واشنطن- بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، توجه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط، للتشاور مع الحلفاء الإقليميين حول سبل التحرك المستقبلي في سوريا.
وتضاعفت أهمية الدور الأميركي في ما يحدث في سوريا بعد تغريدة الرئيس المنتخب دونالد ترامب بضرورة ابتعاد الولايات المتحدة عن أطراف النزاع داخل سوريا.
وفي محاولة لإلقاء الضوء على ما يجري، حاورت الجزيرة نت البروفيسورة ليلى هدسون، خبيرة شؤون الشرق الأوسط بجامعة أريزونا، والعضو المؤسس للتحالف من أجل العدالة الأكاديمية في جامعتها.
انتُخبت هدسون رئيسة لهيئة التدريس في جامعة أريزونا، وجدير بالذكر أن لها روابط عائلية مباشرة بسوريا.
وإلى نص الحوار:
-
هل فاجأك الانهيار الخاطف والسريع للنظام السوري؟ وهل توقعت ذلك؟
حسنا، لقد فوجئنا جدا بالسرعة التي جرت بها الأحداث، ومثل كثير من السوريين وكثير من الناس في المنطقة لم نتوقع ذلك، لقد بدا النظام وكأنه يختفي وينهار. لذا نعم، كان الأمر مفاجئا للغاية. وبعد 14 عاما، سعدت لرؤية التطلعات التي بدأت عام 2011، والتي كنا نعتقد أنها ضاعت إلى الأبد، والتي اعتقدنا أنها مجمدة إلى الأبد، تعود وتتحقق من جديد.
-
بالنظر إلى تجارب الانتقال في الدول المجاورة كمصر واليمن وليبيا، ما مدى تفاؤلك بحدوث تحول سياسي سلمي ديمقراطي مستقر في سوريا؟
حسنا، أنا آمل جدا في ذلك. وربما تكون جميع الأطراف المعنية قد تعلمت من تجارب تلك البلدان الأخرى في الماضي. وما زلت آمل جدا في أن نتجنب هذا النوع من الفوضى أو التفكك، وأن يتم استبعاد أو الانتباه للدور الهدام لبعض القوى الخارجية، مثل تلك التي لعبت أدوارا مشبوهة أدت إلى كثير من الفوضى.
وأعتقد أنه إذا نظرنا إلى خطاب زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، الملقب بأبو محمد الجولاني، وهو قائد الحركة الكبرى التي تقود الحراك والانتقال في سوريا، نرى أن هناك أدلة في سلوكه وفي تصريحاته العلنية، تشير إلى أهمية التلاحم، وفهمه أهمية القوى المحلية المتنوعة.
لقد تحدث عن قيم إسلامية كالتسامح، وكيف أنها ستلعب دورا رائدا في إعادة دمج كل السوريين. وسيتم دمج الجميع في المؤسسات العامة والعمل على التغلب على صعوبات الفترة الانتقالية.
آمل أن يتم تحديد الكوارث التي حدثت في أوقات ومناطق أخرى من الثورات، وأن يتم تجنبها، سيكون ذلك صعبا إلا أنه ممكن.
-
هل تعتقدين أن الإدارة الأميركية فوجئت بهذا الانهيار السريع للنظام السوري؟
نعم، أعتقد أن إدارة بايدن، وهي في أيامها الأخيرة، وبعد أن استعانت بحليفها الإسرائيلي لتحديد سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، وألقت بثقلها وراء ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية في قطاع غزة، فعلى الأرجح أنها فوجئت بما جرى خلال الأسبوعين الماضيين. ومن الواضح أن واشنطن لم تكن لاعبا بارزا في تشكيل مسار الأحداث في سوريا.
-
لا تزال هيئة تحرير الشام، وقائدها أبو محمد الجولاني، على قائمة الإرهاب الأميركية، وهناك 10 ملايين دولار مكافأة للقبض على الجولاني. هل تعتقدين أن واشنطن ستغير تصنيفاتها للجولاني وجماعته؟
نعم، وأعتقد أننا نرى بالفعل علامات على الانفتاح على هذا النوع من التحول؛ اليوم رأيت رسائل من بعض أعضاء الكونغرس تشجع على التراجع المنظم عن العقوبات المفروضة على سوريا، وأعتقد أن الآلة السياسة الإعلامية الأميركية قد بدأت بالتركيز على ضرورة وضع آلية من الحكومة الأميركية تكون جاهزة للتطبيق.
وأتصور أن ذلك سيعتمد في الوقت ذاته على تحولات وخطوات الجولاني وهيئة تحرير الشام، وعلى استطاعتهما حفظ الأمن وتحقيق الاستقرار في سوريا.
ولكن للقيام بذلك، ستنظر واشنطن إلى حقوق الأقليات مع الحصول على شهادات من المسيحيين والدروز والأكراد وغيرهم، تفيد بأنه لا يتم قمعهم وأنهم جزء من عملية التحول، وأن لهم أدوارا وتمثيلا في المؤسسات العامة، وبالطبع سيكون من المهم جدا مراقبة كيفية تعامل هيئة تحرير الشام نفسها مع النساء، وكيف يتعاملون مع المرأة في شوارع المدن السورية الرئيسية وما رأيناه حتى الآن واعد ومشجع.
وما نراه حتى الآن يبدو إصلاحيا، ويتفق مع عديد من وجهات النظر الإسلامية السائدة. هذه الطريقة التي يقدم بها الناس أنفسهم وكيف يعبرون عن أنفسهم في الأماكن العامة تعد مسألة ضمير فردي ترتبط بالتفضيلات الشخصية. لذلك، إذا واصلوا السير في هذا الاتجاه، فقد يسهّل ذلك الشراكة بين الإدارة السورية الجديدة مع لاعبين خارجين مثل الولايات المتحدة.
-
أجرى الجولاني مقابلتين مع “سي إن إن” ونيويورك تايمز، وفي كلتا الحالتين حاورته سيدة، كيف تفسرين ذلك؟ وهل لك أن توضحي التحول الفكري الذي نحن بصدده، أم أن الأمر لا يعدو سوى حملة علاقات عامة؟
أتمنى لو كنت أعرف، فليست لدي أي معرفة داخلية بهذا الشأن، لكني متفائلة.
بالطبع، ما نراه هو بالفعل شيء جديد إصلاحي، وإذا صح التعبير، نحن أمام حركة براغماتية بعيدة عن التطرف، وبدلا من تبني الجهاد العالمي ليكون غاية، كما هي الحال في تنظيمات القاعدة وداعش، نرى أنفسنا أمام حركة أخذت خطوات كبيرة منذ 2013 إلى 2016 في السابق، إلى تبني موقف أكثر براغماتية، والعمل خلال السنوات الماضية تجاه تحرير سوريا.
لذلك، بالنسبة إلي يبدو هذا مسارا معقولا ومتسقا مع “براغماتية الإسلام”. وطبعا، هناك مخاطر كبيرة واحتمالات للفشل، لكني كلي أمل في تحقيق واقع أكثر استقرار وإصلاحا وتقدمية.
-
ستكون هناك إدارة جديدة في البيت الأبيض بعد شهر وبضعة أيام، هل تعتقدين أن إدارة ترامب ستكون مختلفة عن إدارة بايدن عندما يتعلق الأمر بسوريا؟
حسنا، أنا متأكدة من أنك رأيت تغريدة ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، التي كتبها نهاية الأسبوع الماضي. ومن المثير للاهتمام، أن يكون موقف ترامب إيجابيا تجاه الوضع في سوريا، بتأكيده ضرورة عدم التدخل وترك الأمر للسوريين أنفسهم.
واستدعى ترامب تجربة تدخل الرئيس باراك أوباما الكارثية في الربيع العربي. وعليه، إذا كان ترامب تحركه الغرائز، فمن حسن الحظ أنه يستمر في الابتعاد عن قواعد السياسة الخارجية التقليدية للديمقراطيين والجمهوريين تجاه الشرق الأوسط، وقد يكون هذا شيئا جيدا.
ترامب، كما نعلم، لا يميل إلى أن يكون شرطيا إقليميا أو شرطيا عالميا، ولذا أعتقد أننا قد نرى موقفا أميركيا أفضل؛ ترامب يتوافق مع نفسه مثل اللاعبين الأقوياء الآخرين في الشرق الأوسط: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكلهم لديهم غريزة غير ليبرالية وغير ديمقراطية، لكن براغماتية للغاية بشكل مثير للاهتمام.
-
بما أنك تتحدثين عن بايدن وترامب، هل تعتقدين أنه ستكون هناك سفارة أميركية في دمشق في أي وقت قريب؟
خلال الأسابيع المقبلة، إذا ظهر أن الحكومة الانتقالية قادرة على الحفاظ على الأمن والنظام، وأنها شاملة ومستوعبة للأقليات، ولا تهدد جيران سوريا بشكل مباشر، أعتقد أنه من المحتمل جدا أن نرى سفارة أميركية تفتتح في دمشق سريعا.
لكن هناك عاملا آخر، وهو أن إسرائيل لم تتوقف عن شن هجمات على سوريا، وتشير تقارير إلى شنها الثلاثاء الماضي ما يقرب من 350 هجمة جوية على أهداف سورية، وسوريا تقترب من كونها دولة منزوعة السلاح.
وهذا يعقّد ويصعّب من مهمة المرحلة الانتقالية، خاصة أن الهجمات الإسرائيلية خارجة عن السيطرة، وربما تسعى تل أبيب لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، خاصة مع عدم اتخاذ واشنطن أي إجراءات للرد على ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليمينية.
وحتى لو لم يدمر الإسرائيليون كثيرا من القدرات العسكرية السورية، فهذه الهجمات تبعث برسائل إلى غياب الاستقرار، وهو ما يصعّب من أي خطوات لتحقيق تنمية اقتصادية أو شراكات استثمارية.
-
حاول ترامب خلال فترة ولايته الأولى سحب الـ900 جندي أميركي الموجودين في سوريا، هل تعتقدين أنه سيحقق هذا الهدف خلال ولايته الثانية؟
الوضع تغير بشكل كبير منذ ولاية ترامب الأولى. الآن، أصبح الـ900 جندي عددا محدودا، لا يشكلون وجودا أميركيا كبيرا، ولن أتفاجأ إذا بقي هذا الوجود الأميركي الصغير في المنطقة، خاصة أنه في منطقة مركزية، حيث التقاء الطرق الرئيسية لواحد من أكثر أجزاء الساحة السورية ديناميكية في الوقت الحالي.
فهناك جماعات معارضة مسلحة متنوعة، ومليشيات كردية، والجيش الوطني السوري، وغيرهم، وهم يتنافسون مع بعضهم بعضا، وهناك مجموعات أقل تقدمية وأكثر تقليدية من القوى المتنافسة في بعض الأحيان، وتتعامل مع السكان المحليين، وتحاول مواجهة بقايا تنظيم داعش. لذلك، سأتفاجأ بالفعل إذا سحب ترامب هؤلاء الجنود في ظل حالة عدم اليقين.
-
هل ستساعد واشنطن سوريا على إعادة بناء اقتصادها؟
ترامب زعيم غير ليبرالي يتخيل نفسه رجل أعمال وصانع صفقات، لذلك أتوقع مفاوضات، بدلا من سياسة “العصا الغليظة” التي استخدمتها واشنطن تجاه سوريا خلال العقود الأخيرة. وأتصور إعادة سيطرة سوريا على مواردها الطبيعية، وعودة تشغيل قطاع النفط والغاز في سوريا ليعود إلى طاقته التي فقدها خلال العقد الماضي لأسباب واضحة.
ومن شأن التوصل لصيغ شراكة السماح بإعادة بناء البنية التحتية مرة أخرى، وهذا سيتطلب علاقات خارجية مستقرة وجيدة. وكلي أمل بالتأكيد أن يكون ذلك في صالح الحكومة السورية الجديدة، وأن يتم تحويل هذه الإيرادات لإعادة ملء خزائن الدولة التي نهبها وأفلسها النظام السابق.
وسيمنح تحقق الاستقرار فرصة لإقامة شراكات وإقامة مشاريع استثمارية كبيرة، وأعتقد أن هذا هو أمل الشعب السوري.
-
هل تتفقين على أن إيران هي الخاسر الأكبر من التطورات التي تشهدها سوريا؟
حسنا، أحد التداعيات للانهيار السريع لنظام الأسد تمثل في لفت انتباه الشعب الإيراني نفسه وإدراكه لهشاشة حكوماتهم وعدم شرعيتها. ومن المؤكد أن أحداث الأشهر القليلة الماضية على وجه الخصوص قد أضعفت النظام الإيراني.
وكما تعلمون، فالإيرانيون الذين يتصورون مستقبلا مختلفا لإيران يجب أن يشجعهم التسلسل الكامل للأحداث السريعة وغير المتوقعة التي حدثت. قبل بضعة أسابيع، إيران بدت -مع ردودها المدروسة على الاستفزازات الإسرائيلية- أقوى بكثير وأكثر سيطرة، ولكن بدون مرورها عبر سوريا وبدون حليفها حزب الله، ستكون هذه بالتأكيد فترة من التراجع وإعادة تشكيل للنظام الإيراني.
وعندما ننظر للوجود الإيراني السابق في سوريا، والطريقة التي تم بها الانسحاب، نجدها صادمة للغاية. وبلا شك، ستقوم القيادة الإيرانية بكثير من إعادة الحساب، للبحث والاستفادة مما جرى.