كتب – أحمد زكي – وكالات : يجمع معرض بيروتي في مجال التصميم بلبنان في نسخته الأولى مصممين وحرفيين وطلابا إلى جانب عدد من الخبراء ومسؤولي المعارض الإقليمية والعالمية، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على التراث والحرف اليدوية من الاندثار، وتواكب في الآن ذاته الاتجاهات العالمية من خلال تقديم تصاميم مستوحاة من الإرث اللبناني تم ابتكارها بلمسات عصرية.
تشهد أماكن عدة من بيروت النسخة الأولى من معرض واسع النطاق يحتفي بالابتكار اللبناني في مجال التصميم وبتنوعه ومزجه الطابعين التراثي والعصري، ساعيا في الوقت نفسه إلى إبراز الحرف التقليدية المعرّضة للزوال.
وكشفت خبيرة العلاقات العامة ماريانا وهبي التي أطلقت هذه المبادرة مع شريكها المصمم سامر الأمين أن النسخة الأولى من “وي ديزاين بيروت”، وهو حدث واسع النطاق يستمر إلى غاية السادس والعشرين من مايو الحالي، يفوق عدد المشاركين فيه المئة والخمسين، من مصممين وحرفيين وطلاب. وأوضحت وهبي في حديثها لوكالة فرانس برس أن المعرض يُبرِز “تنوّع الابتكار في مجال التصميم في لبنان رغم كل ما مرّ به البلد من ظروف صعبة”.
وتلاحظ أن التصاميم المعروضة “عالمية المستوى”، معتبرة أن الحدث يساهم في “الحفاظ على التراث والحرف اليدوية وقطاع التصميم”. واللافت في هذا الحدث الذي كان موعده مقررا في أكتوبر الماضي لكنّه تأجل بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة، أنه يقام في أماكن عدة في المدينة، ويضم ستة معارض، “ثلاث منها رئيسية”، بحسب وهبي، وبعض هذه المواقع لم يسبق أن شهد أيّ نشاط من هذا النوع.
ومن هذه المواقع متحف “فيلا عودة” للفسيفساء في العاصمة اللبنانية الذي يجمع 33 مصمما للأثاث. ويذكّر وليام وهبه، أحد المنسقين الفنيين لمعرض هذا المتحف، بأن أسبوع التصميم في بيروت الذي أقيم للمرة الأولى عام 2010 “كان قد اختفى من المشهد الفني اللبناني”، إذ غاب منذ 2019، بعدما تأثر القطاع بالأزمات والاقتصادية والصحية، “فتركَ لبنان قسم من المصممين الذين عانوا نقصا في المواد وتضررت محالهم” جرّاء انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، وكذلك محترفات بعض الحرفيين.
ويأسف وهبه لـ”تفكك النسيج الذي كان يجمع المصممين، بعدما جذبتهم مدن عربية أخرى حيث بإمكانهم تصريف إنتاجهم”، مضيفا “نحن نسعى إلى أن نجعل بيروت مركزا للتصميم والابتكار والتفكير وإيجاد الحلول الاقتصادية لهذا القطاع”. وفي حديقة “فيلا عودة” تنتشر مقاعد وطاولات وأعمدة للإضاءة بأشكال نباتات فطر ملوّنة، وعند مدخل الطبقة الأولى من هذا المنزل العريق الذي شُيد في القرن التاسع عشر، يبرز تجهيز عملاق مغلّف بمرايا تعكس حركة الزوار وجدران المكان وإضاءته.
الحدث يساهم في الحفاظ على التراث والحرف اليدوية وقطاع التصميم
ويُلاحَظ في الطبقتين المخصصتين للمعرض من أدوار القصر الثلاثة أن معظم المصممين اللبنانيين يستخدمون الرخام في تصاميمهم للطاولات والمكاتب، ويمزجونه بالخشب، ويلوّنون السيراميك، ويمزجون أنواعا من الخشب بطريقة عصرية وهندسية. ومن الابتكارات، استخدام الألمنيوم لصناعة رفوف مكتبة. فالمصمم اللبناني، وفق وهبه، “لا يستوحي فقط إرث بلده، بل يقاربه بطريقة عصرية مع التقنيات المستخدمة في الخارج، مواكبا الاتجاهات العالمية”.
والعالم أيضا يواكب تصاميم اللبنانيين، إذا استقطب المعرض عددا من الخبراء ومسؤولي المعارض الإقليمية والعالمية. ويرى المستشار الفني لمعرض شانغهاي للتصميم مايك بروهن أن المعرض البيروتي “رائع”. ويلمس في التصاميم “طاقة قوية جدا من خلال استخدام المواد والألوان المتوسطية الدافئة”. واسترعت انتباه الباحث البرتغالي في التاريخ دافيد موريرا طاولة طويلة مصنوعة بالحجر الرملي وأعجبته الكراسي الخشبية، قائلا “يذكرّني الخشب الخام والحجر الرملي بآثار المعابد الفينيقية”.
وفيما يرى موريرا أن “المصممين غير المعروفين خارج لبنان لديهم هويتهم المميزة”، يشدد بروهن على أن “للفنان اللبناني هوية تمتزج فيها الثقافة المتوسطية بثقافة الشرق الأقصى”. أما مبنى “بي آس لاب” الواقع قبالة مرفأ بيروت والذي دمّره انفجاره عام 2020، فيحتضن خلال المعرض “حرفيين عانوا خلال الأعوام الأخيرة وخسروا أعمالهم لأنّ الكثير من المصممين الذين كانوا يتعاملون معهم تركوا لبنان، علما أن هذه الحِرف مهددة أصلاً بالاندثار بفعل تقدم الحرفيين في السن”، بحسب ماريانا وهبي.
وتقول فاطمة طرطوسي (47 عاما) من طرابلس وهي تحفر عبارة “إن القناعة كنز لا يفنى” على إناء نحاسي، إنها ورثت الحرفة عن والدها، وعندما بلغت التاسعة تركت المدرسة وتفرغت لها، مضيفة “عندما أنتهي من الحفر أشعر بسعادة أنني استطعت أن أنجز شيئا جميلا”.
ويحافظ كريم شعيا على نقشات أرضيات البيوت اللبنانية التقليدية ساعيا في الوقت نفسه إلى تطويرها، في حين تصنع ديما أسطفان (34 عاما) الأثاث من الخيزران الذي تصفه بأنه “مادة نبيلة”، مضيفة إلى التصاميم التقليدية لمسة عصرية. وينحت حسام حمامي (38 عاما) على الخشب طير الكرك، وهو من الطيور المهاجرة المهددة بالانقراض، رغبة منه في “تخليد ذكراه”. وللبيئة حيّز مهم في “وي ديزاين بيروت”، من خلال الأثاث المصنوع من مواد معاد تدويرها أو مراعية لاعتبارات الاستدامة.
ففي ما كان قديما مصنعا للملابس القطنية في ضاحية برج حمود الواقعة إلى الشمال من بيروت، اجتمع طلاب خمس جامعات ليعرضوا مشاريعهم هذه المبنية على الاستدامة إلى جانب شركات جديدة تعنى بهذا المفهوم.
ويشكّل “وي ديزاين بيروت” فرصة لزيارة محترفات وصالات عرض بعض المصممين الرائدين في لبنان والمنطقة العربية، على غرار ندى دبس وكارين شكردجيان، ومنازل لمهندسي ديكور ومعماريين هي نموذج في الأناقة وتعبّر عن الاتجاهات الحالية الرائجة في التصميم. وفي البرنامج معرض استعادي عن المهندس المعماري الراحل خليل خوري ينظمه ابنه المهندس الشهير برنار خوري وحفيده، ويضم وثائق وصورا ورسوما ونماذج معمارية وأثاثا من تصاميمه.
إقرأ أيضاً :