الخرطوم- رأى مساعد رئيس الجمهورية السابق زعيم حزب الأمة السوداني مبارك الفاضل المهدي، أن قوى دولية “كانت تبحث عن تثبيت وضع سياسي محدد في البلاد، استخدمت قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” واستدرجته للاستيلاء على السلطة، مستغلة طموحه وصراعه مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، لتنفيذ مخططها ثم التخلص منه فيما بعد”.
وقال المهدي في حوار مع الجزيرة نت، إن نفوذ حميدتي يستند على المال والقوة العسكرية التي بناها من الدولة، ومع غياب هذه القوة أو ضعفها ومصادرة أمواله كما هو متوقع، فلن يكون في مقدوره القيام بأي عمل مؤثر، مضيفا أن “ما فعله أفقده مستقبله السياسي”.
وتوقّع أن يتغير المشهد السياسي كثيرا بعد الحرب، وقال إن الكلمة في الجيش لن تكون للبرهان وحده، لأنه يتحمل مسؤولية السماح بتوسّع الدعم السريع بعد تعديل قانونه، كما أنه ارتكب أخطاء سياسية جسيمة.
وفيما يأتي نص الحوار:
-
برأيك ما الأسباب الحقيقية لاندلاع المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي؟
“الدعم السريع” حاول الاستيلاء على السلطة بهجوم متزامن على مقر قيادة الجيش ومنزل قائده عبد الفتاح البرهان والقصر الجمهوري ومطارات الخرطوم ومروي والأبيّض وقاعدة جبل أولياء الجوية وكثير من المؤسسات العامة، واستقطب عناصر من داخل المؤسسة العسكرية، ولولا استبسال الحرس الرئاسي الذين سقط منها 35 قتيلا لما نجا البرهان.
وكانت خطة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بعد الاستيلاء على مقر قيادة الجيش وتحييد قيادات المكون العسكري إما بالتصفية أو الاعتقال، أن يتولى أحد الضباط الموالين له قيادة الجيش ويعيّن هيئة جديدة للقيادة العسكرية، ثم يتولى حميدتي رئاسة مجلس السيادة بعد عزل رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان أو قتله، ثم الطلب من حلفائه السياسيين في قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي تشكيل الحكومة.
وفي تقديري أن حميدتي كان يعتقد أنه سيجد السند الخارجي والاعتراف الدولي، باعتبار أنه سيبعد المجموعات الإسلامية من الجيش وينفذ أجندة الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان عبرتا عنها في الآلية الرباعية الدولية المعنية بملف السودان، التي تضمهما إلى جانب السعودية والإمارات.
-
يرى الجيش أنها محاولة للاستيلاء على السلطة، وتعتبرها قيادة “الدعم السريع” انقلابا عليها من البرهان. فأين الحقيقة؟
الخلاف بين الجيش والدعم السريع موجود، لكن ما جرى محاولة واضحة للاستيلاء على السلطة بالقوة، مثل ما حدث في يوليو/تموز 1976 عندما سعت المعارضة للإطاحة بنظام الرئيس السابق جعفر النميري، بشلّ القيادة العسكرية وتحرّك ضباط من داخل المؤسسة العسكرية لتتولى القيادة وتنزل القوى السياسية المساندة إلى الشارع لدعم التحرك.
وشارك في “عملية حميدتي” 57 ألف مقاتل، منهم 27 ألفا من أبناء عشيرته ومرتزقة أجانب من غرب أفريقيا، و30 ألف مقاتل من المجندين خرجوا منذ بداية المعركة.
-
ولماذا فشل مخطط الاستيلاء على السلطة؟
رغم أن استعداد الجيش كان بنسبة 40%، لكنه استبسل في مقر القيادة وأحبط العملية التي استهدفت شل قيادته والسيطرة على مقرها وتصفية القيادة العسكرية وتقديم القيادة البديلة المتحالفة مع حميدتي.
وفي الجانب السياسي، لم تستطع قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي الدفاع عما قام به “الدعم السريع”، لكنهم حاولوا إحداث تشويش باتهام الإسلاميين بأنهم سبب في تفجر الأوضاع.
-
هل تعتقد أن هناك أصابع أجنبية لها صلة بما حدث؟ وما مؤشرات ذلك؟
نعم، أنا على يقين أن هناك أصابع أجنبية أقنعها حميدتي بأنه يستطيع استلام السلطة، كما حدث للرئيس العراقي السابق صدام حسين مع السفيرة الأميركية في بغداد، حيث اعتبر حديثها معه ضوءا أخضر لغزو الكويت.
ويبدو أن قوى دولية كانت تبحث عن تثبيت وضع سياسي محدد في البلاد، استخدمت حميدتي واستدرجته مستغلة طموحه وصراعه مع البرهان، لتنفيذ مخططها ثم التخلص منه فيما بعد.
وواضح أن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك كان مرشحا من تلك الجهات للعودة إلى منصبه. ومثل هذه المخططات تحتاج إلى دعم سياسي واقتصادي خارجي.
لا أريد أن أسمّي جهة محددة، ولكن دول الترويكا المعنية بالسودان والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، كانت تسعى للتخلص من الإسلاميين، وذهبوا في اتجاه إقصاء القوى الوطنية الرئيسية مثل كيان “الأنصار” الذي يمثل قاعدة حزب الأمة، وكيان “الختمية” الذي يرتكز عليه الحزب الاتحادي الديمقراطي، بجانب إبعاد الطرق الصوفية وتسليم السلطة لمجموعات ليبرالية يسارية ليس لديها عمق اجتماعي أو سند سياسي.
وبعد دخول حميدتي بطموحه السياسي للتحالف مع هذه المجموعات، شجعته بأنه سيصبح بطلاً وسيجد دعماً دولياً في حال مواجهة البرهان وإبعاد الإسلاميين من الحياة السياسية، واستخدام قوة الدعم السريع للسيطرة على الجيش.
-
ذكر الجيش في أحد بياناته أن هناك أطرافا داخلية لها صلة بما حدث، فمن يقصد برأيك؟
استطاع حميدتي السيطرة على قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي من خلال التمويل، خاصة أن قادة مكونات التحالف ليس لديها التأثير والخبرة وكانت تعتمد على قوى أجنبية، وفي المقابل كانت تعمل عبر حميدتي من أجل محاصرة قيادة الجيش والضغط عليها لتسليمها السلطة.
-
ثمّة مخاوف من تمدّد القتال من الخرطوم إلى بعض الولايات، وتحوّله إلى حرب أهلية. هل تعتقد أن هذا راجح؟
أستبعد هذا الخيار، فقوّات حميدتي تتألف من إثنيات داخلية ومرتزقة من مالي وتشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى، ومعظم هؤلاء يريدون أن يذهبوا للقتال في اليمن من أجل المال، وقيادة الدعم السريع من أسرة واحدة ليس لديها امتدادات اجتماعية تستطيع نقل الصراع إلى حرب في مناطق أخرى.
نفوذ حميدتي يستند على المال والقوة العسكرية التي بناها من الدولة، ومع غياب هذه القوة أو ضعفها ومصادرة أمواله كما هو متوقع، فلن يكون في مقدوره القيام بأي عمل مؤثر، بالإضافة إلى أن قوى قبلية كبيرة في دارفور ستقف في مناهضته، بعدما شارك في إخضاعها وضربها، وما فعله أفقده مستقبله السياسي.
-
بعد توقف الحرب، هل تتوقع أن يتغير المشهد السياسي؟ وهل ستستأنف العملية السياسية عبر الاتفاق الإطاري الموقع بين المكون العسكري وبعض القوى المدنية؟
المشهد السياسي سيتغير كثيرا بعد الحرب، ونأمل في تغيير نحو تقليص النفوذ الأجنبي السافر في الشأن السوداني، وبعدما حدث من تضحيات قدمها الجيش لا أعتقد أن الكلمة ستكون للبرهان وحده، لأنه يتحمل مسؤولية السماح بتوسع الدعم السريع بعد تعديل قانونه. كما أنه ارتكب خطأ جسيما بتسليم الشأن الوطني لقوى أجنبية، ومضى في تسليم السلطة لقوى صغيرة بلا تفويض شعبي، وقبل أن تتحول الفترة الانتقالية لساحة صراع أحزاب على السلطة. ما حدث سيجعل للجيش صوتا أعلى ورأيا أكبر.
-
هناك عدة مبادرات لحل الأزمة منها الأفريقية والأميركية السعودية وغيرهما. أيّهما الأكثر حظا لتحقيق اختراق ووقف نزيف الدم؟
أعتقد أنه لا توجد أي مبادرة ذات أهمية. الموضوع صار واضحا: مجموعة عسكرية قبلية نشأت من أخطاء النظام السابق، واكتسبت وضعا سياسيا في ظرف الثورة وحاولت الاستيلاء على السلطة، لكن الجيش بدد أحلامها. ولا مجال لوساطة هنا، لأن الأمر مرتبط بقوة تمردت وارتكبت جرائم، والجلوس معها يعني محاولة لمنحها وضعا في المستقبل، ولا أرى أن هذا سيحدث.
هناك حل واحد أمام قوات الدعم السريع، ويمكن أن يحدث ذلك عبر وساطة داخلية أو خارجية، وهو الاستسلام في مقابل العفو والنظر في دمجهم في الجيش، وإيجاد مخرج آمن لحميدتي وأخيه عبد الرحيم والسماح لهما بالمغادرة إلى دولة توافق على استقبالهما، بشروط محددة أو ضمانات بتقديمهما إلى محاكمة عادلة.
-
ذكرت تقارير بريطانية وأميركية أن حميدتي يتلقى دعما من مجموعة “فاغنر” الروسية ومن الجنرال الليبي خليفة حفتر، واستجلب مقاتلين من غرب أفريقيا. ألا ترى أن هذا أكبر من قدراته؟
إذا تأكد موضوع “فاغنر” وحفتر، فبلا شك ستكون وراءه قوى إقليمية مؤثرة. أما جلب مقاتلين مرتزقة فيمكن عبر المال، خاصة أنهم يأتون من دول فقيرة وبها امتدادات قبلية.
-
ألا تعتقد أن الانقسامات الداخلية والاستقطاب السياسي ومحاولة جهات الاستئثار بالسلطة خلق فراغاً شغلته القوى الأجنبية وباتت تتحكم في المشهد السياسي؟
أرى أن المشكلة بدأت بتغيير طبيعة فترة الانتقال من تهيئة البلاد لتحول ديمقراطي ومرحلة انتخابات إلى مرتع للصراع على السلطة، مما ساهم في تفكك القوى السياسية وأغرى التدخل الأجنبي. كما أن تردد البرهان وضعفه كان له أيضا دور في فتح المجال للقوى الأجنبية، وحمدوك طلب البعثة الأممية بتأثير من جهات خارجية.
وإذا لم نتخلص من تحكم القوى الأجنبية في المشهد السياسي، فإن الأمور لن تستقر، وإصرار هذه القوى على الاتفاق الإطاري، واستخدام حميدتي لمحاصرة البرهان وعزل قوى سودانية كبيرة ورعاية مجموعة سياسية محددة، هو ما أدى إلى الحرب الحالية.
-
ما السيناريوهات المتوقعة لمستقبل البلاد في ظل التطورات الراهنة؟
نتمنى أن تجري مشاورات سودانية لتجاوز أخطاء المرحلة السابقة التي أوصلتنا لهذه المرحلة، والتوافق على حكومة كفاءات مستقلة تشرف على تنظيم انتخابات أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها القوى الفاعلة وفق معايير محددة.
ونأمل أن يكون هناك استقرار والابتعاد عن أي تدخل أجنبي، ووضع أسس موضوعية سودانية لاختيار سلطة مدنية.