بورتسودان- جثث ومفقودون، آلاف المواشي، عشرات القرى والممتلكات جرفتها السيول المندفعة من انهيار سد أربعات في ولاية البحر الأحمر شرقي السودان، ليرسم ملامح كارثة أطلت بوجهها على المدينة التي بات الآن يهددها العطش.
ومن منطقة سد أربعات إلى مسافة تقدر بأكثر من 30 كيلومترا، رصدت الجزيرة نت انهيار بوابة السد وجرف السيول للكتل الخرسانية، وتدمّر الخطوط الناقلة من السد وخروجها من باطن الأرض، وجرف 20 من القرى الواقعة وراء الجبال، ونفوق حوالي 40 ألف رأس من الماشية.
وأطلق أهالي منطقة أربعات ومدينة بورتسودان نداء استغاثة “أنقذوا أهل أربعات، أنقذوا بورتسودان”.
مغذٍ رئيسي
يقع سد أربعات في منطقة القنب وأوليب على بعد 40 كيلومترا من بورتسودان وهو المغذي الرئيسي لولاية البحر الأحمر بالمياه العذبة، وبانهياره باتت بورتسودان مهددة بالعطش، بحسب قيادات أهلية من المنطقة تحدثت للجزيرة نت. وفي مسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات سيرا على الأقدام بين الجبال والصخور والإطماء وتدفق مياه السد وصولا إلى نقطة انهيار البوابة الرئيسية، وصلت الجزيرة نت إلى المنطقة.
وقالت وحدة تنفيذ السدود بوزارة الري والموارد المائية -للجزيرة نت- إن السد تم تشييده عامي 2002 و2003، بسعة تخزينية تناهز 16 مليون متر مكعب، والمصرف بطول 60 مترا وارتفاع 4 أمتار، ويتم نقل المياه لبورتسودان عبر خط ناقل بقطر 20 بوصة.
وأضاف المسؤول في الوحدة، عبد الرحيم الأمين عبد اللّه، أن تراكم الإطماء بالبحيرة أثّر على السعة التخزينية، ونسبة للفيضان العالي لهذا العام فقد أدى إلى تجاوز كميات المياه أعلى السد.
ومن منطقة سد أربعات إلى مسافة تقدر بـ37 كيلومترا، جرفت السيول في طريقها نحو 20 قرية وممتلكات مواطنيها من ذهب وسيارات ومواشي ومبانٍ. ورصدت الجزيرة نت انهيارا تاما لبوابة السد، ولا تزال المياه والإطماء يتدفقان في المنطقة، مع انقطاع الطريق الأسفلتي المُعبد الموصل للسد.
وقال سكان من قرى أربعات إنهم سمعوا الساعة الواحدة ظهر يوم 25 أغسطس/آب الجاري صوت انفجار ضخم وتدفق المياه، وبصعودهم للجبل شاهدوا السيول تندفع بقوة.
خسائر كبيرة
الجزيرة نت التقت مواطني قرى واقعة شرقي سد أربعات، وقال موسى محمد موسى “تفاجأنا بانهيار السد وتدفق السيول وصعدنا الجبال، هناك خسائر كبيرة في الأموال والذهب والمواشي والمنازل، وجميع ممتلكاتنا جرفها السيل في طريقه”. وأكد أنهم يعانون الآن من انعدام المياه ويقطعون مسافة نصف كيلومتر سيرا على الأقدام للحصول على مياه عذبة للشرب.
من جانبه، قال مواطن آخر إنهم بحاجة حاليا إلى مياه الشرب، وفتح الشارع الذي غمرته السيول والإطماء والأشجار التي جرفها السيل في طريقه، مقدرا ارتفاع السيل بنحو 10 أمتار.
وأطلق الأمين العام للهيئة الشعبية للعمل الإنساني شرق السودان، إبراهيم إسماعيل جامع، نداء لإغاثة مواطني ولاية البحر الأحمر، وقال للجزيرة نت إنه بانهيار سد أربعات ينقطع المورد المائي الأساسي للولاية، ويهدد العطش الآن الملايين من سكانها.
وأضاف أن انهيار السد أدى إلى تضرر 70 قرية وتضرر 50 أخرى جزئيا، وجرف السيل 20 قرية بمواردها، وقد نفق 40 ألف رأس من المواشي، وتم انتشال 26 جثة بواسطة الدفاع المدني، وغمر نحو 50 بئرا، وقال “أنقذوا أهل أربعات، أنقذوا أهل بورتسودان، العطش يهدد ملايين البشر”. وأفادت إدارة الدفاع المدني بولاية البحر الأحمر بأنها انتشلت حوالي 15 جثة.
وقال اللواء قرشي حسين مساعد مدير عام قوات الدفاع المدني للشؤون الفنية والطوارئ والكوارث -للجزيرة نت- إن المنطقة الأكثر تضررا هي القنب وأوليب، وبلغ عدد الوفيات والجثث التي تم انتشالها بعد انحسار مياه السد 15جثة، بينما وصل عدد المفقودين إلى 25 معظمهم من المدنيين المحليين.
ويحذر سكان بورتسودان من عطش يُهدد المدينة، وسط مخاوف من إصابتهم بمرض السرطان والفشل الكلوي.
وصرح الأمين العام للهيئة الشعبية للعمل الإنساني -للجزيرة نت- بأن معظم ناقلات المياه للأحياء (تناكر، سقى) يتم جلبها من مياه الخيران وتجمعات المياه التي حدثت بفعل السيول، وهي مياه ملوثة بالزئبق ومخلفات التعدين مما يهدد بإصابة السكان بالأمراض.
وضع غامض
من جهته، قال مدير هيئة مياه ولاية البحر الأحمر عمر عيسى طاهر -للجزيرة نت- إن منبع أربعات يبعد حوالي 200 كيلومتر عن الجبال، وإن نسبة 80% من السد تهدمت تماما، وكان يغطي نحو 90 ألف متر مكعب من حاجة بورتسودان للمياه والتي تصل إلى 130 ألف متر مكعب “وبانهياره، فقدناها تماما إلى جانب تدمر الخطوط الناقلة والآبار التي بها طمي حاليا”.
وأضاف أنهم يسعون إلى معالجة ما يمكن بعد انحسار المياه، وأن محطات التحلية هي حلولهم البديلة. وأرجع أسباب انهيار السد إلى الإطماء الموجود أسفله، إضافة للسيول التي بدأت تتدفق قبل 10 أيام من الانهيار لتضغط على جسم السد وتتسبب في انهياره، مُقرّا بصعوبة تقدير تكلفة معالجة الضرر الذي لحق بجسم السد.
يُذكر أن أسعار المياه ارتفعت في مدينة بورتسودان، حيث زاد سعر عبوتين سعة 17.5 لترات ماء من 500 جنيه (0.19 دولار أميركي) إلى ألفي جنيه.
وقال صالح حسب اللّه رئيس الهيئة الشعبية للعمل الإنساني شرق السودان إن الوضع يشوبه الغموض حول منطقة أربعات، ولا توجد تقديرات دقيقة حول أعداد المفقودين والموتى. وكشف -للجزيرة نت- عن وفاة ما لا يقل عن 132 شخصا على الأقل عقب انهيار السد بعد السيول والفيضانات التي اجتاحت المنطقة مؤخرا.
ويقدر عدد الأشخاص الذين يعيشون على الجانب الغربي من السد وأصابهم الضرر بـ50 ألفا، وفق حسب الله، في حين لا يزال يتم تقييم مدى التأثير على الضفة الشرقية.
وفي الوقت الذي لم تقيم فيه بعد السلطات الحكومية الأضرار التي حدثت بسد أربعات، قالت وحدة تنفيذ السدود -للجزيرة نت- إنه سيتم إعادة دراسته وتصميمه قريبا. كما ذكرت أنه توجد حلول بديلة “ممتازة” لسد فجوة مياه الشرب تتمثل في سد “موج وسلالاب ودم” ويمكن مد بورتسودان من آبار أربعات، واستبعدت الوحدة “وجود أزمة مياه في المدينة”.
وأفاد المسؤول بالوحدة، عبد الرحيم الأمين عبد اللّه، بأنه يجري العمل على تأهيل الخزان الرابع وهو أقرب لمدينة بورتسودان.