بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
ووفقًا لصحيفة ذا غارديان البريطانية، أطلق المستشار الألماني فريدريش ميرتس دعوة جريئة لتشكيل محور ثلاثي بين ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، بهدف مكافحة الهجرة غير النظامية وتعميق التعاون الدفاعي. وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في ستيفينيج، بعد توقيع معاهدة كينسنغتون، أول اتفاق رسمي من نوعه بين برلين ولندن منذ الحرب العالمية الثانية.
وبالتوازي مع مراسم التوقيع في متحف فيكتوريا وألبرت، أكد ميرتس أن هذه الاتفاقية تأخرت كثيرًا، موضحًا: “ظننا أن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كانت كافية، لكننا الآن نعلم أن ذلك لم يكن كافيًا”. كما عبّر عن أسفه العميق لخروج بريطانيا من الاتحاد، لكنه شدد على ضرورة تعزيز التنسيق مع لندن وباريس. من جهته، وصف ستارمر المعاهدة بأنها تجسيد للطموح البريطاني نحو تعاون أوروبي أوثق.
في السياق نفسه، طرح ميرتس تصوّره لإحياء ما أسماه “أوروبا المركزية” – وهي فكرة تعود إلى تسعينيات القرن الماضي عندما اقترح أستاذه وولفغانغ شويبله أن تقود مجموعة من القوى الأوروبية المتماسكة دفة القارة. وفي حين كانت بريطانيا خارج هذا الإطار سابقًا، تُظهر المعطيات الراهنة أن كلاً من ميرتس وستارمر يسعيان لوضع لندن في صلب محور أوروبي جديد، حتى دون العودة الرسمية إلى عضوية الاتحاد.
وفي ظل تصاعد التوترات الدولية، خصوصًا بسبب الحرب في أوكرانيا والتردد الأمريكي في ملف الناتو، شدد القادة الأوروبيون الثلاثة على أهمية التنسيق الأمني الأوروبي. كذلك، اقترح ميرتس توسيع الاتفاق الأخير بين بريطانيا وفرنسا بشأن إعادة المهاجرين غير النظاميين، ليشمل ألمانيا أيضًا. وأكد: “نرغب في خفض معدلات الهجرة غير الشرعية في أوروبا بشكل جذري”، مضيفًا أن التنسيق بين الدول الثلاث “خطوة لم تكتمل بعد، لكنها أساسية”.
بعد ذلك، أعلن ستارمر أن ألمانيا ستُدخل تعديلات قانونية تتيح للسلطات مصادرة محركات القوارب ومعدات التهريب المُتجهة لعبور المانش، مما يُغلق ثغرة طويلة في نظام الإنفاذ البريطاني. وصرّح قائلاً: “ناقشنا هذه المسألة مطولًا، والمستشار تعهّد بتعديل القانون لتمكيننا من التدخل السريع”.
فيما بعد، وقّع كل من ميرتس وستارمر ووزيري الخارجية البريطاني ديفيد لامي والألماني يوهان واديفول، معاهدة كينسنغتون التي تشمل بنودًا أمنية وعسكرية وثقافية. أبرز هذه البنود: بند للمساعدة المتبادلة في الأمن القومي، يعترف بأن روسيا تمثل “التهديد المباشر والأخطر” على البلدين، وخطط مشتركة لتطوير تقنيات دفاعية تشمل طائرات تايفون ومركبات بوكسر وصواريخ طويلة المدى.
إلى جانب ذلك، أطلقت الاتفاقية مجموعة من المبادرات الثقافية والتعليمية، من ضمنها تشكيل فريق عمل مشترك لدراسة إمكانية إنشاء خط سكة حديد مباشر بين لندن وبرلين، بالإضافة إلى توسيع برامج تبادل طلاب المدارس لتعزيز الروابط بين الأجيال.
ورغم أن الاتفاق لا يُشكّل تحالفًا عسكريًا رسميًا، إلا أنه يُقرّب المملكة المتحدة من ألمانيا وفرنسا في ملفات الهجرة والأمن، وهما قضيتان باتتا أكثر إلحاحًا في ظل ظروف دولية متغيرة. من هنا، تتزايد أهمية هذه الاتفاقية في وقت تتراجع فيه ثقة الأوروبيين في التزام واشنطن، وتتصاعد فيه حدة النقاشات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.
على الصعيد الداخلي، تتزامن مبادرة ميرتس مع تصاعد نفوذ حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي يستغل قضايا الهجرة والدفاع لكسب مزيد من التأييد الشعبي. وقد وجّه منتقدو الحزب الديمقراطي المسيحي انتقادات لميرتس معتبرين أنه يفتقر إلى خطاب حاسم في مواجهة الشعبوية، غير أن المستشار الألماني يسعى لتقديم نفسه كصوت عقلاني يقود أوروبا نحو استقرار سياسي وأمني جديد.