تحدّى آلاف المحتجين في شوارع كينيا هذا الأسبوع الهراوات والرصاص المطاطي وخراطيم المياه، رافعين شعارا يُرجّح أن يُقلق الرئيس وليام روتو: “روتو ولاية واحدة”، في تعبير عن سخط شعبي متزايد تجاه سياسات الحكومة، لا سيما ما يتعلق بغلاء المعيشة والفساد واستمرار عنف الشرطة.
روتو الذي فاز بالانتخابات قبل نحو 3 سنوات متعهدا بحماية الفقراء وإنهاء انتهاكات الأجهزة الأمنية، بات يواجه تحديات متنامية تهدد مستقبله السياسي مع اقتراب انتخابات 2027.
ويقول محللون إن حكومته أضحت مطالبة بتنفيذ وعودها الاقتصادية وبناء جسور التواصل مع الجيل الجديد المتعلم، المعروف باسم “جيل زد”.
ويرى موشاهيد دورماز، كبير محللي الشؤون الأفريقية في شركة “فيريسك مابل كروفت”، أن استمرار الضغوط الاقتصادية وتصاعد الاتهامات تجاه الشرطة يشكلان تهديدا مباشرا لطموحات روتو الرئاسية.
حصيلة ثقيلة في يوم “سابا سابا”، ودعوات لمحاسبة المسؤولين
وفي الذكرى السنوية الـ35 لمسيرات الديمقراطية، خرج المحتجون الاثنين الماضي إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تخللتها اشتباكات عنيفة مع الشرطة، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، وأطلقت النار لتفريق المتظاهرين.
وأعلنت اللجنة الوطنية الكينية لحقوق الإنسان، وهي هيئة مستقلة، مقتل 31 شخصا، وإصابة أكثر من 107، إلى جانب حالتي إخفاء قسري وتوقيف أكثر من 500 محتج.
وفي بيانها، أدانت اللجنة الحقوقية “الانتهاكات الجسيمة” لحقوق الإنسان، ودعت إلى محاسبة كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك الجهات الأمنية والمدنيين.
كما أعربت الأمم المتحدة عن “قلق بالغ” إزاء عدد القتلى الذي أُعلن قبل يوم، مشيرة إلى أن “القانون الدولي يجيز استخدام القوة المميتة فقط في حالات الضرورة القصوى لحماية الأرواح من خطر وشيك”.
ورغم تصاعد الغضب، تواصل الحكومة تبني خطاب متشدد، حيث وصف وزير الداخلية كيبشومبا موركومين احتجاجات الشهر الماضي بأنها “محاولة انقلاب” نفذها “فوضويون مجرمون”.
وفي السياق ذاته، أعلنت النيابة العامة محاكمة 37 شخصا تم اعتقالهم آنذاك بتهم تتعلق بـ”الإرهاب”.
عودة إلى الماضي الدموي.. وصحف محلية تدق ناقوس الخطر
سلطت الصحافة الكينية الضوء على مسار العنف منذ وصول روتو إلى السلطة في 2022.
فقد كشفت صحيفة ستار أن عدد قتلى الاحتجاجات وصل إلى 140 شخصا منذ 2023، مشيرة إلى ما وصفته بـ”عودة فرقة القتل كينوتي”، في إشارة إلى وحدة أمنية سبق أن تورطت في عمليات قتل خارج نطاق القانون، وكان روتو وعد بحلها فور انتخابه.
أما صحيفتا ستاندرد ودايلي نايشن فقد تناولتا القصص الإنسانية للضحايا، حيث عنونت الأولى “أبرياء الدم”، في حين ركزت الثانية على شهادات ذوي الضحايا تحت عنوان “أقارب الضحايا يروون الساعات الأخيرة”.

جيل زد يقود موجة التغيير السياسي
عكست المظاهرات الأخيرة بروز “جيل زد” الذي بات يشكّل قوة سياسية صاعدة.
فهؤلاء الشباب الذين نشأوا في ظل التعليم المجاني ولا يتذكرون الحكم الاستبدادي، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في الحشد والتعبئة، متجاوزين النخب السياسية التقليدية.
ووفقا لمنظمة “أفروباروميتر”، يدخل نحو 800 ألف شاب سوق العمل سنويا في كينيا، إلا أن البطالة تظل مرتفعة، مما يعمّق الإحباط لديهم.
وأشار ماشريا مونيني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الولايات المتحدة الدولية في نيروبي، إلى أن “هؤلاء لا يحملون ذاكرة الأوقات الصعبة الماضية… بل تعلّموا كيف يطرحون الأسئلة”.
وقد أشعل مقتل المدوّن ألبرت أوجوانغ في عهدة الشرطة الشهر الماضي موجة غضب واسعة لدى هذا الجيل، أعقبتها مظاهرات يوم 25 يونيو/حزيران خلّفت 19 قتيلا.
وبحسب النيابة العامة، يُحاكم الآن 37 شخصا بتهم تتعلق بـ”الإرهاب”.

انكماش اقتصادي ومأزق سياسي
رد فعل الحكومة الصارم تجاه المحتجين ترك أثرا سلبيا على الاقتصاد.
فقد أظهرت بيانات بنك ستاندرد كينيا أن مؤشر توقعات الأعمال انخفض في مايو/أيار الماضي إلى ثاني أدنى مستوى له على الإطلاق، وسط تحذيرات من أن “الإغلاقات والاضطرابات ستواصل تقويض ثقة المستثمرين”، وفقًا لجيرفين نايدو من مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”.
ورغم تصاعد الاستياء، لا تبدو هناك قدرة سياسية لإطاحة روتو في الوقت الراهن، إذ يتمتع بأغلبية برلمانية تضمن بقاءه في السلطة حتى نهاية ولايته.
في المقابل، لا تزال المعارضة مشتتة بلا قيادة واضحة، وقد حيّد روتو أبرز خصومه بضم أعضاء من حزب رئيس الوزراء السابق رايلا أودينغا إلى حكومته.
ويراهن الرئيس على برامج اجتماعية وزيادة الإنفاق العام وتحسّن المؤشرات الاقتصادية لضمان ولاية ثانية، لكن محللين يرون أن ذلك قد لا يكفي.
فقد قال المعلق السياسي جافاس بيغامبو إن “الحكومة يراها الشباب حكومة عمياء، صماء وبكماء”، مضيفا أن الاستهانة بالمحتجين قد تُفاقم من فرص فشل روتو في الانتخابات المقبلة سنة 2027.