في كل مرة يغادرنا قطب فني في لبنان أو حتى العالم العربي، نردد عبارة “ضيعانو ما بيجي متلو”.
صحيحة ومنطقية هذه العبارة، فالرعيل الذهبي الذي غادر بمعظمه، ترك إرثاً فنياً للمكتبة الموسيقية العربية، من الصعب استكماله بالمستوى ذاته بمن تبقى من نجوم هذا العصر، إيماناً ويقيناً منا بأن معايير الفن والنجومية اختلفت خلال السنوات الأخيرة، وباتت على قدر كبير من الاستهلاك السريع.
ولأن “الدني ما بتخلى”، ولبنان الذي أنجب فيروز وصباح ووديع وعمالقة العز، الذين صنعوا مجد وتاريخ لبنان وحضارته وثقافته، لم يبخل علينا في زمن الكساد الفني والركود الحاصل، بنجم بمقاييس وائل كفوري، الذي نرى فيه امتداداً لزمن العمالقة، ولعله من بين أواخر عناقيدهم في التاريخ الحديث.
وائل كفوري الذي صنع عزاً من النجاحات وسطر محطات تليق بنجوميته، كانت كفيلة بتتويجه نجماً عربياً، بات على ألسنة النجوم الأجانب.
ما حصل خلال مشاركته ضمن فعاليات مهرجان “Joy Awards” في الرياض، لم يكن حدثاً عادياً على الإطلاق، لقد تحول في تلك الليلة الاستثنائية إلى حالة استثنائية، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، وانهالت التعليقات المشيدة بحضور وائل كفوري خلال مشاركته الفنان الكندي مايكل بوبليه أغنية “My Way”.
ثنائية رائعة حالمة، نادراً ما تحصل، على غرار الظواهر الفلكية التي لا تكرر عادة. في تلك الوصلة، جمع وائل كفوري بصوته أوصال الإحساس والرومانسية والقوة، التي طغت حتى على صوت بوبليه، الذي أشاد بدوره بأداء وصوت وائل كفوري، وعبر عن إعجابه الكبير بموهبته.
إعجاب بوبليه بنجومية وائل كفوري لم يقف عند هذا الحد، بل وصف في فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الغناء مع وائل كفوري بالتجربة الرائعة، وقال: “لم أسمع صوته من قبل، لكن عندما استمعت إلى الشريط الذي أُرسل إليّ، شعرتُ باندهاش كبير. أحببتُ صوته، وأُعجبت بأسلوبه وخياراته الفنيّة. كانت تلك اللحظة واحدة من أبرز المحطات في مسيرتي الفنية”.
هذه الشهادة القيمة من نجم عالمي بحجم بوبليه، تدوّن في السجل الذهبي لوائل كفوري، مع أنه لا ينتظر شهادات من أحد، ولا نقول ذلك من منطلق إطراء مفرط، إنما من باب أننا نقدر جيداً فن وصوت وحضور وائل كفوري.
ابن البيت والأخلاق رد على فيديو بوبليه وشهادته، مؤكداً أن كلماته تعني له الكثير، وأنه من أشد المعجبين بأعماله، وقد شعر بالفخر عند مشاركته الوصلة الغنائية المميزة على خشبة مسرح “Joy Awards” في الرياض.
في الختام، لا بد من كلمة حق تقال، وائل كفوري صورة لبنان الراقية، صوت هذا البلد الذي ومهما طعنوه بمصاب جلل، يعود وينتفض لينفض عنه غبار الحـ روب والدمار. صوت يحمل قوة وجبروت أهله على الصمود والمواجهة، صوت مطواع ليّن لا تكسره عواصف، صوت دافئ مثل قلب وائل كفوري النابض بالحياة، والذي يرفض الاستسلام.
هذا الحضور الآسر في الرياض، هو مسؤولية في عنق وائل كفوري، ليكون عمله المنتظر، وكما عودنا، على هذا القدر من العالمية.
إشارة أخيراً إلى أن أغنية “My Way” هي النسخة الإنجليزية من أغنية “Comme d’habitude” الفرنسية، التي أطلقها الفنان الفرنسي كلود فرانسوا عام 1967، وغنى بعده الفنان الأميركي فرانك سيناترا “My Way” عام 1969، وقد كتب كلمات الأغنية باللغة العربية الشاعر منير بو عساف.