تواجه المنظومة الصحية في أوكرانيا أزمة حادة بعد ثلاث سنوات من الحرب، حيث تتعرض المستشفيات لهجمات متكررة وتزايد الإصابات القتالية، إلى جانب آثار نفسية خطيرة. كما امتد التأثير ليهدد برامج الوقاية وعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، التي أصبحت تعتمد كليًا على التمويل الخارجي.
وفي ظل هذا الواقع، أثار تجميد المساعدات الأمريكية في بداية ولاية الرئيس دونالد ترامب تساؤلات حول مستقبل الدعم الأمريكي، مما دفع منظمات مكافحة الإيدز إلى البحث عن حلول عاجلة لتعويض أي نقص محتمل في التمويل.
وقد قدم برنامج الطوارئ الرئاسي الأمريكي للإغاثة من الإيدز (PEPFAR) ما يقرب من 15.6 مليون دولار لدعم جهود مكافحة الفيروس في أوكرانيا بين عامي 2023 و2024، بما في ذلك العلاجات المضادة للفيروسات والاختبارات، وفقًا لتقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (UNAIDS).
لكن التقرير ذاته يحذر من أن أي قطع كامل للتمويل الأمريكي قد يحرم أكثر من 92,000 شخص – أي ما يعادل 78% من مرضى الإيدز في أوكرانيا – من الحصول على العلاج.
ارتباك حول موقف الدعم الأمريكي
بعد فترة وجيزة من توليه المنصب في يناير/ كانون الثاني، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بتجميد مؤقت لجميع البرامج الصحية العالمية الأمريكية، بما في ذلك (PEPFAR). كما تم تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
إلا أن الإدارة الأمريكية عادت وغيرت موقفها، حيث تم استثناء بعض المساعدات الإنسانية الضرورية، بما في ذلك علاج الإيدز، من التجميد. كما أمر أحد القضاة الأمريكيين برفع الحظر مؤقتًا عن التمويل.
لكن حالة عدم اليقين لا تزال قائمة، حيث حذرت المنظمات الإغاثية من أن توقف العلاج قد يؤدي إلى عودة انتشار وباء الإيدز عالميًا، لا سيما في دول مثل جنوب إفريقيا.
ورغم تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن (PEPFAR) لن يخضع للتخفيضات، إلا أن غموض الوضع دفع برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز في أوكرانيا إلى دق ناقوس الخطر، حيث لم يتلق حتى الآن تأكيدًا رسميًا بشأن استمرار التمويل.
حاليًا، يوجد مخزون علاجي يكفي لمدة خمسة أشهر فقط، مع توقعات بوصول دفعة جديدة في مارس، وفقًا ليوليا كفاسنيفيسكا، المسؤولة عن برنامج (UNAIDS) في أوكرانيا. لكنها تحذر من وجود فجوة تمويلية بقيمة 2 مليون دولار قد تهدد استمرارية العلاج بعد أكتوبر المقبل.
وفي الوقت الحالي، خُفضت مدة العلاج التي يحصل عليها المرضى من ستة أشهر إلى ثلاثة، مما يفاقم الأزمة، خاصة للنازحين الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية بشكل منتظم.
أزمة متفاقمة لمرضى الإيدز في أوكرانيا
ولطالما سعت أوكرانيا إلى تطوير برنامج وطني لمكافحة الإيدز، لكنها أصبحت تعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الدولي بعد الغزو الروسي، لا سيما من (PEPFAR) والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.
وكانت أوكرانيا وروسيا من بين الدول التي سجلت أعلى معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشرية في المنطقة. وفي عام 2022، دعت الأمم المتحدة إلى ضمان استمرار الخدمات الصحية لمرضى الإيدز دون انقطاع، نظرًا لوجود 260 ألف مصاب في أوكرانيا.
إلا أن الحرب أدت إلى انخفاض عدد المرضى المسجلين بنسبة 7%، وفقًا لأحدث التقارير، في حين تراجع عدد الذين يتلقون العلاج المضاد للفيروسات بنسبة 9% مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
ومع استمرار النزاع، اضطر آلاف المرضى إلى تلقي العلاج خارج البلاد، حيث يعالج نحو 4,400 مريض في بولندا وحدها.
وفي ظل التهجير الجماعي والأزمات النفسية المصاحبة للحرب، مثل الاكتئاب والقلق، ارتفعت معدلات السلوكيات الخطرة، مثل تعاطي المخدرات والدعارة، مما يزيد من احتمالية انتشار الفيروس ويؤثر على قدرة المصابين على الالتزام بالعلاج.
وتبقى الصورة غير واضحة في المناطق المحتلة أو القريبة من الجبهة، حيث من الصعب تتبع المرضى ومعرفة ما إذا كانوا يحصلون على العلاج من روسيا أو يواجهون خطرًا صحيًا متزايدًا.
دعوات عاجلة لتأمين التمويل
يحذر خبراء الصحة من أن أي انقطاع في العلاج قد يؤدي إلى زيادة حالات الإصابة بالإيدز والسل، الذي أصبح أكثر انتشارًا خلال الحرب.
وفي ظل هذا الوضع، يدعو برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز إلى تحرك عاجل وتكيّف سريع لضمان استمرار العلاج، محذرًا من أن التأخير قد يكون له “عواقب وخيمة” على المرضى الذين يعتمدون على العلاج مدى الحياة دون انقطاع.