كان من المفترض أن تكون رحلة الرئيس الأميركي جو بايدن المخطط لها إلى أنغولا يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الحالي تاريخية باعتبارها أول زيارة يقوم بها لأفريقيا خلال ولايته الرئاسية، لكنها تأجلت إلى موعد غير محدد بسبب إعصار ميلتون في فلوريدا الأسبوع الماضي، حسب ما قال البيت الأبيض، وكان يفترض أن تسبقها زيارة إلى ألمانيا للتحدث مع الزعماء الأوروبيين حول حرب أوكرانيا قبل التوجه إلى لواندا.
وكانت رحلة الرئيس الأميركي الذي يعيش الأيام الأخيرة من ولايته، بمثابة الوفاء أخيرا بوعوده العديدة لزيارة أفريقيا.
بالنسبة لأنغولا، كان من المقرر أن تحقق الزيارة انتصارًا دبلوماسيًا لحكومة الرئيس جواو لورينسو المضطربة، حيث تمنح الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي حق “التفاخر الإقليمي” باعتبارها الدولة التي اختارتها واشنطن لهذه الزيارة بعد غياب دام عقدًا من الزمن.
ورغم أن سبب التأجيل يبدو معقولا، فإن النقاد يقولون إن بايدن لم يبدو حريصًا قط على إعطاء الأولوية لأفريقيا في المقام الأول حتى في ظل التنافس القوي مع الصين وروسيا، اللتين توسعان نفوذهما بقوة في القارة ذات الموارد الطبيعية الكبيرة، والنمو السكاني السريع، وكتلة التصويت المعتبرة في الأمم المتحدة.
منذ انتخاب بايدن رئيسا في عام 2020 لم تطأ قدماه أي أرض أفريقية، على الرغم من إصرار إدارته على إعطاء الأولوية لاحتياجات سكان القارة البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة واحترام قادتها. في المقابل، تمكن بايدن من السفر إلى أوروبا عدة مرات -خمس مرات إلى المملكة المتحدة وحدها- وكذلك إلى دول في الشرق الأوسط وآسيا وأميركا اللاتينية.
وقال كاميرون هدسون، كبير محللي شؤون أفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره الولايات المتحدة، للجزيرة إن “إدارة بايدن لم تصل إلى مستوى خطابها”. وأضاف هدسون “حتى رحلة لواندا بدت وكأنها محاولة أخيرة رتبت على عجل للرئيس مع اقتراب أشهره الأخيرة في منصبه. ومن المفارقات أن هذه الرحلة ربما تكون أكثر أهمية بالنسبة لبايدن، الذي يبحث عن ترسيخ إرث في أفريقيا ويريد الوفاء بالوعد الذي قطعه مرارا وتكرارا لأفريقيا التي تستعد بالفعل لخليفته”.
وعود كبيرة وأفعال قليلة
وعد بايدن لأول مرة بزيارة أفريقيا في ديسمبر/كانون الأول 2022 عندما كان يتحدث إلى 49 زعيمًا أفريقيًّا اجتمعوا في واشنطن العاصمة لحضور قمة “القادة الأميركيين الأفارقة”. وعقدت تلك القمة في وقت كان فيه نفوذ الولايات المتحدة في القارة قد تضاءل بشكل كبير بالفعل حيث تفوقت عليها الصين في حجم التجارة في عام 2019.
ومنذ عام 2021، اتجهت دول منطقة الساحل في غرب أفريقيا أيضًا إلى روسيا لإقامة شراكات أمنية بعد أن طردت الغرب بمن فيها القوات الأميركية المتمركزة هناك.
بعد وليمة في البيت الأبيض، قدم بايدن وعودًا رسمية لنظرائه قائلا إن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان حصول الدول الأفريقية على مقاعد دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو الهدف الذي سعى إليه الاتحاد الأفريقي منذ 20 عامًا. وأضاف أن واشنطن تؤيد توصية بانضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين وسط تصفيق حاد من القادة.
وأعلن بايدن أن الولايات المتحدة مهتمة بأفريقيا مع حزمة دعم بلغت 55 مليار دولار للاتحاد الأفريقي من أجل الرعاية الصحية والبنية التحتية ومجموعة من القطاعات الأخرى.
ومع ذلك، قال هدسون إن العديد من الوعود لم تتحقق. وأضاف أن فشل بايدن في مطابقة أفعاله مع كلماته يأتي إلى حد كبير بسبب تراخي الإدارة تجاه القارة. وأضاف “في الواقع، لم يتابع البيت الأبيض في عهد بايدن ولم ينشر وثيقة سياسية تحدد علاقاته المخططة مع أفريقيا حتى أغسطس/آب 2022. لم يترك له ذلك سوى عامين لبناء إرث، وهو ليس وقتًا كافيا لإحداث تأثير حقيقي كبير”.
وعندما ظهرت وثيقة الإستراتيجية الأفريقية، التي طال انتظارها، على السطح ووصفها المحللون بأنها “طموحة” و”حديثة”، ابتعدت عن تركيز الرئيس السابق دونالد ترامب على العلاقات التجارية وتتبع دولارات المساعدات من خلال الوعد بالتركيز على رفع التمثيل الأفريقي في المؤسسات العالمية الدولية، وتعزيز الاقتصادات وتعزيز التكيف مع المناخ، وتضاءل الحماس بشأن هذه السياسة تدريجيا، خاصة بعد خروج بايدن من السباق الرئاسي في يوليو/تموز الماضي.
ويشير بعض الخبراء إلى أن بايدن حقق بعض الانتصارات، إذ تم قبول الاتحاد الأفريقي عضوا دائما في مجموعة العشرين في سبتمبر/أيلول 2023، كما أعلنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الشهر الماضي أن بلادها ستدعم مقعدين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأفريقيا من دون حق النقض.
كما أرسل بايدن مجموعة من المسؤولين الأميركيين للقارة، حيث قام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأربع رحلات، الذي ساعد في التوسط من أجل السلام بين الجارين المتنازعين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
كما زارت كامالا هاريس نائبة الرئيس أيضًا غانا وتنزانيا وزامبيا في رحلة استمرت أسبوعا في مارس/آذار 2023.
أميركا مقابل الصين وروسيا
ومع ذلك، فإن الضغط من أجل حصول أفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي دون حق النقض يشبه نقل مواطنيها إلى فئة من الدرجة الثانية، كما قال تيم موريثي، الأستاذ والباحث المشارك في جامعة كيب تاون، في صحيفة ديلي مافريك الجنوب أفريقية.
وأضاف “في الواقع، ستقتصر أفريقيا مرة أخرى على وضع المتفرج في قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤثر على حياة شعوبها، مما يكرر الاستبعاد التاريخي للدول الأفريقية الذي حدث في يونيو/حزيران 1945 عندما تم إنشاء الأمم المتحدة رسميًا في سان فرانسيسكو”، في إشارة إلى الوقت الذي كانت فيه معظم الدول الأفريقية لا تزال مستعمرة وغير ممثلة في المنظمة.
وفي المقابل، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ القارة ثلاث مرات. وكانت زيارته الأخيرة إلى جنوب أفريقيا في أغسطس/آب 2023 لحضور قمة مجموعة البريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وهي المجموعة التي يقول المحللون إنها تريد منافسة مجموعة الدول السبع.
وعندما سافر الزعماء الأفارقة إلى بكين لحضور القمة الصينية الأفريقية في سبتمبر/أيلول الماضي، لاحظ المحللون كيف التقى شي بالعديد من الزعماء الأفارقة بشكل فردي وأخذهم في جولة في العاصمة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضا في جنوب أفريقيا في عام 2013 لحضور اجتماع البريكس. واضطر إلى الانضمام إلى اجتماع العام الماضي عن بعد بسبب الضغوط الدولية على بريتوريا لاعتقاله بناءً على مذكرات أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في مارس/آذار 2023 بشأن حربه على أوكرانيا.
وحتى قرار بايدن بزيارة أنغولا -إذا حدث ذلك- يعد أيضا معيبا، كما يقول النقاد، فقد روج الجانبان لتعميق العلاقات التجارية والعسكرية، فضلا عن زيادة الاتصال الجوي، حتى إنهم وقعوا صفقة لاستكشاف الفضاء العام الماضي. والأهم من ذلك هو أن أنغولا جذابة للولايات المتحدة بسبب ممر لوبيتو، وهو مشروع للسكك الحديدية غير مكتمل بقيمة مليار دولار سيشهد نقل المعادن الثمينة من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى ميناء لوبيتو في أنغولا. وضخت الولايات المتحدة 3 مليارات دولار في المشروع.
ومع ذلك، يقول البعض إن هذا يبدو أكبر إرث لبايدن في القارة، وهو أمر غريب، إذ يشير الآخرون إلى أن الصفقة تركز في نهاية المطاف على الاستيلاء على الموارد وتشبه “الاستغلال” الذي اتهمت الولايات المتحدة الصين بالقيام به في القارة.
حليف مثير للجدل
وبينما تشيد حكومة بايدن بأنغولا باعتبارها حليفًا وثيقا، يشكك بعض الأنغوليين في هذه العلاقة، ذلك بأن حكومة الرئيس لورينسو لا تحظى بشعبية كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والفساد وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان.
في يونيو/حزيران الماضي، فتحت السلطات النار على المتظاهرين الغاضبين من التضخم، مما أسفر عن مقتل 8 أشخاص في مقاطعة هوامبو وسط البلاد. وتم القبض على عدة أشخاص آخرين في مدن في جميع أنحاء البلاد.
كما أن حزب لورينسو، الحركة الشعبية لتحرير أنغولا، الذي يتولى السلطة منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975، يعاني أيضًا من صراع داخلي على السلطة أضعف صورة الرئيس. ولم يذكر بايدن قضايا حقوق الإنسان هذه، ولا حتى عندما استضاف لورينسو في البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويقول الخبراء إن قربه من لورينكو يمكن أن يُنظر إليه على أنه يشجع الحكومة الأنغولية.
لقد استثمر الرئيس الأنغولي بكثافة في جهود الضغط لتحسين صورته في واشنطن. وقال فلوريندو تشيفوفوت، مدير مجموعة أصدقاء أنغولا والتي تدافع عن قيم ديمقراطية أقوى في أنغولا والتي يوجد مقرها في لواندا وواشنطن العاصمة، “إنه يواجه احتجاجات في الداخل. لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتنازل عن قيمها الأساسية المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان في محاولة للحاق بالركب”.
وقال تشيفوفوت “تحسنت العلاقة مع الولايات المتحدة فقط في الآونة الأخيرة. تاريخيًا، كانت أنغولا تميل نحو روسيا، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت تميل نحو الصين. واختارت الحكومة الأنغولية الأخيرة الحصول على القروض الصينية بدلاً من الحصول عليها من مؤسسات مثل البنك الدولي”.
بالنسبة لبايدن، قد يُنظر إلى انتزاع أنغولا من الصين أو روسيا على أنه نجاح، لكن الخبراء يقولون إنه لا يعترف به الكثير من الأنغوليين. ويقول محللون إنه مع انتهاء فترة ولايته، ليس هناك الكثير الذي يمكن أن يفعله بايدن الآن لتعزيز إرثه الأفريقي الضعيف.
وقال هدسون إنه حتى النجاحات القليلة التي حققها تتوقف الآن على الجهة التي سيمرر إليها العصا. في حين أن هاريس قد لا تبتعد كثيرًا عن سلفها، إلا أن تعليقات دونالد ترامب بشأن الدول الأفريقية لا تزال جديدة بالنسبة للكثيرين.
ومع ذلك، فإن وعود بايدن التي لم يتم الوفاء بها ستظل دائمًا وصمة عار. وأضاف “مشكلة التوقعات التي لم تتم تلبيتها هي أنها مؤلمة أكثر من الوعود التي لم يتم تقديمها على الإطلاق. في النهاية، لن يتم الحكم على سياسات إدارة بايدن تجاه أفريقيا بقدر ما سيتم الحكم على الفجوة بين تلك السياسات والتوقعات التي حددتها الإدارة”.