كتب – أحمد زكي : في زمن تتقاطع فيه السياسة بالتراث، ويعلو فيه صوت الجدل حول الهوية والسياحة والاقتصاد الثقافي، يبرز اسم الدكتور مصطفى وزيري كأحد أبرز الوجوه الإدارية والأكاديمية التي أدارت ملف الآثار المصرية خلال العقد الأخير. تولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في وقت كانت فيه مصر في سباق مع الزمن لترميم صورتها الثقافية والسياحية بعد سنوات من عدم الاستقرار. وبينما حظي بإشادات محلية ودولية على خلفية اكتشافات أثرية لافتة، لم تخلُ فترته من انتقادات تتعلق بقرارات الترميم، والتعامل مع البعثات الأجنبية، ونمط التواصل الجماهيري والإعلامي.
التكوين الأكاديمي والمهني – من مفتش آثار إلى قمة الهرم الإداري
ولد الدكتور مصطفى وزيري في صعيد مصر، وحصل على الدكتوراه في الآثار المصرية القديمة، وتدرج في الوظائف حتى أصبح مديراً عاماً لآثار الأقصر، ثم أميناً عاماً للمجلس الأعلى للآثار منذ 2017. جمع في شخصيته بين الخبرة الميدانية في الحفائر والعمل الأكاديمي، مما مكنه من تقديم نفسه كجسر بين مراكز البحث العلمي والدولة، وبين الثقافة الشعبية والإدارة الرسمية.
الاكتشافات الأثرية – دبلوماسية التنقيب والإبهار الإعلامي
ارتبط اسم وزيري بعدد من الاكتشافات الأثرية الكبرى التي أعادت تسليط الضوء على الحضارة المصرية القديمة، مثل:
الكشف عن مقابر فرعونية في منطقة سقارة، من بينها مقبرة “خوي” الفريدة ذات السقف المزخرف.
الاكتشاف الكبير لمومياوات الحيوانات المقدسة.
الكشف عن مدينة أثرية مفقودة تعود لعصر أمنحتب الثالث بالقرب من الأقصر.
تميزت هذه الاكتشافات ليس فقط بأهميتها العلمية، بل بالطريقة التي تم تقديمها إعلاميًا. فقد اختار وزيري أن يكون المتحدث الرئيسي في معظم المؤتمرات الصحفية، مما عزز حضوره الجماهيري، لكنه أثار تحفظات بعض الأثريين الذين رأوا أن الإعلام طغى على الجانب العلمي في بعض الأحيان.
الترميم والجدل – من “مومياء سقارة” إلى “الكباش”
واجه الدكتور وزيري عدة انتقادات بشأن بعض مشروعات الترميم، ومنها.
نقل تماثيل الكباش من معبد الكرنك إلى ميدان التحرير، وهو قرار أثار جدلاً واسعاً بين مؤيدين اعتبروه إحياءً للهوية البصرية، ومعارضين رأوا فيه تعديًا على سياق القطع الأثرية.
ترميم مومياء سقارة التي وُصفت في الإعلام بـ”المومياء الأجمل”، لكن خبراء أبدوا قلقهم من أسلوب الكشف عنها دون حماية كافية.
ترميمات قبة الإمام الشافعي التي خضعت لنقد تقني بسبب استخدام خامات اعتبرت غير مناسبة.
هذه الملفات فتحت باب التساؤلات حول آليات اتخاذ القرار داخل المجلس الأعلى للآثار، ومدى خضوع مشروعات الترميم للدراسات الأكاديمية مقارنة بضغوط العوامل السياحية والسياسية.
العلاقة مع البعثات الأجنبية – بين الاحتواء والسيادة الثقافية
في عهد وزيري، تزايد عدد البعثات الأثرية العاملة في مصر، من أكثر من 250 بعثة سنويًا. وقد حرص على تأكيد السيادة المصرية على العمل الأثري، مع بقاء التعاون العلمي مفتوحًا. إلا أن بعض الأكاديميين المصريين اشتكوا من قلة فرص المشاركة المحلية في البحوث الدولية، ومن غلبة البعثات الأجنبية في بعض المشروعات الكبرى، بما يطرح تساؤلات حول إعادة التوازن بين الداخل والخارج.
السياحة والثقافة – قراءة في الأثر غير المنظور.
ساهمت فترة وزيري في تعزيز الصورة العالمية لمصر كمتحف مفتوح، وزاد عدد زوار المواقع الأثرية تدريجيًا. كما دعمت مشروعات مثل “طريق الكباش” و”المتحف المصري الكبير” التحول من السياحة الموسمية إلى السياحة الثقافية المستدامة.
لكن هل كانت هذه الطفرة الإعلامية والسياحية مترافقة مع نمو حقيقي في الوعي المحلي بقيمة الآثار؟ وهل نجحت هذه المشاريع في دمج المجتمعات المحلية في المنفعة الاقتصادية؟ هذه أسئلة لا تزال مفتوحة في ظل فجوة قائمة بين المركز والمحليات، وبين الأثريين والإعلاميين.
بين الإجلال والجدل – إرث مفتوح للتأويل
لا يمكن إنكار أن الدكتور مصطفى وزيري لعب دورًا بارزًا في إعادة تموضع مصر على خريطة السياحة الثقافية العالمية. لكنه في الوقت نفسه، ترك وراءه سجلاً إدارياً وإعلامياً قابلاً للقراءة من زوايا متعددة. إن تاريخه المهني يُعد مرآة لصراع مستمر بين الحفاظ على التراث وتوظيفه، بين العلم والسياسة، بين الماضي والمستقبل.