القدس المحتلة- أظهرت عمليات تصدي الاحتلال الإسرائيلي لصواريخ المقاومة الفلسطينية ثغرات جوهرية في منظومة “القبة الحديدية” أدت إلى تراجع أدائها في اعتراض وإسقاط الصواريخ قبل إصابتها مناطق إسرائيلية مأهولة خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وتكشّف ذلك في ظل إطلاق حركة الجهاد الإسلامي مؤخرا مئات القذائف الصاروخية التي استهدفت العمق الإسرائيلي ضمن عملية الرد التي سمتها المقاومة الفلسطينية “ثأر الأحرار” بعد هجمات بدأها الاحتلال فجر الثلاثاء الماضي وأدت إلى اغتيال 6 من المجلس العسكري لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي.
وتحدثت وسائل إعلام ومحللون عسكريون إسرائيليون عن تراجع القدرة الاعتراضية للقبة الحديدية على الرغم من المحاولات لسد الثغرات عبر تطوير وابتكار منظومات تعمل بالليزر.
وظهر ضعف القبة الحديدية في توفير الحماية للمدن الإسرائيلية التي تعرضت للقصف بصواريخ طويلة ومتوسطة المدى أطلقتها المقاومة الفلسطينية فوق تل أبيب في اليومين الأخيرين.
القبة الحديدية
تعتبر منظومة القبة الحديدية التي بدأ تطويرها عام 2007 وجرى إدخالها للخدمة العسكرية عام 2011 خط الدفاع الأول للتصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية.
وتختص القبة الحديدية بالتصدي للقذائف الصاروخية قصيرة ومتوسطة المدى التي تصل بين 40 وحتى 75 كيلومترا على الأكثر.
وفي البطارية الواحدة للقبة الحديدية 8 قاذفات تحتوي الواحدة منها على 20 صاروخا معترضا، ويمكن إطلاق صواريخ متعددة في وقت واحد، وتبلغ تكلفة الصاروخ الواحد 50 ألف دولار، أي أن إطلاق قاذفات بطارية واحدة منها يكلف أكثر من 8 ملايين دولار.
وتمت الاستعانة بالقبة الحديدية -وهي من تطوير شركة الصناعة العسكرية الإسرائيلية “رافائيل”- لأول مرة لمواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية خلال العدوان العسكري على غزة عام 2012 إبان العملية العسكرية الإسرائيلية “عمود السحاب” التي سمتها المقاومة “حجارة السجيل”.
وتشير المقارنة مع عملية “سيف القدس” في مايو/أيار 2021 والعدوان العسكري الحالي على غزة إلى تراجع قدرة القبة الحديدية على اعتراض القذائف الصاروخية التي استهدفت مناطق مأهولة بالمستوطنين، حيث إن قدرة الاعتراض تراجعت إلى 90% بعد أن كانت في السابق أكثر من 95%.
تحسن القدرات واختراق القبة
أمام تحسن القدرة الصاروخية لفصائل المقاومة خلال العملية الحالية “ثأر الأحرار” وفي ظل الحديث عن اختراق منظومة القبة الحديدية من قبل مجموعة تسمي نفسها “أنونيموس سودان” بالتزامن مع بدء العدوان الحالي على قطاع غزة أقرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتراجع قدرة القبة على اعتراض الصواريخ الفلسطينية.
ويعني هذا الإقرار أن القبة لا تستوفي الأهداف التي طورت من أجلها باعتراض القذائف الصاروخية التي تطلق على المناطق المأهولة، خصوصا أن قدرة صواريخ المقاومة وصلت إلى مدى أكثر من 150 كيلومترا وإلى مناطق أبعد من تل أبيب.
وعلى ضوء إطلاق سرايا القدس صواريخ طويلة المدى استهدفت العمق الإسرائيلي استعان جيش الاحتلال في الأيام الأخيرة بالمنظومة الدفاعية المسماة “مقلاع داود”.
مقلاع داود
تعتبر منظومة “مقلاع داود” الطبقة التالية في الدفاع الجوي الإسرائيلي، وهي نظام مصمم لاعتراض التهديدات الصاروخية المتقدمة المتوسطة والطويلة المدى والصواريخ التي يزيد مداها على 120 كيلومترا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية.
وصممت منظومة “مقلاع داود” لإسقاط واعتراض الصواريخ والقذائف التي يتراوح مداها بين 100 و300 كيلومتر، وكذلك الطائرات أو صواريخ كروز التي تحلق على ارتفاع منخفض والطائرات المسيرة.
وبدأ تطوير منظومة “مقلاع داود” عام 2016 مع تطور القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية وعدم كفاية القبة الحديدية لاعتراضها.
واختبرت المنظومة خلال الحروب والعمليات العسكرية ضد غزة، حيث تم تطويرها من قبل وكالة الدفاع الصاروخي الأميركي وبإشراف شركتي “رافائيل” و”رايثيون” الإسرائيليتين.
بين القبة والمقلاع
بدوره، يقول المختص في الشؤون العسكرية والباحث بالمنظومات الدفاعية يهوشوا كاليسكي إن صواريخ القبة الحديدية تحوم حول القذائف الصاروخية التي تطلق من غزة حتى تصطدم بها، وذلك خلافا لمنظومة صواريخ “مقلاع داود” التي تصيب الهدف مباشرة.
وأوضح كاليسكي في حديث للجزيرة نت أن لدى منظومة القبة الحديدية ثغرات وقصورا في ملاحقة القذائف الصاروخية التي تطلق من غزة، وبالتالي عدم اعتراضها جميعا، ومنها تلك التي تستهدف المناطق المأهولة، كما أنه ليس بمقدورها التحرك بالسرعة خلافا لمقلاع داود الذي يستطيع المناورة وملاحقة القذائف ويتحرك بسرعة تفوق سرعة الصوت.
وبرأي الباحث الإسرائيلي، فإن الاستخدام العملي الأول لمقلاع داود في عملية “السهم الواقي” توج بالنجاح، وقد يكون بمثابة أمر مشجع لتحصين الغلاف الجوي الإسرائيلي.
لكن الباحث في المنظومات الدفاعية قال إن “كثافة عمليات إطلاق الصواريخ من قبل الجهاد الإسلامي لا تضاهي القدرة الصاروخية لحركة حماس، كما أن تكلفة عملية الاعتراض التي يقوم بها مقلاع داود أغلى بكثير من القبة الحديدية، حيث إن سعر كل صاروخ معترض يبلغ حوالي مليون دولار”.
اختبار للجبهة الشمالية أيضا
من جانبه، يعتقد إيتاي بلمونتال مراسل الشؤون العسكرية في القناة الإسرائيلية الرسمية “كان” أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وفي ظل التحقيقات التي فتحتها بشأن اختراق منظومة القبة الحديدية من قبل قراصنة الإنترنت كان لزاما عليها أن تجرب بشكل عملي منظومة “مقلاع داود” والاستعانة بها خلال الصراع الجاري.
وعزا المراسل العسكري في حديثه للجزيرة نت إقدام الجيش الإسرائيلي على الاستعانة بمقلاع داود لاعتراض الصواريخ متوسطة وطويلة المدى التي أطلقت باتجاه تل أبيب الكبرى إلى الاعتراف بتراجع القدرة الاعتراضية للقبة الحديدية.
وأوضح أن جيش الاحتلال وخلال جولة التصعيد على جبهة غزة توجه إلى التحقق من فعالية “مقلاع داود” ضد الصواريخ واختبار أداء المنظومة من أجل تقييم قدراته ضد التهديدات البعيدة التي قد تستجد على الجبهة الشمالية من سوريا ولبنان.
تكاليف وأضرار
من جانبه، يرى مستشار الشؤون الإستراتيجية كفير أدار أن تكاليف صواريخ القبة الحديدية التي أطلقت حتى اليوم الثالث من جولة التصعيد ضد غزة بلغت نحو 300 مليون دولار، وقال إنها باهظة جدا وتشكل خسائر فادحة.
ويعتقد أدار أن الحديث عن تراجع القدرة الاعتراضية للقبة الحديدية في جولة التصعيد الحالية يؤيده حجم الخسائر والأضرار جراء الصواريخ والشظايا التي سقطت فوق المناطق المأهولة، وكذلك الأضرار الناجمة عن عدم اعتراض كميات كبيرة من القذائف الصاروخية التي سقطت وتسبب بأضرار للبنى التحتية والطرقات والمنشآت التجارية والصناعية المختلفة.
وأشار إلى أن الضرر الذي يسببه كل صاروخ تفشل منظومة القبة الحديدية في اعتراضه لا يمكن تقديره بالمرحلة الأولى، لكن حتى الآن تضررت الكثير من الطرق والمباني والبنى التحتية، وتم تسجيل مقتل مدني في الشوارع التي أصيبت بشكل مباشر.
كما لحقت أضرار مباشرة -حسب المستشار الإستراتيجي- بعشرات المنازل في مستوطنة سديروت ومدينة عسقلان وفي منطقة رحوفوت بالعمق الإسرائيلي، و”هو ما يطرح السؤال عن مدى نجاعة القبة الحديدية لتحصين الغلاف الجوي والجبهة الداخلية الإسرائيلية”.