حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من القرارات الصعبة التي تنتظره في ظل العجز المالي الكبير الذي تعاني منه البلاد، في وقت يواصل فيه العمل على إعادة تشكيل الأمن الأوروبي.
تأتي تصريحاته وسط توافق في المفوضية الأوروبية على خطة بقيمة 800 مليار يورو لتعزيز السيادة الدفاعية الأوروبية، وذلك ردًا على التقارب بين روسيا والولايات المتحدة، وأيضًا على مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتزايدة التي تظهر ازدراءً لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ما بين التحديات المالية والطموح الدفاعي
وتخصص فرنسا حاليًا 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي، فيما يسعى ماكرون إلى رفع هذه النسبة إلى 3.5%، وهو ما يتطلب تخصيص 30 مليار يورو إضافية سنويًا، بحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.
لكن هذا الطموح الكبير يواجه بتحديات كبيرة بالنظر إلى حالة المالية العامة الفرنسية، التي تتعارض مع هدف الحكومة الحالي المتمثل في تقليص عجز الميزانية إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025، بعد أن بلغ نحو 6% في عام 2024.
ومن بين الخيارات المطروحة، القرض الوطني الذي استخدمته الحكومة آخر مرة في عام 1993 لخفض ديون الدولة. وقد طرح رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ووزير الاقتصاد إريك لومبارد هذه الفكرة، إضافة إلى اقتراح إنشاء “حساب دفاع” مشابه لحساب الادخار الشخصي “ليفريت أ”، حيث تحدد الدولة معدل الفائدة وتستثمر الأموال لدعم تكاليف البنية التحتية ومدفوعات الدين الوطني.
كما اقترح لومبارد جذب استثمارات من البنوك وشركات التأمين والمستثمرين من المؤسسات المالية لدعم هذا المشروع.
ما هو الموقف الشعبي من زيادة الإنفاق الدفاعي؟
في حديث مع “يورونيوز”، أشار سيلفان بيرسنجر، كبير الاقتصاديين في شركة (Asteres) الاستشارية، إلى أنه في الوضع الحالي، لا يمكن لفرنسا تحمل زيادة في دينها العام.
وأضاف أن الحل البديل يكمن في محاولة زيادة النمو الاقتصادي، ما يؤدي بدوره إلى زيادة الإيرادات الضريبية. لكنه أشار إلى أن ذلك غالبًا ما يتطلب دفع الفرنسيين للعمل لفترة أطول عبر رفع سن التقاعد، وهو أمر غير شعبي إلى درجة يصعب تنفيذه. وأوضح بيرسنجر أنه “لا يوجد حل سحري” لهذا التحدي الاقتصادي.
ورغم المخاوف الاقتصادية، يبقى الدعم الشعبي لزيادة الإنفاق الدفاعي مرتفعًا. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مدرسة إيبسوس-سيزي للهندسة أن 68% من الناخبين الفرنسيين يؤيدون زيادة الميزانية الدفاعية.
حتى بين أنصار حزب فرنسا “الأبية” اليساري المتشدد، الذي عادة ما يكون حذرًا من التدخل العسكري، أيد 66% منهم زيادة الإنفاق الدفاعي. كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن أكثر من نصف ناخبي حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف يؤيدون زيادة الإنفاق العسكري أيضًا.
ما هو موقف الأحزاب الأخرى؟
رغم دعم غالبية النواب في مجلس النواب الفرنسي لأوكرانيا، إلا أن الانقسامات السياسية حول الموقف الفرنسي لا تزال قائمة. في الأسبوع الماضي، ناقش المشرعون موقف فرنسا، بما في ذلك إمكانية إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا.
من جانبها، أكدت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، دعمها للمساعدة الإنسانية لأوكرانيا، لكنها شددت على ضرورة أن تكون الأولوية لمصالح فرنسا الوطنية. كما رفضت فكرة إنشاء استراتيجية دفاع أوروبية موحدة وأبدت معارضتها لأي اقتراح بإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا.
في المقابل، انضم الحزب الاشتراكي وحزب الخضر إلى الحكومة، حيث اتفقا على ضرورة تعزيز السيادة العسكرية الأوروبية. وأشار أوليفييه فور، زعيم الحزب الاشتراكي، إلى معارضته لأي إجراءات قد تضع عبئًا على المواطنين الفرنسيين، مشيرًا إلى ضرورة فرض ضرائب على الشركات الكبيرة واتخاذ إجراءات ضد دول الاتحاد الأوروبي التي تعد ملاذات ضريبية مثل أيرلندا ولوكسمبورغ.
من جانب آخر، عبرت النائبة ألما دوفور عن قلقها من أن زيادة الإنفاق العسكري قد يستفيد منها في النهاية قطاع الدفاع الأمريكي. وقالت في مقابلة مع قناة “Franceinfo”: “نحن لسنا ضد إعادة تسليح فرنسا وأوروبا، لكن السؤال هو أين ستذهب الأموال التي ننفقها؟ إلى الولايات المتحدة؟”.
وفي تقرير صدر يوم الاثنين عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أظهر أن 64% من واردات أوروبا من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة، تليها فرنسا وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسرائيل.
وفي إطار البحث عن حلول تمويلية، اقترحت دوفور زيادة الضرائب على الأثرياء، مدعية أن فرض ضريبة بنسبة 2% على أغنى 500 شخص في فرنسا قد يدر 25 مليار يورو، وهو ما يمكن أن يساعد فرنسا في تحقيق طموحات الرئيس ماكرون في زيادة الإنفاق العسكري.