الأمن العسكري بدمشق، إضافة لاستغلالها شبكة علاقاتها مع مسؤولي مؤسسات أسد المدنية، التي مكنتها من الهيمنة على العديد من المشاريع الخاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية في مدينة يبرود بريف دمشق ومنها دور الأيتام ورعاية المسنين.
هدم الدولة
ورغم قناعة الغالبية العظمى من السوريين بفساد مشاريع التعاون السكني التي تعتبر بيئة خصبة للاحتيال والنصب، كان لافتاً دخول شخصيات وأحزاب سياسية إلى هذا الحقل والمخاطرة بحاضنتهم الشعبية المفترضة مقابل تحصيل الأموال والثراء في ظل غياب الرقابة والاكتراث الحكومي.
واعتبر رئيس فرع نقابة المهندسين بحلب “يحيى نعناع” أن تعتيم نظام أسد على أعمال الجمعيات السكنية وعدم ملاحقتها قضائياً يعد طبيعياً، خاصة وأنه جزء من هذا الفساد الذي يندرج ضمن سياسة التخريب الممنهج للدولة.
وتابع: “يحاول النظام الهروب إلى الأمام وتهيئة أدواته من الرجالات المحسوبين عليه للمرحلة القادمة التي ينتظر فيها مشاريع إعادة الإعمار، وبالتالي فإن إدراج قادة الأحزاب السياسية وغيرهم ضمن حقل المشاريع السكنية ليس بالجديد، خاصة وأن هذه الأحزاب وعلى اختلاف توصيفاتها ومسمياتها ترجع لمظلة الجبهة التقدمية التابعة لحزب البعث”.
وأضاف: “تسيطر الطبقة التي تدور في فلك السلطة على قطاع التعاون السكني والجمعيات السكنية، إذ لا يمكن لأي جمعية سكنية غير تابعة لهذه الفئة العمل ضمن القطاع، وبطبيعة الحال فإن هذه الجمعيات التي تتوسع بافتتاح فروع في المحافظات تغطي نفقاتها من جيوب المكتتبين، مع ضمان عدم محاسبتهم أو إحالتهم للقضاء، إذ لم تتعدَّ إجراءات النظام نقلهبم أو كف يدهم فقط”.
وبلغ عدد الجمعيات التعاونية السكنية في سوريا أكثر من 3000 جمعية، 620 في دمشق وحدها، ويواجه قسم كبير منها دعوات واتهامات بالسرقة والاحتيال، إذ سجلت عشرات قضايا النصب التي ملأت القصر العدلي دون جدوى أو تحرك يذكر.
