اجتاحت حالة من الذعر والخوف مدينة بوكافو يوم السبت مع فرار السكان والجنود بالآلاف، حيث تدافعوا للهروب من التقدم الوشيك للمتمردين الذين تدعمهم رواندا.
في صباح اليوم التالي لدخول مقاتلي حركة 23 مارس ضواحي بوكافو غصت بعض الشوارع بالمدنيين الذين حاولوا مغادرة المدينة فيما عمد بعض اللصوص إلى ملء أكياس الدقيق بما نهبوه من متاع. وقد خيم السكون عل المدينة في وقت لاحق من اليوم حيث يتوجس السكان وأصحاب الأعمال التجارية مما آت.
لكن يبدو أن حركة 23 مارس لم تكن قد سيطرت بعد السبت على بوكافو بشكل حاسم. ولم تعلن الحركة عن تقدمها كما حدث في اليوم السابق عندما سيطرت على مطار خارج المدينة.
وقال ألكسيس بيسيموا، أحد سكان بوكافو، إن الهدوء النسبي عاد مع توقف المعارك المسلحة بعد خروج القوات الكونغولية من المدينة وتوجهها جنوبًا.
وقال في اتصال هاتفي مع وكالة أسوشيتد برس: “لم نعد نسمع أزيز الرصاص كما كنا في النهار”.
وتعد المدينة ثاني أكبر مدينة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 1.3 مليون نسمة وتقع على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب مدينة غوما التي تقع تحت سيطرة المتمردين.
وقال السكان إنهم صُدموا لرؤية الجثث المحترقة التي تحولت إلى رماد وتناثرت في الشوارع وهي تعود لمدنيين كانوا ضحية اللصوص الذين ملأوا الفراغ الذي تركه الجنود الكونغوليون بعد أن تخلوا عن مواقعهم.
وقال آلان إيراغي، من بين السكان الذين لاذوا بالفرار السبت بحثًا عن الأمان: “لقد أضرموا النار في الذخيرة التي لم يتمكنوا من أخذها معهم”.
وأظهرت التقارير ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مصانع المنطقة وقد تم نهبها كما أُفرغت السجون أيضا. ولا زالت شبكة الكهرباء تعمل وخطوط الاتصالات مفتوحة في معظم الأماكن.
وقال أحد سكان أحد الأحياء التي تتعرض للنهب لوكالة أسوشيتد برس:”إنها وصمة عار. بعض المواطنين ذهبوا ضحية رصاصات طائشة. حتى أن بعض الجنود الذين لا يزالون موجودين في المدينة متورطون بشكل جماعي في حالات النهب هذه”.
وعن حالة الفوضى التي تشهدها بوكافو، أعلن تحالف نهر الكونغو، وهو تحالف من الجماعات المتمردة يضم حركة 23 مارس، أن المسؤولية تقع على القوات الكونغولية وحلفائها من الميليشيات المحلية وبوروندي المجاورة.
وقال لورانس كانيوكا، المتحدث باسم التحالف، في بيان يوم السبت: “ندعو السكان إلى الحفاظ على مدينتهم وألا يستسلموا للذعر”.
وناشد بيير باهيزي، حاكم بوكافو الجديد الذي نصبه المتمردون، سكان المدينة بالتزام الهدوء وتنظيم أنفسهم لإعادة النظام، قائلا: “يجب ألا نترك السلطة في يد الشارع”.
نبذة عن حركة 23 مارس
تعد حركة 23 مارس، وهي جماعة متمردة مدعومة بحوالي 4000 جندي من رواندا المجاورة، أبرز جماعة من بين أكثر من 100 جماعة تتصارع للسيطرة على شرق الكونغو الغني بالمعادن.
وقد أدى توسعها جنوبًا إلى السيطرة على كمية أكبر من الأراضي التي استولى عليها المتمردون في السابق وأصبح يشكل تحديًا غير مسبوق للحكومة المركزية في كينشاسا. وقد يؤدي الاستيلاء على بوكافو إلى التفاتة من المجتمع الدولي المنشغل بالعديد من الصراعات العالمية. وقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم السبت إلى وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب حركة 23 مارس من بوكافو وإلى عودة آمنة للسلطات الكونغولية إلى المدينة.
قتلى ونازحون بمئات الآلاف
وقد خلف التمرد الجاري في مقتل ما يقرب من 3,000 شخص في شرق الكونغو إضافة إلى مئات الآلاف من النازحين الذين تقطعت بهم السبل. وقالت الأمم المتحدة والسلطات الكونغولية إن ما لا يقل عن 350,000 نازح أصبحوا بدون مأوى.
ولا يبدو أي تباطؤ في وتيرة تقدم المتمردين. إذ زعموا الجمعة أنهم استولوا على مطار بوكافو، الواقع في بلدة شمال المدينة.
ولم تتمكن وكالة أسوشيتد برس من تأكيد الجهة التي تسيطر على المطار ذي الأهمية الاستراتيجية، والذي تستخدمه القوات الكونغولية لإعادة تموين القوات والمنظمات الإنسانية لإدخال المساعدات. وقال تحالف نهر الكونغو يوم السبت إن حركة 23 مارس سيطرت على المطار لمنع القوات الكونغولية من شن غارات جوية ضد المدنيين.
ولم يعلق المسؤولون الحكوميون وقادة المجتمع المدني المحليون على الفور، على الرغم من أن وزارة الاتصالات في الكونغو قالت إن المتمردين انتهكوا اتفاقات وقف إطلاق النار وهاجموا القوات الكونغولية التي تعمل على تجنب الدخول في حرب المدن والعنف في بوكافو.
تأتي التقارير عن أعمال النهب والفوضى بعد يوم واحد من تصريح السكان لوكالة أسوشيتد برس بأن الجنود في كافومو – بلدة المطار شمال بوكافو – قد تخلوا عن مواقعهم متجهين نحو المدينة. تعكس سلسلة الأحداث ما حدث الشهر الماضي في الفترة التي سبقت استيلاء حركة 23 مارس على غوما.
ويعكس تقدم المتمردين الحالة التي يوجد عليها الجيش الكونغولي رغم عديده وعتاده. إذ يعاني من قصور في التدريب والتنسيق وثمة تقارير عديدة تتحدث عن الفساد المستشري داخله.
ملف الكونغو الديمقراطية على جدول أعمال الاتحاد الإفريقي
كان الصراع في هذا البلد من بين أهم بنود جدول أعمال قمة الاتحاد الأفريقي في إثيوبيا يوم السبت، حيث حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن النزاع قد يتحول إلى حريق إقليمي.
وقال غوتيريش أمام قمة الاتحاد الأفريقي: “يجب تجنب التصعيد الإقليمي بأي ثمن”. “يجب احترام سيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية وسلامة أراضيها”.
ومع ذلك، كان القادة الأفارقة والمجتمع الدولي مترددين في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد حركة 23 مارس أو رواندا.
ورغم أن المسؤول الأممي قال إن حل النزاع يكمن في أفريقيا، إلا أن القادة الأفارقة يختلفون حول كيفية حل النزاع بطريقة ترضي الأطراف المتحاربة.
وعلى الرغم من الدعوات العالمية لوقف إطلاق النار، إلا أن التمرد أشعل التوترات التاريخية داخل منطقة البحيرات العظمى. وتنتشر قوات من بوروندي والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي لدعم القوات الكونغولية. كما تقاتل القوات الأوغندية جماعات متمردة أخرى في مناطق أخرى داخل شرق الكونغو، حيث تم الإبلاغ عن هجمات على المدنيين في الأشهر الأخيرة.
في إيتوري، على بعد مئات الكيلومترات شمالاً حيث تتقدم حركة 23 مارس، تطارد القوات الأوغندية عناصر من القوات الديمقراطية المتحالفة الإسلامية التوجه.
وقد شهد القتال تصعيدًا حادًا يوم السبت. وقد أبلغ موهوزي كاينيروغابا، القائد العسكري الأوغندي الأعلى، جميع القوات المسلحة في عاصمة المقاطعة بأن أمامهم 24 ساعة للاستسلام، وحذر من أن هذه المنطقة ستصبح تحت سيطرة الجيش الأوغندي قريبًا.
وقال كاينيروغابا في منشور على موقع X: “إذا لم يفعلوا ذلك، سنعتبرهم أعداء ونهاجمهم”، دون أن يسمي القوات الأخرى.