اتفق خبراء على أن الجانب العسكري الإسرائيلي يفضل الانسحاب من فيلادلفيا لأن البقاء يعطل التوصل إلى اتفاق، وأن تصويت الكنيست على البقاء في هذا المحور يعني قتل جميع الأسرى وإنهاء المفاوضات.
ويرى الخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى أن معارضة وزير الدفاع يوآف غالانت للبقاء في محور فيلادلفيا ناتجة عن نظرته العسكرية للموضوع، موضحا أن غالانت يرى أنه لا فائدة من البقاء هناك، كما أنه يرى أن إطلاق الأسرى أهم من البقاء في المحور، وهو موقف تتفق عليه المؤسسة العسكرية والأمنية.
بينما أوضح أن السياسيين الإسرائيليين يتعاملون مع موضوع محور فيلادلفيا من منظار “أيديولوجي” يشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يريد عمليا احتلال قطاع غزة، وهو الهدف الإستراتيجي لهذه الحكومة.
وحذر الخبير بالشؤون الإسرائيلية من أن موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على بقاء جيش الاحتلال في المحور بمثابة توقيعها على “وثيقة استسلام” ومنح إسرائيل فرصة احتلال القطاع دون أن تتحمل مسؤولية الخسائر وسط السكان المدنيين.
وأشار إلى أن حديث غالانت بأن “إسرائيل أمام منعطف إستراتيجي” يمكن النظر إليه من عدة نواح مرتبطة بالحرب على غزة، موضحا أن البقاء في محور فيلادلفيا يعني احتلال القطاع ويتطلب وجود الجيش هناك.
منعطفات استراتيجية
وهذا يعني -بحسب الدكتور مصطفى- العودة إلى وضع ما قبل 2005، الذي يحمل منعطفات إستراتيجية متعددة على إسرائيل تتمثل في عدم حسم الجبهة الشمالية، والجبهة الداخلية فيما يتعلق بتجنيد الحريديم، إضافة إلى التمرد الذي بدأت تبديه الحكومة الإسرائيلية على الجهاز القضائي وأحكامه، وعدم انصياعها له.
واستبعد أن يقوم نتنياهو بإقالة غالانت الآن لأن ذلك سيزيد ضغط الإسرائيليين ضد هذا القرار، ونتنياهو يريد الحفاظ على نوع من الهدوء الداخلي بحكومته.
ومن جهته اعتبر الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن تمسك إسرائيل بالبقاء في فيلادلفيا يأتي وفقا لوجهة نظر عسكرية، رغم تصريحات قادة عسكريين إسرائيليين تتلخص في: تم القضاء على لواء رفح وتدمير 80% من الأنفاق، والجانب العسكري الذي يقول “يمكننا الانسحاب والعودة في وقت قصير جدا لإعادة السيطرة” وهذا ما يشير إلى أن الجانب العسكري يفضل الانسحاب لأن البقاء يعطل الوصول إلى اتفاق.
ولفت الخبير العسكري إلى أن نتنياهو لا يرغب أصلا في الوصول إلى اتفاق، ويصر على إجبار حماس على تقديم المزيد من التنازلات، بعد تنازلها عن مبدأ “الكل مقابل الكل”.
ومن جهته اختلف الباحث بالشؤون السياسية والإستراتيجية سعيد زياد مع اللواء الدويري في رأيه حول أهمية المحور، وقال إن السيطرة على فيلادلفيا ليست لها أي قيمة إستراتيجية ولا عملياتية، بل هو أمر سياسي، ومجرد “عصاة” يدخلها الاحتلال في “دواليب” الصفقة لتعطيلها.
التهديد الوجودي
وأشار الباحث إلى أن إجماع الكنيست على البقاء في محور فيلادلفيا هو تصويت على قتل جميع الأسرى، ويعني رصاصة الرحمة الأخيرة على ما يسمى صفقة أو مفاوضات، كما أنه “صفعة” في وجه الوسطاء وجميع من حاول رأب الصدع بين إسرائيل والمقاومة.
ووفق رأيه، فإن المقاومة وضعت إسرائيل على حافة التهديد الوجودي، الأمر الذي لن تنساه إسرائيل، موضحا أن المعركة ستفضي -على الأرجح- إلى تحقيق تهديد وجودي لإسرائيل، وتجعل حلم “أرض الميعاد” غير قابل للتحقق.
وعلى المستوى التكتيكي، يرى الباحث بالشؤون السياسية أن المقاومة وحاضنتها الشعبية هي التي تدفع الثمن الأكبر لهذه الحرب، ولكنه يرى أن دعوة القادة الأمنيين للانسحاب تشير إلى أنهم يريدون الاهتداء برئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل أرييل شارون عندما أقر خطة فك الارتباط والانسحاب من غزة عندما قتل 164 من جنوده، في ذروة الصدام خلال انتفاضة الأقصى بين عامي 2000 إلى 2005.
ولكنه بالمقابل يؤكد أن نتنياهو لا يريد الانسحاب ولا يرى أن فيلادلفيا سيتحول إلى ممر للموت كما تحول محور نتساريم الذي قتل فيه 31 جنديا إسرائيليا بالقذائف والهاون وصواريخ رجوم، مؤكدا أن أضعافهم سيقتلون في محور فيلادلفيا.
وبالحديث عن موقف الوسطاء، قال الباحث إن القرار بيد المقاومة التي أعلنت أن المفاوضات قد انهارت وأنه لا جدوى منها، مشيرا إلى سقوط جميع النقاط التي كان يراهن نتنياهو على تحقيقها: استبدال حماس، احتلال شمال غزة، القضاء على المقاومة، تهجير السكان.